حول مصطلح " الإسلام الشامي" واستكمالا لمقالة " السعودية ليست كالشام "
الجمل ـ بشار بشير: تعقيباً على مقالتي الأخيرة ( وليست السعودية كالشام ) أود أن أوضح أن الأستاذ نبيل صالح هو المعني بتفسير ما يقصده "بالإسلام الشامي" لكن نظراً لعلاقة المقالة بهذا المصطلح أجد لزاماً علي توضيح مايعنيه لي أيضاً هذا المصطلح .
بالنسبة لي الإسلام الشامي هو قالب واسع للإسلام تكون بوجود جهتين, سلطة قدمت من شبه الجزيرة العربية وتمثل قمة الهرم الإجتماعي في تلك المنطقة أي الأمويين، وهم رأسماليون مدنيون متعلمون، ومجتمع بلاد الشام الحضاري المدني المتنوع المنفتح مما أنتج القالب الإسلامي الذي ندعوه "الإسلام الشامي" وهو في الحقيقة لم يبق حكراً لا جغرافياً ولا إجتماعياً على الشام ولكنه لشكله السمح المنفتح أصبح هو الذي رافق تمدد وتوسع الدولة الإسلامية فأصبح هو شكل الإسلام الذي ساد لفترة طويلة سواء في شرق أسيا أو في الأندلس, في تونس او في بغداد ولدى السنة كما لدى الشيعة كما لدى الكثير من المذاهب الأخرى . رغم كل الحراك السياسي والفقهي ظل الإسلام الشامي محافظاً على شكلة الإجتماعي في مختلف المناطق التي وصلها الإسلام وانتشر فيها فهو الشكل الذي لم يمانع في وجود الأديان والطوائف والأعراق وهو الشكل الذي سهل ظهور العلماء والفلاسفة والمفكرين والكتاب والشعراء وقبل بشكل أو بآخر بشار بن برد وابو النواس وأبو بكر الرازي وابن آثال وسرجيوس بن منصور كما قبل بأحمد بن حنبل و الغزالي والأوزاعي وابن تيمية ولم يمانع بنشر الموطأ وتهافت الفلاسفة كما لم يمانع بنشر كتب الجاحظ والسيوطي وأبن كمال باشا . الشكل الشامي للإسلام هو إنعكاس لثقافة المجتمع الذي أنتجه وهو من ثم يعود ليؤثر على ثقافة هذا المجتمع وغيره من المجتمعات التي تَمَثلته . لم تكن مسيرة هذا الشكل يسيرة فالشكل الشامي للإسلام الذي أظن أنه أُسِس له عن قصد أوغير قصد مع العهدة العمرية وتشكل خلال العصر الأموي واستمر إلى حدود الربع الأخير من القرن العشرين تعرض للكثير من التدخلات والمؤثرات و التغييرات بعضها اثر مرحلياً وبعضها ترك أثراً دائماً , وهو في النهاية نتاج مجتمعي يجب أن يصيبه كل ما يصيب المجتمع ( وهو هنا مجتمع واسع جداً جغرافياً وتاريخياً) ولعل أهم ما يجب أن نشير له هو الإنتباه للبس الذي قد يصيب فكرة الشكل الشامي عندما يعتبر البعض أن شكل الإسلام في بلاد الشام أثناء الإحتلال العثماني هو من ضمن الشكل الشامي للإسلام هذا الشكل إبان هذه الفترة هو تغيير وتأثيرات خارجية أصابت الإسلام الشامي نتيجة هيمنة البدو الترك على الثقافة العربية والإسلامية ولعل بداية تراجع الإسلام الشامي بدأت مع مع هذه الهيمنة التركية ( والترك هم في الأساس قبائل بدوية رعوية من أواسط آسيا ) والثقافة التي حملوها معهم هي عدم الإهتمامهم بالعلوم والثقافة فمثلاً على مدى أكثر من ثلاثمائة سنة من أصل الأربعمئة التي تشكل مدة الحكم العثماني لبلاد الشام نكاد لانجد لا أطباءً ولا مهندسين وبالكاد نجد بعض المؤلفات والكتب , بالعكس فقد جرى تفريغ منهجي لبلاد الشام من المتعلمين والخبراء والحرفيين ( حتى المطبخ الشامي جرت سرقته ونسبته لهم وللأسف يوجد من يصدق ذلك حتى اليوم ) كما أنهم عنصريون لا يقبلون الآخر وقد نشروا هذه الثقافة عبر معاملتهم للعرب كشعب من الدرجة الثانية مقابل الترك و حملوا معهم أيضاً صيغة بدوية متعصبة للإسلام وأحكامه وخاصة فيما يتعلق بالمرأة وحقوقها فهمشوها و احتقروها (يذكر محمد كرد علي في كتاب خطط الشام أن البيان السلطاني اليومي الذي كان يصدر عن الباب العالي كان يتضمن بشكل روتيني فقرة تقول أن السلطان المعظم خاقان البرين والبحرين قد أفتض ليلة البارحة بكارة أثني عشرة عذراء ) لي ملاحظة هنا وهي أني لم أعرف أبداً ماذا تعنيه كلمة خاقان . وأن كلمة بحرين ليس المقصود بها دولة البحرين وإنما البحر الأبيض والبحر الأسود . وأن رقم أثني عشر هو مجرد مثال فالرقم اليومي كان يتراوح من تسعة إلى أكثر من ثلاثين .
مع عودة بعض الصحة إلى المجتمع الشامي خلال مرحلة قصيرة بعد رحيل العثمانيين عادت بعض الصحة إلى شكل الإسلام الشامي لكن سرعان ماعاد الشكل البدوي للإسلام ليطل برأسه على يد السعودية والوهابية , يبدو أن هناك نزاعاً أبدياً بين شكل الإسلام البدوي وشكل الإسلام المدني, ونظراً لأنه جرى استعمال أو استغلال الإسلام ( كما استُعملت و استُغلت كل الأديان) بما يتخطى دورة كصلة خاصة بين الإنسان والخالق و كمذكر دائم بالأخلاق الإنسانية الراقية وكدستور تستمد منه أعدل التشريعات و اقحموه بدل ذلك بالسياسة والحكم والنزاعات على السلطة و الأهواء الشخصية ونظراً لأن الإسلام بدستوره الأساسي أي القرآن هو كما قال عنه الإمام علي بن أبي طالب (ر) حمال أوجه، أي أن كل طرف يستطيع أن يجد فيه حجته فهذا يعني أن هذا النزاع الطويل لن تكتب له نهاية تامة لأحد الطرفين .
إضافة تعليق جديد