سوريا والإشارات المتبادلة مع أوربا
تفترض الولايات المتحدة، ومن خلفها بعض الدول الأوروبية، أن إيران وسوريا هما اللتان وقفتا خلف حزب الله وشجعتاه ضد إسرائيل، وأن دمشق متورطة على الأرجح باغتيال الرئيس رفيق الحريري.
هذا الافتراض يدفع بعض الاستراتيجيين والدبلوماسيين الغربيين إلى القول انه لو كانت علاقة الغرب بسوريا جيدة، لما كان حصل ما حصل، وأن القطيعة ولدت التنافر، والتنافر أدى إلى الاغتيالات والحرب .
يدفع أصحاب هذا الرأي باتجاه فتح قناة تفاوضية مع دمشق على اعتبار أنها لا تزال فاعلة في الملف اللبناني، وذلك فيما تتكرر الإشارات الاميركية طالبة من سوريا تحسين سلوكها ، أو الأوروبية، وبينها الفرنسية منذ فترة، تطالبها بالمساعدة على تنفيذ القرار .1701 ويصل الأمر ببعض المسؤولين الأوروبيين إلى حد الحديث عن اتصالات حارة وحميمة مع الرئيس بشار الأسد، كما حصل قبل يومين في الاتصال الهاتفي بينه وبين رئيس وزراء ايطاليا رومانو برودي.
ويلاحظ أن دمشق تلقفت إشارات الانفتاح بشيء من المرونة، ذلك أنها أعلنت لزائريها الكبيرين، الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بأنها ستساهم في التطبيق الكامل للقرار .1701
كان لا بد من هذه التطمينات السورية لأنان بغية تسريع خطوات تعزيز قوات اليونيفيل ، خصوصا أن بعض المشاركين في هذه القوات ينتمون إلى دول باتت موضوعة في خانة الدول المعادية لدمشق، وفي مقدمها باريس، كما أن تبادل الأسرى بحاجة إلى دور سوري.
سيكون من الصعب في الوقت الراهن معرفة كل ما يدور في كواليس الاتصالات الدولية مع سوريا، لكن لن يكون من الصعب فهم مغزى بعض التصريحات الدولية بشأن المرحلة المقبلة، حيث أن أنان نفسه يعرب عن الأمل في أن يتيح رفع الحصار إمكانية التقدم في اتجاه مسيرة أوسع في المنطقة تشمل الفلسطينيين والسوريين وكل الأطراف ، وذلك فيما ينتقل لافروف من دمشق إلى إسرائيل.
ويذهب البعض إلى حد التشبيه بين حرب لبنان والحرب العربية الإسرائيلية عام ,1973 ذلك أن حرب انور السادات وحافظ الأسد أدت لاحقا إلى اتفاقية كامب دايفيد، وثمة من كان يعتقد قبل فترة أن حرب لبنان ستؤدي إلى اتفاقية لبنانية إسرائيلية، ولكن تبين أن الأمر شبه مستحيل ما لم يتم إدخال سوريا على الخط.
لا بل أن ثمة من يذهب في تحليله إلى حد القول ان حرب لبنان سمحت لسوريا ببعث أهم مؤشر تفاوضي منذ وصول الأسد إلى السلطة، حيث أن بقاء الجيش السوري على الحياد، ووقف إمداد حزب الله بالسلاح بعد أيام على بدء الحرب، ثم الموافقة السريعة على القرار ,1701 كان خطوة كافية لإفهام واشنطن وتل أبيب بأن الرغبة في السلام لا تزال تطغى على الاتجاه نحو الحرب، حتى ولو أن الأسد أثار للمرة الأولى منطق المقاومة في الجولان في خطابه.
وكانت سوريا عبرت منذ وصول الاسد الى السلطة عن رغبتها بالسلام مع اسرائيل أكثر من مرة، فهي أيدت مبادرة الملك عبدالله في خلال قمة بيروت عام ,2002 وتحدثت مباشرة عن الاستعداد للسلام مع اسرائيل، ويقال ان مبعوثين زاروها بعد اغتيال الحريري ونقلوا هذه الرغبة الى الدولة العبرية.
أما في إسرائيل، فقد استعر الجدل فجأة بعد حرب لبنان حول المسارات التفاوضية، حيث فضلت وزيرة الخارجية تسيبي ليفني التفاوض فوراً مع الفلسطينيين، فيما آثر رئيس الوزراء ايهود أولمرت التفاوض مع حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، في حين ان وزير الدفاع عمير بيريتس ومعه وزير الامن الداخلي آفي ديختر أكدا على أولوية التفاوض مع سوريا، بينما ينبري بنيامين نتنياهو رافضا التفاوض مع الجميع، ويناقضه في ذلك يوسي بيلين الراغب بالتفاوض مع الجميع.
