سـوريا تفتـح بـاب الحـوار رسـمياً ولجنة تجديد قوانين الإعلام تبدأ أعمالها
شكل الرئيس بشار الأسد، أمس، لجنة للإشراف على الحوار الوطني، مؤلفة من شخصيات بعثية وحزبية ومستقلة، هدفها وضع آلية للحوار الوطني المرتقب على مستوى القطر وتحديد إطار زمني له وأهدافه.
وبعد ساعات على إصدار الأسد قرار العفو، نقلت وكالات الأخبار الدولية عن نشطاء قولهم ان السلطات أفرجت بالفعل عن مئات الموقوفين السياسيين، فيما يتوقع خروج آلاف آخرين تطبيقا لقرار الرئيس الأسد. وفيما رحبت انقرة بقرار العفو مشددة على ان «إصلاحا شاملا» يجب ان يتبع تلك الخطوة، قللت واشنطن وباريس من أهميتها. وبعد سلسلة القرارات الاصلاحية التي اتخذتها القيادة السورية، اعتبرت قوى معارضة مجتمعة في مدينة انتاليا التركية، أن هدفها لم يتغير وهو إطاحة النظام السوري.
واستقبل الأسد أعضاء اللجنة ومنحها «الصلاحيات الكاملة»، وفقا لما قال أحد أعضاء اللجنة أمس. وشكل الرئيس السوري اللجنة غداة إصداره عفواً عاماً، شمل المنتمين للتيارات السياسية بمن فيهم جماعة الإخوان المسلمين.
وقالت المصادر إن لجنة الحوار لا تتحفظ على أحد، شرط أن يكون سقف عمله السياسي مصلحة الوطن والوحدة الوطنية، ضمن مشروع سوريا القومي والوطني، كما ألا يتبنى نهجا عنيفا.
وأصدر الأسد قرارا جمهوريا يقضي «بتشكيل هيئة تكون مهمتها وضع الأسس لحوار وطني وتحديد آلية عمله وبرنامجه الزمني». واجتمع الرئيس مع أعضاء الهيئة، حيث تم بحث أهمية الحوار الوطني خلال المرحلة المقبلة لتجاوز الحالة الراهنة، وما اتسمت به من اضطراب سياسي واجتماعي.
وقال الأسد إن «على هيئة الحوار الوطني صياغة الأسس العامة للحوار المزمع البدء به، بما يحقق توفير مناخ ملائم لكل الاتجاهات الوطنية للتعبير عن أفكارها وتقديم آرائها ومقترحاتها بشأن مستقبل الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في سوريا، لتحقيق تحولات واسعة تسهم في توسيع المشاركة، وخاصة في ما يتعلق بقوانين الأحزاب والانتخابات والإعلام، والمساهمة في وضع حد لواقع التهميش الاجتماعي والاقتصادي الذي تعانيه بعض الشرائح الاجتماعية».
وأكد الأسد أن «هذا الحوار أصبح ممكناً وقادراً على توفير نتائج أفضل بعد صدور العديد من القرارات والمراسيم التي تسهم في تعزيز الوحدة الوطنية، وتعزيز المشاركة من مختلف المكونات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتحسين الوضع المعيشي للمواطنين».
واستمع الرئيس الأسد إلى آراء أعضاء الهيئة بآفاق المرحلة المقبلة، وإلى مقترحاتهم حول أفضل السبل لتحقيق حوار وطني يستوعب كل أطياف المجتمع، ويعكس اهتمامات ومصالح مختلف الشرائح الاجتماعية والسياسية التي تؤمن بالحوار سبيلا لتحقيق الإصلاح والنهوض بالعمل الوطني وتعزيز وحدة البلاد.
وأكد أعضاء الهيئة أن إطلاق الحوار الوطني في هذه المرحلة المهمة من تاريخ سوريا يعتبر خطوة أساسية على طريق تجاوز الظروف الراهنة ومعالجة عواملها وأسبابها المختلفة. وستعقد هيئة الحوار الوطني اجتماعات مكثفة ودورية وفق خطة عمل مدروسة وآليات محددة وجداول زمنية تمكنها من تحقيق الأهداف المتوخاة من إنشائها.
ومن اللافت للنظر ان الاعلان الصادر يؤكد على فكرتي «العلنية» باعتباره أعلن في قرار جمهوري، و«الإطار الزمني» وذلك في إشارة إلى «الجدية من قبل السلطة في إجرائه». كما يبدو لافتا الإشارة إلى «مختلف الشرائح الاجتماعية والسياسية التي تؤمن بالحوار» على قاعدة «أن لا حوار مع من يرفض مبدأ الحوار».
وتضم اللجنة كلا من نائب الرئيس فاروق الشرع (رئيسا) وعضوي القيادة القطرية لحزب البعث هيثم سطايحي وياسر حورية، كما أمين حزب الاتحاد الاشتراكي العربي في الجبهة الوطنية التقدمية صفوان قدسي وعضو اللجنة السياسية في الحزب الشيوعي السوري حنين نمر. كما تضم من المستقلين كلاً من المحامي إبراهيم دراجي والكاتب وليد إخلاصي والباحث الاقتصادي منير الحمش، إضافة الى السياسي المتقاعد عبد الله الخاني الذي كان قد شغل مناصب وزارية سابقة، كما عمل مديراً لمكتب الرئيس السوري الأسبق شكري القوتلي.
وذكر نمر أن أمام اللجنة «سلسلة قضايا» يجب البت فيها، من بينها «هل يصبح الحوار مركزياً أم على مستوى المحافظات؟» في إشارة إلى جدل يجري على مستويات مختلفة بين فكرتين، وهي أن تتشكل لجان تقوم بحوار على مستوى كل محافظة وحدها بما يعنيه ذلك من مختلف مكونات المحافظات لينتهي إلى تكوين مؤتمر عام لاحقا، أو أن يترك للأطراف المختلفة اختيار ممثليها التي تلتئم في مؤتمر عام واحد توضع آليات العمل له. وقد اجتمعت اللجنة أمس كما تجتمع اليوم لبحث قضايا مشابهة.
ويضيف نمر إلى تحديات الهيئة معرفة «ما هي عناوين الحوار ومواده؟ وعلى ماذا نتحاور، ومن نحاور، والهدف من هذا الحوار، كما تحديد الزمن اللازم لإنجاز العمل». وينبه إلى أن «التجربة جديدة وتجري ونحن في وضع حرج، ولا بد من الإحاطة بكل القضايا قبل البدء باعتبار أنه ليس هناك سابقة».
ويرى نمر أن «الجدية متوافرة من قبل الدولة لهذا الأمر، وأن سقف الحوار الوطني يتمثل في الموقف الوطني المرتبط بالصراع العربي الإسرائيلي، والخط الأحمر الثاني هو في نبذ استعمال العنف والحفاظ على الوحدة الوطنية».
وكان المتحدث باسم التجمع الوطني الديموقراطي (محظور) حسن عبد العظيم قد قال إن على أية آلية للحوار الوطني «أن تعترف بأحزاب المعارضة»، مشيرا إلى أن أحزاب المعارضة وشخصياتها في الداخل سيحددون موقفهم من الدعوة للحوار وفقا للآلية التي سيجريها الحوار، مشيرا في الوقت ذاته إلى ضرورة «توافر مناخ يمهد لأجواء الحوار».
إلى ذلك، ذكرت وكالة (سانا) أن اللجنة الإعلامية المكلفة بصياغة قانون إعلام جديد بدأت أول اجتماعاتها، بوضع الآليات المناسبة لعمل اللجنة للخروج برؤية متكاملة تشمل مختلف وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية.
وأضافت «تم الاتفاق خلال الاجتماع العمل مبدئيا على صياغة قانون جديد للإعلام بالاطلاع على مسودات القوانين التي درستها اللجان المشكلة سابقاً من قبل وزارة الإعلام، والاستفادة من اتفاق التعاون بين الوزارة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي لتقديم الدعم اللوجستي والفني للجنة، والاطلاع على قوانين الإعلام العربية والأجنبية وقواعد الأمم المتحدة المتعلقة بالإعلام لتكون بمثابة مرجعية لعملها إضافة إلى مشاريع القوانين السورية».
إلى ذلك، أعلن رئيس المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن أن السلطات السورية أفرجت عن مئات المعتقلين السياسيين. وقال، من مقره في لندن، «تم إطلاق سراح المئات بموجب العفو، من ضمنهم 50 من بانياس، من بينهم الشاعر علي درباك (76 عاما)»، لكنه أضاف أن «آلاف المعتقلين السياسيين ما زالوا في السجون، ومن المفترض أن يتم إطلاق سراحهم في أية لحظة». وأشار إلى انه تم إطلاق عدد من الذين شاركوا في التظاهرات مؤخرا.
ونقل المرصد عن المحامية سيرين خوري قولها إن السلطات أفرجت عن قياديي حزب العمل الشيوعي المعارض وهم عباس عباس واحمد نيحاوي وتوفيق عمران وغسان حسن، وعن الناشطة تهامة معروف.
وقال المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في سوريا محمد رياض الشقفة، في حديث لقناة «الجزيرة»، إن ما طرح في مؤتمر المعارضين السوريين في انتاليا لا يلبي مطالب الشعب وتطلعاته، مؤكدا أن الحل لن يكون إلا بإسقاط نظام الأسد. وطالب بإلغاء القانون الرقم 49 والذي ينص على إعدام كل من ينتمي إلى «الإخوان» وليس إصدار عفو فقط.
ودعا الشقفة إلى إلغاء المادة الثامنة من الدستور التي تجعل من البعث «الحزب القائد للدولة والمجتمع».
ورحب وزير الخارجية التركي احمد داود اوغلو بإعلان الأسد عن عفو عام عن السجناء السياسيين، لكنه شدد على أن «إصلاحا شاملا» يجب أن يتبع تلك الخطوة. وقال إن «العفو العام يمثل خطوة إيجابية للغاية. نعتبر السلام والاستقرار في سوريا أمرا يخصنا». وأضاف «عبرنا مرارا عن وجهات نظرنا بأن الشعب وقوات الأمن يجب ألا يقفا بعضهما ضد بعض في سوريا، كما يجب تطبيق الإصلاحات بطريقة شاملة». وأضاف «آمل أن تعمل هذه الخطوة على تعزيز الإصلاحات وأن تحقق سوريا التغيير السلمي والاستقرار معا».
وواصلت واشنطن هجومها على القيادة السورية، معتبرة ان قرار دمشق الإفراج عن معتقلين سياسيين «غير كاف». وقال نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية مارك تونر «نريد أن نرى الإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين. نريد أن نرى تحركاً جدياً نحو الإصلاح». وأضاف أن «بادرة الإفراج عن نحو 100 معتقل سياسي غير كافية».
واستقبلت فرنسا أيضا العفو بالتشكك. وقال وزير خارجيتها ألان جوبيه «أخشى ان يكون الامر متأخرا جدا» مطالبا السلطات السورية «بتغيير في المسار اكثر وضوحا واكثر جرأة وواعدا اكثر». وأضاف «لقد سقط حوالى الف قتيل على الاقل وربما اكثر، يجب ان يكون تغيير المسار لدى السلطات السورية اكثر وضوحا واكثر جرأة واكثر طموحا من مجرد عفو».
وأقر جوبيه بتعذر حصول الغربيين على إدانة لأعمال القمع في سوريا أمام مجلس الامن. وقال «في نيويورك، في مجلس الامن لم نتمكن من القيام بما قمنا به بالنسبة لليبيا، ليس شن عملية عسكرية لان هذا الامر لم يكن مطروحا بل ادانة سلوك النظام السوري وفرض عقوبات». وعزا اسباب ذلك «ليس الى ضعف الغربيين والاتحاد الاوروبي أو الاميركيين، بل بسبب فيتو روسيا التي لأسباب تاريخية لها نظرة اخرى لنظام بشار الاسد تختلف عن نظرتنا».
وأكد السفير البريطاني لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية سايمون سميث ضرورة رفع الملف النووي السوري الى مجلس الامن الدولي للنظر في نشاطات دمشق النووية السرية المفترضة.
وأنهى مؤتمر المعارضة السورية اعمال يومه الاول في انتاليا التركية، بحضور نحو 300 شخص، متجاهلا العفو الرئاسي الذي اعلنه الاسد، في حين دعا غالبية الخطباء الى العمل على إسقاط النظام. ومن المقرر ان يصدر المؤتمر توصياته اليوم التي ستشمل «خطة عمل» للمستقبل حسب ما افاد احد المشاركين. وتجمع متظاهرون يرفعون صور الاسد امام مدخل الفندق الذي يعقد فيه المؤتمر، فأبعدتهم الشرطة.
وحده رئيس وفد «الاخوان» ملهم الدروبي اشار الى العفو الرئاسي في كلمته، الا انه دعا الحاضرين الى «عدم الالتفات اليه». وقال «اننا ننظر الى المرسوم 61 الذي اصدره بشار امس بعين الريبة، اذ جاء متأخرا وغير كاف، وأتساءل من يحتاج للعفو حقيقة، ابناء سوريا الاحرار ام من قام بقتلهم؟». واضاف «لا تلتفتوا اليه (المرسوم الرئاسي) ولنعمل جاهدين لتحقيق هدفنا الذي جئنا من اجله».
من جهته قال رئيس المجلس الوطني لإعلان دمشق في المهجر عبد الرزاق عيد ان هذا المؤتمر هو «احدى المحطات التاريخية في معركة الشعب السوري من اجل تحقيق استقلاله الثاني الحقيقي». واضاف «ان النظام لا يقدم اي تدابير ثقة رغم كل ما يدعيه عن الحوار، ولا حوار معه الا بعد توقف المذابح»، مضيفا ان «الشعب يريد إسقاط النظام».
ميدانيا، قال مصدر عسكري سوري مسؤول، في بيان نقلته «سانا»، إن «وحدات الجيش والقوى الأمنية أوقفت في منطقة الرستن في حمص عددا من عناصر المجموعات الإرهابية المسلحة واستولت على كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر التي استخدمتها تلك المجموعات لترويع الناس وقتلهم وتخريب الممتلكات العامة والخاصة». وأضاف أن «المواجهات أدت إلى استشهاد ثلاثة من الجيش والقوى الأمنية، وجرح 14، بينما سقط عدد من القتلى والجرحى في صفوف المجموعات الإرهابية المسلحة».
وأعلن المتحدث باسم الحكومة العراقية علي الدباغ أن بغداد «تعمل على منع تهريب الأسلحة والمتمردين إلى سوريا عبر المناطق الحدودية بين البلدين». وأضاف أن «اللجان الأمنية العراقية تبحث سبل منع أي عملية تهريب للأسلحة والمسلحين إلى سوريا».
وأعلن عبد الرحمن «مقتل مدني في الرستن بمنطقة حمص، ونقل 20 جثة الى المستشفى الوطني في حمص. وتم التعرف الى عشر جثث على انها لسكان من تلبيسة». واشار الى انه لا يعرف كيف قتل هؤلاء العشرون الذين نقلوا الى المستشفى. واضاف «ساد الهدوء تلبيسة والرستن اللتين سيطرت عليهما بالكامل قوات الامن والجيش». وقالت المحامية المعنية بحقوق الانسان رزان زيتـونة ان «القوات السورية قتلت 41 مدنيا في بلدة الرستن امس» الاول.
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد