ردود الصحف السويسرية والفرنسية على تصريحات البابا
حفلت الصحف السويسرية بالتعليقات على تصريحات البابا بنديكت السادس عشر حول الإسلام ونبيه الكريم، وأجمعت على أنه يدرك تماما خطورة ما قاله ولكنه لم يعبأ بالعاصفة التي أثارها بسبب أوهامه بأن المسيحية أسمى من باقي الأديان.
استبعدت الصحيفة المستقلة بازلر تسايتونغ أن يكون البابا قد ألقى بتلك الكلمات جزافا، بل ظنت أنه يدرك انعكاساتها جيدا.
ورأت "أن البابا يهدف إلى إصدار موجة من الاستفزازات في العالم، حرصا على أن يكسوها ثوبا من العصور الوسطى في ثياب قيصر بيزنطي، غير عابئ بردود فعل العالم الإسلامي التي لن تجيء هذه المرة بسبب رسوم كاريكاتورية، ولكن بسبب تصريحات أمير الكنيسة".
وتابعت أن الدوافع التي من المحتمل أن تكون وراء كلمات البابا متعددة، فمن ناحية يريد أن يؤكد بها علو وسمو المسيحية على جميع الأديان في الأرض، ومن ناحية أخرى يرغب في إرغام المسلمين على الحوار بخلفية أن المسيحية تتفوق عليهم.
لكن الصحيفة ترى أن تلك الأهداف "قد تكون حلما جميلا، ولكنها في الوقت نفسه فرضية خاطئة تماما، لأن العاصفة قد بدأت الآن".
وفي المحايدة دير بوند كتبت باربارا إنغل تقول إن غضب الشارع الإسلامي يعود إلى عاملين اثنين، الأول أن بعض الحكومات والمنظمات تتعمد تحريك مشاعر الناس، والثاني أن الغرب المسيحي يضخم في كثير من الأحيان من الأشياء ويكذب، مثلما فعل الرئيس بوش لإقناع العالم بخطورة ما يصفه بالإرهاب.
وتعتقد إنغل أن كلمات البابا كان لها بعد سياسي أكثر مما هي دينية، سيما أن الحديث عن الحكمة والمنطق والعقل يعطي الانطباع بأن البابا لا يقصد فقط أتباعه المتدينين ولكن أيضا الزعماء الأقوياء في العالم، أي بوش وأولمرت وأحمدي نجاد.
وترى الكاتبة أن استقاء الأمثلة من الإسلام على العلاقة بين الدين والعنف غير موفق، لأن تاريخ المسيحية "يعطينا المزيد من الأمثلة على استخدام الدين كستار للعنف ابتداء من الحروب الصليبية ومرورا بمحاكم التفتيش"، وتؤكد أن "خير مخرج من هذه الأزمة هو اعتذار البابا للمسلمين، ليثبت بأنه يطبق التسامح الذي ينادي به".
وتحت عنوان «هنا خدع البابا نفسه» كتب ميخائيل ماير في الصحيفة الليبرالية تاغس أنتسايغر يقول "لم يكن البابا ذكيا عند اختياره للحديث عن الإسلام هذه المقاطع التي لا تتناسب مع مكانته السابقة كأستاذ متخصص في علوم اللاهوت ولا مع منصبه الحالي كرأس الكنيسة الكاثوليكية".
ثم يتابع أن الغرب أدرك منذ أزمة الرسوم الكاريكاتورية مدى حساسية الدين ورموزه لدى المسلمين، وأنه لا ينبغي استفزازهم أو جرح مشاعرهم.
ويتساءل ماير "ولكن لماذا فعل البابا عكس ذلك عند زيارته لوطنه الأم؟"، ويجد أن الإجابة هي ببساطة "أن البابا ينظر إلى الكاثوليكية على أنها أعلى من جميع الديانات، ولم يتغير موقفه هذا منذ بدأ سلمه الكهنوتي، وهو يبدو للناس من الخارج رجلا هادئا ولكنه من الداخل من المتشددين".
ويؤكد أن البابا انتهى به المطاف إلى أن "أصبح لا يرى سوى ظلال دينه، فكان لابد للساسة ورجال الدين أن يذكروه الآن بالحروب الصليبية وكيف تعاملت الكنيسة مع المسلمين واليهود في الأندلس"، لكن النتيجة هي أن "الحوار السلمي بين الأديان قد خرج عن مساره الصحيح بسبب تلك التصريحات البابوية".
تشككت المحافظة نويه تسورخر تسايتونغ في جدوى زيارة البابا المرتقبة إلى تركيا، وقالت إن تصريحات مدير الشؤون الدينية في الحكومة التركية علي برداك أوغلو، المعروف بتريثه الشديد، "تدل على أن العالم الإسلامي منذ أزمة الرسوم الكاريكاتورية لم يعد يتقبل مثل هذه التصريحات من الغرب، وسيتصاعد غضبه أكثر فأكثر".
وتخوفت الصحيفة من الزيارة البابوية إلى تركيا، بل حكمت عليها بالفشل مقدما، لأن الأتراك يتذكرون جيدا البابا عندما كان كاردينالا وكيف وقف بشدة ضد انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي واعتبره خطأ كبيرا.
ومن جهتها فقد اهتمت الصحف الفرنسية الصادرة اليوم السبت بتصريحات البابا بنديكت السادس عشر التي ضمنها كلاما مسيئا للإسلام, معتبرة أن ما قاله خطأ من الناحية السياسية ينم عن تفضيله المواجهة الثقافية على الحوار وهو ما يناقض توجه سلفه, كما تحدثت عن نية الأوروبيين رفع حصارهم عن الحكومة الفلسطينية المرتقبة.
وتحت عنوان «بنديكت الـ16 والإسلام» قالت صحيفة لوموند في افتتاحيتها إن البابا بنديكت السادس عشر المعروف بأنه عالم لاهوتي أكثر منه رجل سياسي, قدم يوم الثلاثاء الماضي خطابا في جامعة راتيسبون الألمانية حول اللجوء إلى العنف في الإسلام, اتسم بكونه خطابا خاطئا من الناحية السياسية.
وأضافت الصحيفة أنه في الذكرى الخامسة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول وفي ظل موجات الكراهية المتنامية ضد الإسلام, كان الناس ينتظرون من البابا أن يلقي خطابا متزنا حول الديانة الإسلامية, يؤكد من خلاله رفض الخلط بين الإسلام كدين وما يقوم به الناشطون الإسلاميون.
وأشارت إلى أن هذا هو الذي جعل تصريحات البابا تمثل صدمة في العالم الإسلامي.
وقالت الصحيفة إنها لا تعلم أن أي بابا في العصر الحديث ضمن خطابه عددا أكثر من الآيات القرآنية ولا تحدث عن الجهاد مثل ما فعل البابا الحالي.
وأكدت أن سلفه البابا يوحنا بولص الثاني ظل دائما يبحث عن "الحوار" مع الإسلام, لكن بنديكت فضل المواجهة الثقافية مع هذا الدين ممزوجة بقليل من الاستفزاز والإثارة, عندما أورد تصريحات لإمبراطور بيزنطي وصف فيها الرسول (صلى الله عليه وسلم) بأنه لم يأت بجديد سوى ما هو شر وغير إنساني, كحق نشر عقيدته التي يدعو لها بالسيف.
وأشارت إلى أن تكرار بنديكت لما قاله ذلك الإمبراطور هو الذي مثل صدمة للمسلمين.
واتفقت صحيفة ليبراسيون مع ما ذهبت إليه لوموند حين قالت إن العالم الإسلامي هب الآن جماعيا، كما فعل قبل ستة أشهر عندما نشرت الرسوم المسيئة للرسول (عليه الصلاة والسلام), ليعبر عن غضبه وسخطه من تصريحات بنديكت.
وأضافت أن أقل ما يمكن أن يقال عن الفاتيكان هو إنه محرج, وذلك ما عكسته محاولات مسؤوليه التخفيف من وقع تصريحات زعيمهم, مشيرة إلى أنها لا تعتقد أن ذلك سيكون كافيا لتهدئة مشاعر المسلمين التي جرحت بهذه التصريحات التي اعتبروها تنم عن "الجهل" بل ربما حتى تعمد "الشتم".
وأكدت الصحيفة أنه بالنسبة للبابا, الذي يتحدث في الوقت ذاته كزعيم للكنيسة ورئيس دولة, فإن ما قاله رعونة سياسية ودبلوماسية من الحجم الكبير.
ونقلت عن الأمين العام لاتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا فؤاد علاوي قوله معلقا على هذه القضية "إن خطأ قد اقترف ويتعين تصحيحه".
ولاحظت صحيفة لوفيغارو أن بنديكت لا يزال يلتزم الصمت حول هذه المسألة, مشيرة إلى أنه تجاهلها أمس في خطابه الذي عين من خلاله بعض الأعضاء الجدد في حكومة الفاتيكان.
لكنها ذكرت أن بنديكت ربما يفضل الحديث عن هذه المسألة خلال صلاة أنجلوس غدا أو خلال اللقاء العام يوم الأربعاء.
المصدر: الجزيرة
إضافة تعليق جديد