المهم في ذلك، أن منطق المفاوضات عاد ليطغى على لغة القتل والدمار التي تعتمدها إسرائيل منذ سنوات، وذلك لسببين، أولهما أن الحرب استنفدت أغراضها بعد اتضاح عقمها في لبنان، والثاني أن التفاوض مع لبنان وسوريا والفلسطينيين سيكون في أسوا أحواله أفضل من دفع سوريا للارتماء أكثر في أحضان إيران وتفعيل الحلف الاستراتيجي الأمني معها.
إن إيران هي العدو الأخطر على إسرائيل، وهذا ما دفع الحزب الاشتراكي الفرنسي للضغط باتجاه فتح قنوات تفاوض مع سوريا، وجاء القيادي الاشتراكي جاك لانغ إلى دمشق للقاء الأسد.
وفي هذه الأثناء يستعد العرب لتفعيل عملية السلام، وتأمل بعض دولهم، على غرار السعودية ومصر والأردن، في أن يؤدي ذلك إلى إعادة المنطقة إلى لغة السلام، وتفريغ الحلف الإيراني السوري من مضمونه، ونزع فتيل الحروب المقبلة في حال كانت إسرائيل قد وصلت إلى قناعة بأن السلام بات حيويا لها أيضا.
وتبقى الشروط هي الأساس، فالمطلوب من سوريا تحسين سلوكها . وبات الأمر اليوم اقل تعقيدا، فمنطق السلام، يعني في الشرق الأوسط إنهاء قضية مزارع شبعا، والدخول في مفاوضات بشأن الجولان، وتحسين شروط العلاقات السورية اللبنانية، وهذا سيقابله انتفاء ضرورة إيواء قادة حركة حماس في سوريا خصوصا إذا ما قامت تسوية نهائية فلسطينية إسرائيلية، وتجميد سلاح حزب الله بانتظار سحبه.
وقد يصبح تحسين السلوك أقل خطراً على الإدارة الاميركية في العراق، وذلك في أعقاب نقل السلطات كاملة إلى العراقيين، حيث يسود الاعتقاد بأنه سيصبح من مصلحة سوريا أن تساهم في تهدئة الأوضاع العراقية لا في تصعيدها لاحقاً.
إن منطق هذه الافتراضات يعني فك الارتباط السوري الإيراني، لكن عدداً من الاستراتجيين الغربيين، لا يعيرون كثيرا من الأهمية لهذا الموضع، لاعتقادهم بأن التأثير الإيراني على سوريا وحزب الله كان في الأعوام القليلة الماضية أكثر أهمية وخطورة من التأثير السوري على إيران، وبالتالي فلو تم تقديم ضمانات جدية إلى دمشق حول مطالبها التاريخية، وأعيد احتواؤها عربياً، فإن الارتباط سيصبح عديم التأثير، حتى لو قررت الإدارة الاميركية أو إسرائيل الانتقال إلى منطق الحرب ضد إيران.
وحين يقال لهذه المصادر أن التحقيق الدولي باغتيال الحريري قد يقلب المقاييس، فإن الجواب يفيد بأن دمشق باتت أكثر قدرة على إيجاد حلول لهذه القضية بعد ما يقارب العامين على عملية الاغتيال، ففي أفضل الأحوال لن يصل التحقيق إلى أية نتيجة حول تورط دمشق (هذا ما يقوله السوريون حتى اليوم). وفي أسوأ الاحوال، قد تتم التضحية ببعض الذين يشتبه بهم.
يعترف أصحاب هذا التحليل بأنهم ربما يغالون في التفاؤل حول المستقبل التفاوضي، خصوصاً أن هذا الموضوع لم يحسم بعد في إسرائيل، كما ان إدارة بوش لم تبد حتى الآن أية رغبة في الانفتاح الجدي على سوريا، والرئيس الفرنسي جاك شيراك مستعد لمفاوضة الشيطان وليس الأسد. ويقولون انه بعد أن نجح العالم في فرض عزلة كبيرة على سوريا وإلزمها بتطبيق قرارات كانت ترفضها سابقاً، فهو لن يعود ليقدم لها هدايا مجانية، ولكن المصالح قد تغير وجهة الريح من منطلق انه لو ارتاحت سفن دمشق فإن بر الأمان قد يتسع لأكثر من طرف، وهذه وجهة نظر يمكن أن يقرأها المرء حتى في الصحف الإسرائيلية.
سامي كليب
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد