لاجئ في حمى الجمل!
الجمل - د. عمار سليمان علي:
تقول القاعدة العامة: من يستقيل يضع نفسه بتصرف الشعب أو الهيئة الناخبة, ومن يُقَل يوضع تحت تصرف الوزير أو الجهة الوصائية. المثال الأوضح والأحدث عن الحالة الأولى هو الرئيس الباكستاني المستقيل برويز مشرف الذي استقال منذ أيام ووضع نفسه بتصرف الشعب, متجاهلاً ـ وهذا موضوع آخر! ـ أن شعبيته في الحضيض. أما مثال الحالة الثانية فهو الكاتب الصحفي اللامع عبد الفتاح العوض الذي أحدث ثورة حقيقية في صحيفة الثورة إبان تسلمه لرئاسة تحريرها (دون أن يكتب "رسائل في الحب الستيني" كما يفعل رئيس تحرير الثورة الحالي الذي يصر على العودة بنا وبالثورة ستين عاماً إلى الوراء!) ليتسلم بعد ذلك إدارة الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون لفترة قصيرة قبل أن يٌقال ويوضع تحت تصرف وزير الإعلام, أي جهة الوصاية, ويبدو أنه ـ على ما يشاع ـ قد منع من الكتابة في صحيفة الخبر الأسبوعية الطالعة (ندعو لها بالتوفيق) أو منعت الصحيفة من نشر مقالاته, لأنها ـ ربما ـ خارج تصرف الوزير الذي وُضع العوض تحته وليس خارجه (ضمير الهاء يعود للتصرف وليس للوزير!).
انتابتني هذه الأفكار وأفكار أخرى كثيرة وأنا منشغل فيما يمكن أن أفعله بعد أن "اُستقيل أو اُستغلق" موقع النزاهة الذي كنت أكتب فيه مقالاتي على مضض. والمضض هنا ـ للعلم وللفائدة ـ عائد إلى لفظتي "اُستقيل واُستغلق" اللتين لم أجد لهما بديلاً مناسباً فاضطررت لاستخدامهما على مضض, إذ أنني لم أستسغ يوماً أمثال هذه الصيغ لسببين: الأول أنها بنظري تتنافى مع العربية الصحيحة, والثاني وهو الأهم أن أكثر من يستخدمونها, هي ومثيلاتها من هذه الاشتقاقات المبنية للمجهول.. المعلوم, هم صحفيون لبنانيون معادون لسوريا ماضياً وحاضراً ومستقبلاً, ماضياً لأنها كانت في لبنان, وحاضراً لأنها لم تعد في لبنان, وربما مستقبلاً لأنها لم تعد إلى لبنان, وأستاذ هؤلاء جميعاً هو الكبير ـ سناً ـ غسان تويني أطال اللـه عمره!.
إذن الموقع لم يستقل وأنا أصلاً لست برويز مشرف لأضع استقالتي بتصرف الشعب, كما أن الموقع لم يُقَل وأنا لست حتى عبد الفتاح العوض لأوضع تحت تصرف الوزير, فماذا سأفعل بحالي إذن وأنا مجرد مواطن سوري "صبور على التعب والعطش والقهر, ويسمح للسادة بامتطائه وحلبه ونهش لحمه... كالجمل... ولو أن داروين عاش في سوريا لقال بأن أصل الإنسان جمل". يا إلهي هذا الكلام ليس لي.. كأنني قرأته سابقاً وحفظته واستخرجته الآن من أعماق الذاكرة... نعم نعم تذكرت, لقد قرأته في زاوية شغب.. إذن لقد وجدتها.. نعم وجدتها: لا مجال أمامي سوى طلب اللجوء مع النبلاء والصالحين إلى حمى الجمل النبيل الصالح. "ولذلك يقال: ما كبير إلا الجمل"....
إضافة تعليق جديد