معهد السلام الأمريكي يقر بالامتداد التاريخي السوري ـ اللبناني
الجمل: عقد مركز تحليل النزاعات، التابع لمعهد السلام في الولايات المتحدة الأمريكية سمناراً، حمل عنوان: دور سوريا في لبنان، وشارك في السمنار جمع من الخبراء، وقد تمحورت المناقشات حول العديد من النقاط والمحاور.
تقول مقدمة السمنار: إن الفترة الأخيرة، قد شهدت توتراً متزايداً بين الولايات المتحدة، وحزب الله، وداعميه: سوريا وإيران، بحيث ظلت الولايات المتحدة تتهم حزب الله وسريا وإيران بالعمل من أجل زعزعة وتقويض استقرار حكومة لبنان الحالية التي يترأسها فؤاد السنيورة رئيس الوزراء.
وفي هذا الصدد صرّح البيت الأبيض الأمريكي مندداً بالحكومة السورية، وزاعماً متحدثه الرسمي بأن هناك مؤشرات ودلائل على أن دمشق تحاول إعاقة وعرقلة تكوين وإنشاء المحكمة الدولية الخاصة بمحاكمة المتهمين بقتل رفيق الحريري رئيس الوزراء اللبناني الأسبق. كذلك يرى بأن الموقف السياسي في لبنان أصبح غير مستقر ولا يتميز بالثبات. إضافة إلى أن طبيعة الدور السوري في لبنان، وبالذات بالنسبة لحزب الله، أصبحت تحذر بامتحان عصيب أصبح وشيك الحدوث.
النقاط العامة للسمنار:
• المصالح السورية في لبنان تتميز بجانبين يتمثلان في التعقيد أولاً، والعمق التاريخي الراسخ القدم، ومن ثم، فبرغم انسحاب القوات السورية من لبنان، إلا أن الروابط الاقتصادية والاجتماعية والسياسية مازالت تشكل قواماً وشبكة تفرض وجودها القوي برغم الخلافات.
• وبرغم الخلافات والخصومات السورية- اللبنانية، فإن هناك المزيد من تكتيكات العلاقة بين الطرفين، ويتمثل ذلك في وجود المزيد من الأطراف اللبنانية المتبنية لوجهات النظر السورية –وعن قناعة تامة- داخل لبنان.
• تزايد قوة حزب الله –حليف سوريا الرئيسي- في العقدين الماضيين وبرغم دعم السوريين الكامل له، إلا أن السوريين لا يمارسون نفوذاً على استقلالية عملية صنع واتخاذ القرار داخل حزب الله، وعلى سبيل المثال، نجد سوريا لم تلعب دوراً في الوقائع المباشرة التي أدت إلى اندلاع حرب الصيف الماضي بين إسرائيل وحزب الله.
• اتجاهان سياسيان، رئيسان، يتمثلان في ضعف المؤسسات العامة أولاً، وثانياً في تزايد بالفساد والمحاباة، أصبحا يشيران بقوة إلى أن الموقف العام سوف يصبح أكثر زعزعة وعدم استقراراً في كلا البلدين –سوريا ولبنان- طالما أن الكثير من الأطراف مازالت تتصارع، بطريقة أو بأخرى، من أجل تأكيد وتدعيم مصالحها، ضمن بيئة سياسية إقليمية، متطايرة، غير مستقرة، دائمة التحول.
وعلى خلفية النقاط العامة التي استند إليها السمنار، برزت من خلال النقاش الملامح العامة الآتية، والتي شكلت الخطوط البارزة لمضمون السمنار، وهي:
- شبكة الروابط السورية- اللبنانية العالية التعقيد:
المصالح السورية في لبنان، والمصالح اللبنانية في سوريا، تتميز بالترابط الجيوستراتيجي، وهذا الترابط من الصعب إن لم يكن من المستحيل، أن يتم تفكيكه، وبالتالي لا يمكن فك الارتباط والتداخل السوري- اللبناني الجيوستراتيجي، وتحويله إلى مجرد ارتباط بين دولتين على غرار ما يحدث بين دول العالم الأخرى من علاقات دولية وسياسية.. فمثلاً من الصعب ترسيم الحدود السورية- اللبنانية بشكل فاصل، ومن ثم يجب فهم الرفض السوري لهذا الإجراء، باعتباره رفضاً موضوعياً، يقوم على حقيقة أن الروابط السورية- اللبنانية هي بالأساس روابط عضوية وليست سياسية.
كذلك، على خلفية الطبيعة العضوية، للروابط السورية- اللبنانية، جاء رفض السوريين لعملية نشر القوات الدولية على الحدود السورية- اللبنانية، وأيضاً جاء دعم السوريين لحزب الله في مواجهة إسرائيل، وذلك بسبب الإدراك السوري للبنان القائمة على أساس اعتبارات (قيمة لبنان الاستراتيجية) كممر للغزو والعدوان المحتمل، على نحو، ربما يكون أكثر خطورة من الجولان نفسها، كما يرى بعض المحللين.
يقول السمنار، لكي نفهم بشكل كامل وصحيح الدور السوري في لبنان، فإنه من الضروري بمكان، أن نفهم كيف يمسك الاقتصادان السوري واللبناني ببعضهما البعض، ومن أبرز المؤشرات لعملية الـ(إمساك الثنائي) هذه، أن القطاع الخاص في كل من سوريا ولبنان يمثل نسبة في الناتج المحلي الإجمالي بكلا البلدين تتراوح بين 25% و50%، وقد أدى ذلك إلى نشوء شبكة حيوية فائقة التعقيد من الأطراف والكيانات الخاصة السورية اللبنانية، تتجاوز مصالحها وارتباطها الخلافات السياسية بين البلدين، وتعمل في كل شيء، مستندة إلى روابط الاقتصاد، وروابط الدين والطائفة، والعائلة، وبدرجة أقل: روابط السياسة، ومن أبرز المجالات التي تعطيها بشكل تام حالياً عملية الـ(إمساك الثنائي) هذه، نجد الآتي:
• العمالة: فائض العمالة السوري يتوجه إلى لبنان، لأنه يجد سهولة في الانخراط والاندماج ضمن مجتمعها، وذلك بسبب الحقيقة المتمثلة في وحدة الأصل للشعبين السوري واللبناني. كذلك، لا يستطيع الاقتصاد اللبناني العمل دون فائض العمالة السوري، وذلك لأن العمال الأجانب يكلفون أكثر، بما لا يتناسب مع قدرة الاقتصاد اللبناني على دفع تكاليفهم، إضافة إلى أن المجتمع اللبناني لا يستطيع استيعاب فوائض العمالة الاجنبية غير السورية، وقد لعب فائض العمالة السوري دوراً كبيراً في إعادة تعمير لبنان بعد اتفاق الطائف، وحالياً بعد حرب حزب الله- إسرائيل، هناك حاجة ماسة أكبر في لبنان الآن لفائض العمالة السوري، وعودة العمال السوريين.
• التجارة: لا يستطيع لبنان بتاتاً تمرير تجارة الترانزيت الخاصة به، والتي تتضمن حوالي 25% الى 35% من إجمالي صادراته إلا عبر الأراضي السورية، كذلك يتمتع أثرياء سوريا بمزايا تجارة الخدمات اللبنانية المتطورة، والتي من جهة لن يستطيع اللبنانيون أن يجدوا زبائناً لها غير السوريين، وفي الوقت نفسه من الجهة الأخرى التي لا يجد الأثرياء السوريون مكاناً مناسباً لهم أفضل من لبنان في المنطقة، على الأقل.. إضافة إلى أن فقراء لبنان، والذين يشكلون نسبة كبيرة من سكانه، لن يجدوا مكاناً أفضل وأنسب من سوريا للتمتع بمزايا التعليم والعلاج المجاني، إضافة إلى شراء السلع الضرورية الهامة بأقل التكاليف.
• الأنشطة المالية: برغم الخلافات السياسية والمصاعب، فقد أصبحت القطاعات المالية في سوريا ولبنان، أكثر تكاملاً، وهي تعمل حالياً بما يشبه التكامل الاندماجي، فالليرة السورية لها قيمة في الأسواق اللبنانية، تقارب قيمتها في الأصلية في سوريا، وأيضاً الليرة اللبنانية لها قيمة في الأسواق السورية تقارب قيمتها الأصلية في لبنان.. كذلك تعمل المؤسسات المصرفية والمالية بكل سهولة حالياً داخل سوريا، إضافة إلى أن المؤسسات اللبنانية المالية مازالت تشكل الملاذ الآمن المناسب للكثير من رؤوس الأموال السورية.. ومن سخرية القدر أن العقوبات الأمريكية الاقتصادية ضد سوريا بسبب مواقفها –كما تزعم أمريكا- في لبنان، سوف تؤدي بقدر كبير إلى الإضرار بالمؤسسات المصرفية والمالية اللبنانية، على نحو سوف يكون فيه ضررها الواقع على مصالح لبنان يفوق ضررها الواقع على مصالح سوريا.
• الهيمنة والنفوذ: ويقول السمنار، بأنه بعد خروج القوات السورية من لبنان، فإنه لم يعد هناك أي شيء اسمه نفوذ أو هيمنة سورية على لبنان، ولكن أكدت الوقائع العملية بأن الأجندة التي كانت توصف بأنها أجندة سورية في لبنان، أصبحت الآن –وبعد الخروج السوري- أجندة لبنانية بحتة خالصة، يتبناها حزب الله وحركة أمل، وبعض القوى السياسية الأخرى، على نحو تمتع بدعم الشارع اللبناني الواسع، بشكل أصبح يهدد الـ(أجندة الأجنبية) والأطراف اللبنانية الأخرى المؤيدة لها، وبالتالي تؤكد التجربة الحالية حقيقة الوحدة الموضوعية لما يعرف بـ(الأجندة السورية- اللبنانية)، والتي على ما يبدو سوف تظل واحدة لفترة طويلة قادمة.
• التحالف المتطور والمتزايد مع حزب الله: عندما كانت سوريا في لبنان، كانت تقوم بدور (الحليف والشريك الصغير) مع كل فصيل من الفصائل والأطراف اللبنانية، ولكن بعد خروج سوريا أصبحت تقوم بدور (الحليف والشريك الكبير) مع الفصائل والأطراف اللبنانية المؤيدة لتوجهاتها، في مواجهة الأطراف اللبنانية الأخرى، المؤيدة والداعمة لتوجهات القوى الخارجية الأخرى داخل وخارج المنطقة.
- المحاباة والحميمية العابرة للحدود:
الروابط التجارية والاقتصادية، على خلفية الروابط العائلية والاجتماعية أدت إلى نشوء المزيد من روابط الحمية والمحاباة بين المواطنين السوريين واللبنانيين، وبالذات الذين يقطنون في المناطق الحدودية، على النحو الذي يمكن أن يؤدي إلى إضعاف سلطة الدولة، إذا حاول أي من الجانبين السوري أو اللبناني التدخل من أجل القضاء على هذه الروابط.
الآفاق المستقبلية: تقول مناقشات السمنار، بأن هناك ثمة عاملان قد قاما بإعادة تشكيل الدور السوري في لبنان:
* انسحاب القوت السورية من لبنان.
* صعود قوة ونفوذ حزب الله.
ويرى السمنار بأن الجمع بين هذين العاملين يؤدي إلى الاستنتاج القائل: بأن هذين العاملين قد طورا وأعادا تحديد وتعريف العلاقات السورية- اللبنانية، على نحو أصبح فيه حزب الله لا يطرح أجندته الخاصة وفقاً للأجندة والرؤى السورية، بل أصبح يقوم بدور الامتداد التاريخي للشراكة السورية- اللبنانية، بالتي ظلت موجودة منذ عشرات السنوات.
وأخيراً نقول: إن الحقيقة الرئيسة التي توصل إليها هذا السمنار تتمثل فيما ورد في جزئه الأخير، ونضيف إلى ذلك بأن الشراكة السورية اللبنانية، هي بالأساس ليست شراكة، بل وحدة عضوية موضوعية، ولهذا السبب، عندما تحاول بعض الأطراف اللبنانية التخلي عن هذه الوحدة، فإن أطرافاً أخرى سوف تتمسك بها، وقد أكدت التجربة التاريخية بأن الطرف اللبناني الذي يتخلى عن هذه الوحدة يكون دائماً في موقف الأضعف.. أما الذي يتمسك فإنه يكون في موقف الأقوى، لأنه أولاً وأخيراً يحصل على تأييد الشعب اللبناني الكامل.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد