فتح الإسلام علقت في «عين علق»
هل تتحول «فتح الإسلام» كبشاً مسمنا يفتح ملف السلاح الفلسطيني المعقد وخاصة خارج المخيمات مع توسع انتشار الجيش اللبناني حول مخيم نهر البارد؟
تماماً مثلما ظهرت فجأة يبدو ان قطاف رأسها حان بسرعة... «فتح الاسلام» إحدى الظواهر التي نبتت من دون مقدمات نتيجة تداخل الصراعات الممتدة من لبنان الى العراق الى فلسطين وحتى افغانستان, وبلا شك أيضاً من الأردن الى سوريا فالسعودية وبعض دول المغرب العربي.
وليس ادراج اسماء هذه الدول على سبيل التساؤل وانما لسبب جوهري مرده ان اشخاصاً يحملون جنسيات هذه البلدان منضوون في هذا الاطار التنظيمي الجديد الذي لم يبلغ عمره الاشهر الاربعة بعد.
ونشأة أي تنظيم تعني مشروعاً سياسياً, ولا مشروع سياسياً من دون تمويل سيما اذا كان مسلحاً, ولا يمكن لأي تنظيم ان يمول نفسه بنفسه, إلا اذا كان مجرد عصابة يصارع افرادها للعيش عبر السطو والقتل لتأمين الحاجات الخاصة, وبمثل هذه الحالة لا تعلن العصابات عن نفسها لتقول «ها أنا خذوني».
يوم الثلاثاء 13 آذار €مارس€ 2007 وبعد انتهاء جلسة مجلس الوزراء برئاسة فؤاد السنيورة والتي كانت مقررة لبحث تشكيل وفد الى القمة العربية, خرج الوزير حسن السبع ليعلن خبراً كان جرى تسريبه قبل أربع ساعات الى وكالات دولية بأن اعترافات ادلى بها موقوفون كشفت من يقف وراء جريمة تفجير الباصين في قرية «عين علق» وأن الشبكة التي تنتمي الى تنظيم «فتح الاسلام» كانت تنوي تفجير بيت الكتائب في بكفيا عبر دراجة نارية مفخخة.
الا ان التسريبة الأولى كانت تتحدث عن نيات التنظيم المذكور بمهاجمة القوات الدولية المعززة في جنوب لبنان وتصفية شخصيات لبنانية يبلغ عددها 36 شخصية ولفت ما اعلنه الوزير السبع ان المتهمين كانوا يمولون انفسهم ذاتيا بواسطة السطو على المصارف مشيراً الى مصرفين واحد في طرابلس والآخر في صيدا تعرضا للسطو من قبل المجموعة الموقوفة وربط المجموعة بحركة «فتح الانتفاضة» وهي حسب الوزير جزء من الجهاز الأمني المخابراتي السوري والتعاون الذي ساد بينهم كان وثيقاً جداً, وان فتح الاسلام ثلاثة اقسام, واحد داخلي مرتبط بالقضايا اللبنانية ويشهد تنسيقاً كاملاً مع اجهزة المخابرات السورية, والقسم الآخر مهمته جلب جنسيات معينة للدخول, فأعطوا انفسهم هذه التسمية. واشار السبع الى توقيف اربعة سوريين في جريمة عين علق ولا يزال احد الذين وضعوا المتفجرات فاراً.
وكذلك لفت ما اعلنه قائد قوى الامن الداخلي اللواء اشرف ريفي بأن مجلس الوزراء كلف الاجهزة الامنية دراسة موضوع الدخول الى المخيم €نهر البارد€ وملاحقة كل المجرمين المعنيين بهذه الجريمة.
قائد «فتح الاسلام» شاكر العبسي اعتبر ان هناك قراراً سياسياً باستهداف تنظيمه عسكرياً وقال لـ«الكفاح العربي» نحن على استعداد لأي معركة نافياً أي علاقة له بسوريا التي سجن فيها وكذلك نفى علاقته بالقاعدة. مشدداً على ان دينه يمنع قتل المدنيين.
وقال ان اي محاولة تجاه المخيمات ستواجه باستشهاديين جاهزين للدفاع عنها وهؤلاء الاستشهاديون كانوا يتحضرون لضرب الكيان اليهودي واشار الى ان تنظيمه يراقب حركة الاجراءات الامنية حول مخيم نهر البارد.
وبدأ الجيش اللبناني انتشارا امنياً حول مخيم نهر البارد منذ توقيف الشبكة المنتمية الى «فتح الاسلام».
بالطبع فتح كشف الشبكة ملفاً معقداً كان طرح في بداية جلسات الحوار في ايار €مايو€ من العام الماضي وهو السلاح الفلسطيني وبالأخص خارج المخيمات, وكذلك داخلها بداية من «فتح الاسلام» التي لم تحجب نياتها.
الا ان التوقيت في اعلان ذلك توقف عنده المراقبون سيما وان التحقيقات انتهت الاسبوع الماضي. خصوصاً مع وصول منسق السياسة الأوروبية خافيير سولانا الى دمشق المحطة الثالثة في جولته التي شملت لبنان والسعودية, وهي الزيارة التي حدثت بعد عامين من القطيعة مع سوريا, وكذلك قبل ساعات من تسليم المحقق الدولي سيرج براميرتس تقريره الدوري للأمين العام للأمم المتحدة وكذلك قبل ساعات من الاحياء المفترض لذكرى 14 آذار, وايضاً بالتزامن مع الدعوات المتزايدة لمراقبة الحدود السورية اللبنانية عبر نشر قوات دولية بحجة منع تهريب الاسلحة الى المؤيدين لسوريا. وفي هذه النقطة الاخيرة اوضح السفير الروسي سيرغي بوكين ان القرار 1701 لا يتضمن نشر قوات دولية على الحدود المذكورة.
ومن المعروف ان الاتهامات يوم 13 شباط €فبراير€ وما بعده كانت وجهت الى الحزب السوري القومي الاجتماعي بأنه وراء تفجير «عين علق» حتى ان البعض اطلق شواهد نشرت عبر بعض الصحافة.
والاعترافات التي ادلى بها الموقوفون من «فتح الاسلام» وفق مصادر امنية سجلت على شريط فيديو عرضت امام جلسة مجلس الوزراء التي ترأسها الرئيس فؤاد السنيورة وحضرها مدعي عام التمييز سعيد ميرزا وقائد قوى الأمن الداخلي اللواء اشرف ريفي, ورئيس فرع شعبة المعلومات المقدم وسام الحسن. وان الاعترافات المسجلة سلمت الى لجنة التحقيق الدولية, فيما قالت مصادر من الاتجاه نفسه ان الملف سوف يحال على لجنة التحقيق الدولية بعد استكمال التحقيق الا ان المصادر الاولى قالت ان زيارة رئيس لجنة التحقيق سيرج براميرتس الى السعودية قبل اكثر من اسبوع من اعلان كشف الشبكة ترتبط بتوقيف العناصر السعودية الاربعة وقد تبين له انهم يحملون اوراقاً ثبوتية مزورة سعودية لكنها غير صادرة عن السلطات السعودية رغم ان ثلاثة من الاربعة دخلوا لبنان قانونياً وليس خلسة وان هؤلاء تم توقيفهم حسب المصادر اثناء محاولة عودتهم الى السعودية عن طريق مطار بيروت.
واذا كانت عناصر «فتح الاسلام» اعلنت نفسها تنظيماً مستقلاً في تشرين الثاني €نوفمبر€ من العام 2006 فإن حركة «فتح الانتفاضة» نفت بالمطلق اي علاقة او صلة بها او ببنية الحركة التنظيمية والعسكرية وقالت في بيان صادر عن لجنتها المركزية ان المدعو شاكر العبسي وهو عضو مفصول من صفوف فتح لا يعني اي صلة على الاطلاق بهذا التشكيل ولا يرتب عليها اي مسؤوليات او تبعات.
واذ دانت «فتح الانتفاضة» التفجيرات التي تستهدف المدنيين كما حصل في عين علق اكدت حرصها الشديد على أمن لبنان وسلامته وعلى السلم الأهلي معتبرة ما اعلنه الوزير السبع افتراءات ومغالطات, ويؤشر الى توظيف سياسي مشبوه.
فالعبسي الذي منح نفسه رتبة عقيد وهو بالطبع صاحب تجربة عسكرية حسب الذين يعرفونه وقد درس الطيران الحربي بشقيه الميكانيكي وقيادة الطائرات تمكن من جمع نحو مئة وسبعين مقاتلاً يعملون تحت امرته وكان يريد حسب العارفين تسمية تنظيمه باسم آخر له علاقة بـ«بلاد الشام» لكنه ارتأى مع مجموعته تأجيل الامر الى مرحلة مقبلة والاكتفاء حالياً باسم «فتح الاسلام» والبعض يعتقد ان هذا التنظيم جرت «تسميته» فجأة لتقديم رأسه كانجاز امني يعتد به وقت الحاجة.
ولذلك يبدو ان مثل هذا الشعور انتاب جماعة «فتح الاسلام» التي اعتبرت ان الاتهامات التي طاولتها «مغرضة ومدفوعة الثمن» وقالت نحن بريئون من كل هذه الاتهامات براءة الذئب من دم يوسف عليه السلام, ونحن اصبحنا علاقة تعلق عليها كل الجرائم التي يراد ان يغطى على فاعلها, وانه يراد لنا ان نلعب دور حصان طروادة, وفي هذه المرحلة لا يخفى على العاقل بأنه لا بد من تقديم قربان لتحميله مسؤولية كثير من الاعمال, ويبدو ان هناك اتفاقا على تحميل فتح الاسلام هذه المسؤولية, وهذه مقدمة لبرنامج ومشروع عدائي تجاه المخيمات والوجود الفلسطيني في هذه المخيمات. والأمر ابتدأ باتهامنا بالعمالة لصالح تيار المستقبل ثم حزب الله ثم المخابرات السورية ثم تنظيم القاعدة واخيراً وليس آخراً نتهم بتفجيرات عين علق, وربما قريبا نتهم بغيرها, ولا ندري اين سينتهي هذا المسلسل, ولكن هيهات هيهات فنحن اوعى من ذلك وسوف تبدي الايام لكل ذي عينين اننا ما جئنا لنخرب وانما جئنا لنبني ونصلح ما افسده المفسدون.
ثم نقول وننبه لماذا عندما تحدث الدكتور ايمن الظواهري عن المنطقة بدأت هذه الاتهامات بالظهور الى العلن.
وأوضح من خلال هذا الخطاب بالاشارة الى الظواهري كدكتور وربط الاتهامات الموجهة الى «فتح الاسلام» بالظهور مع حديثه وكأنه تبنَّ لسلوك القاعدة, سيما وانها انهت بتهديد لافت «اننا من الآن وصاعداً لن نسكت عن مثل هذه الاتهامات وسوف نرد ولن يكون الرد متوقعاً».
وإذا كانت رواية قوى الأمن الداخلي مدعومة من الفريق الحكومي جرى توظيفها ضد سوريا من قبل قوى 14 آذار فإن تفسيرات لقوى معارضة استهجنت الرواية من حيث «الحبكة الروائية» من جهة, لفقدانها عناصر التماسك الموضوعي لجريمة من هذا النوع, وكذلك حصر الاتهام بعناصر هويتها سورية وربط الامر كأن سوريا النظام هي المسؤولة وابعاد عناصر تحمل هويات من جنسيات اخرى موقوفة في القضية نفسها عن الشبهة خصوصا ان كل الموقوفين اعترفوا بطريقة او بأخرى بعلاقتهم بتنظيم «القاعدة». وهو ما نفته قوى الأمن وبررت توقيف السعوديين بأمور اخرى علماً ان هناك اكثر من 12 موقوفاً لهم علاقات معينة بتنظيم «القاعدة» وبينهم اردنيون ومن تونس.
وقالت مصادر امنية باستغراب كيف يمكن لجهاز استخباراتي ان يدير عمليات بهذا الحجم وهذا النوع ويطلب من المنفذين ان يمولوا انفسهم عبر السطو على المصارف والمتاجر! أليس هذا استخفافاً الى أبعد الحدود بأسس العمل الأمني, أم ان ذلك استخفافاً بعقول الناس لعدم معرفتها بكيفية تنظيم الاجهزة الامنية التي عادة تعزز العاملين في اطارها ولا سيما القوة التنفيذية, باعتبارها القوة صاحبة الاختصاص الاجرأ.
ومحاولة الصاق التفجير بالمخابرات السورية من خلال الكلام الواضح للوزير حسن السبع عبر تفسيره ان «فتح الاسلام» المنشقة عن حركة «فتح الانتفاضة» وان الأخيرة ترتبط بالمخابرات السورية, ردت عليها سوريا بانها «اتهامات باطلة» وقال وزير داخليتها اللواء بسام عبد المجيد ان «فتح الاسلام» هي احدى تنظيمات «القاعدة» التي تخطط لاعمال ارهابية في سوريا وقد كشفت عام 2002 وأوقف عدد من اعضائها مع مسؤولهم الفلسطيني الاردني شاكر العبسي واكدت التحقيقات ان العبسي قام باتصالات مع ابي مصعب الزرقاوي €قتل العام الماضي€, في العراق, وتم تقديم العبسي بجرم الانتماء الى تنظيم «القاعدة» كما صدر بحقه حكم قضائي في 6€12€2002 يقضي بحبسه ثلاث سنوات, وبعد اخلاء سبيله في ختام محكوميته وردت معلومات عن معاودته «النشاط الارهابي وقيامه بتدريب عناصر لمصلحة تنظيم «القاعدة» وقد صدرت في حقه مذكرة توقيف تحمل الرقم 3308 تاريخ 28€1€2007.
وادرج وزير الداخلية السوري اللواء عبد المجيد اتهامات الوزير السبع في سياق «حملة الافتراءات والتلفيقات المبرمجة ضد سوريا خدمة لمشروع اجنبي يستهدف زعزعة الاستقرار في لبنان وتخريب علاقاته مع سوريا ومحيطه العربي».
خلاصة القول ان بعض الفرقاء اللبنانيين اعتبر ان اكتشاف وتوقيف الشبكة «يثبت ضرورة الاسراع في تشكيل المحكمة ذات الطابع الدولي ويضع الفرقاء اللبنانيين ونياتهم على محك الصدقية مشيرا الى ضرورة ان يلقي تقرير القاضي سيرج براميرس المزيد من الاضواء على هذه الجرائم.
الا ان ما يثير الاستغراب من وجهة نظر متابعين لنشاط تنظيم «القاعدة» وروافده, هو تجنب الاشارة للقاعدة وكأن في القلب رعباً.
يونس عودة
المصدر: الكفاح العربي
إضافة تعليق جديد