ماسبب ضعف القدرة الشرائية لمواطني أغنى دولة عربية

12-02-2007

ماسبب ضعف القدرة الشرائية لمواطني أغنى دولة عربية

مرة أخرى ماذا يحدث في أسواقنا .. هل غلاء الأسعار شر لابد منه باعتبارنا لم نعد نعيش لوحدنا فكل أسواق الدول المجاورة وغير المجاورة انفتحت على بعضها البعض .. أم أن الأنماط الاستهلاكية الخاطئة هي المسؤولة عن جعل الدخل لا يكفي مهما كان كبيرا‏

لنعترف أولا أن الإغراءات التي أتت بها التشكيلة السلعية الضخمة والخدمات الحديثة في الاتصالات تدفعنا لاقتنائها أو على الأقل تجريبها لاسيما بالنسبة لجيل الشباب .. وبالتالي ولم نعد نفرق بين ما هو ضروري وما هو كمالي .. ولم نعد نفرق ..هل نحن مجتمع منتج ومن حقه أن يتمتع بحياة عصرية .. أم أننا مجتمع مستهلك يبحث عن الرفاهية بأي ثمن للتباهي ولو على حساب لقمة العيش ..‏

هل نستطيع تقييم الواقع بشكل علمي محايد لنعرف ما نريد وهل نحمل المسؤولية لوعي الناس أم للدولة المعنية بتوفير الحاجات الأساسية للأسرة .. أم للتاجر الذي يهمه الربح بأي طريقة وتحت أي تسمية كانت ..‏

المؤشرات الرسمية تؤكد أن معدل البطالة انخفض من 11% عام 2003 إلى 8.5 % العام الماضي .. وبذات الوقت حصة دخل الفرد من الناتج الإجمالي ارتفعت من 1050 دولاراً بالأسعار الثابتة لعام 2000 ( أي بمعزل عن التضخم ) إلى 1500 دولار عام 2006 أي بزيادة 50 % خلال 6 سنوات ..‏

والأهم من ذلك أن معدل الزيادة في الرواتب والأجور في الفترة ذاتها بلغ وسطيا 11.4 % سنويا بينما معدل التضخم 6.6 % سنويا وهذا يعني أن الدخل الحقيقي كان أعلى بكثير من معدل التضخم .‏

وعلى صعيد الإنتاج نجد وفق الإحصائيات الرسمية وتصريحات المسؤولين أن سورية صدرت منتجات نسيجية وكيميائية وهندسية وغذائية بحوالي 7 مليارات بينما لم تصدر سوى بحدود 800 مليون دولار عام 2000‏

ولو عدنا إلى السلعة التي كنا نعتمد على أساسها لقياس مؤشر الأسعار التي كانت تضم 250 سلعة فإننا نجدها اليوم تضم 750 سلعة وهذا مؤشر على تحسن المستوى المعيشي .. لكن نصيب المواد الغذائية إلى المواد غير الغذائية والخدمات الحديثة في المجتمع هو الذي تغير ولم تعد نفقات الأسرة محصورة في حيز ضيق إنما توسعت بشكل كبير‏

ويبدو أن زيادة السلع الجديدة وسلم الأولويات للفرد والأسرة يجعلان الخلل قائما إلى ما لانهاية فالبعض مثلا يقول دخلي انخفض لأنني أدفع 2000 ليرة فاتورة موبايل شهريا وسورية فيها ثلاثة ملايين وربع المليون خط موبايل .. فهل الموبايل ضروري لكل الناس وهل يمكن أن نخفف من قيمة الفاتورة أم نمتنع عن اقتنائه ريثما يصبح مناسبا لدخلنا على غرار الهاتف الثابت‏

والإحصائيات الرسمية تؤكد أن العام الماضي ارتفع معدل الإنفاق الخاص أي ما ينفقه المواطنون إلى 25 % خلال عام .. فمن أين أتى هذا المال كما يقول المسؤولين .. خصوصا بعد توفر بيع السيارات بالتقسيط .. وهذا برأيهم دليل على ارتفاع مستوى الدخل , ومع ذلك الدولة مستمرة بتوفير العلم وخدمات الصحة مجانا.‏

وتعترف الحكومة أن السوق التنافسي الذي يساهم في تخفيض الأسعار لم يكتمل ومازلنا في طريق طويل لتأسيسه ونحن في مرحلة انتقالية شئنا أم أبينا .. ولذلك برأي الحكومة .. علينا أن ننظر إلى الأسعار والأسواق بشكل مختلف فهناك تنوع واسع جدا في السلع المتاحة يرافقه تنوع في الأسعار والمشكلة أننا تعودنا على تشكيلة سلعية محددة في فترات سابقة وكانت الأسعار مثبتة مركزيا وعلينا أن نتعود أن هناك اختلافاً في الأسعار بين الأسواق وهناك سلع لا نستطيع شراؤها كما هو في كل دول العالم ..‏

والدولة لا تمتلك بعد كل أدوات السوق وهي تسعى للتأثير فيه لمصلحة المستهلك حيث تعمل على تفعيل المؤسسات التجارية التابعة لها لتعمل في أسلوب جديد وستصدر القرارات المناسبة لذلك واتخذ قرار بافتتاح فروع جديدة.‏

وإذا كنا نعترف أن هناك غلاء عالمياً فإن ما يحصل هو المبالغة فيه أضعاف مضاعفة والمشكلة الأكبر في المنتجات المحلية التي تعتمد بالكامل على مواد أولية وصناعية محلية التي يطالها الغلاء دون أي منطق .. والمشكلة في الأرباح المبالغ بها من قبل الحلقات الوسيطة من تاجر جملة ونصف جملة ومفرق إذ لا يهمهم اسمهم التجاري أو ما يقدمونه للوطن إذ يتهربون من الضرائب ومن الفواتير النظامية ويتنافسون كم تبلغ أرصدتهم وأموالهم ونوعية السيارات والفلل التي يمتلكونها ويبررون أرباحهم بأن ثمن محلاتهم ومكاتبهم بالملايين ونفقاتهم باهظة جدا رغم أن الدولة أعطتهم كل الإعفاءات والتسهيلات التي تمكنهم من تقديم سلع وخدمات منافسة وبأرخص الأسعار‏

ولا يخفى على أحد القيم الاستهلاكية الخاطئة فبينما يتم تربية الفرد في الأسرة الغربية للاعتماد على نفسه ماديا نجد في أغلب الأحيان أن ثقافة الأسرة العربية تعتمد على تضحية الآباء من أجل أبنائهم ولهذا يجب أن يتحمل الأبناء مسؤوليتهم ألا يكونوا أنانيين ويسترخوا وينفقوا أموالا كثيرة على الموبايل والانترنيت ولملابس ذات الماركات ليقلدوا أقرانهم في المدارس والجامعات‏

وحتى الأغنياء يتحملون المسؤولية فيتبعون مظاهر استهلاكية تفاخرية لا مبرر لها ويضطر الفقراء إلى تقليدها كالمبالغ في الأفراح وركوب سيارات فاخرة وغيرها ..‏

وبالنتيجة .. الأسرة تتحمل فوق طاقتها حيث يتسائل الأبناء لماذا ولدنا في أسر فقيرة أليس من حقنا أن .. وأن ... وهذا يؤدي إلى ضغوط نفسية على الوالدين وإلى نشوء مشاحنات داخل الأسرة وقد تؤدي إلى تفككها وإلى انحرافات خطيرة لا تحمد عقباها .. ولهذا مطلوب التنبه إعلاميا وتربويا لما يحدث الآن وعلى الجميع من دولة ومجتمع تحمل مسؤولياتهم للحفاظ على الأسرة بوجه التحديات التي تواجهها والمتوقع أن تتضاعف ريثما يكتمل بناء السوق الاجتماعي المنتظر ..‏

قاسم البريدي

المصدر: الثورة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...