حول السماح لأحزاب الجبهة بالعمل بين طلاب الجامعات السورية
الجمل- مهند عبد الرحمن: منذ أيام النضال ضد الاحتلال الفرنسي والى بدايات عقد السبعينات من القرن الماضي، كانت المدارس والجامعات السورية الخزان الأساسي للحياة السياسية، وخصوصاً بالنسبة للأحزاب العقائدية بمختلف تياراتها القومية والإسلامية واليسارية، وكانت الجامعة النبع الذي تتغذى منه الأحزاب والقوى السياسية بالكوادر العليا، وكذلك الأجهزة الإدارية العليا في الدولة، ومنها تنطلق التظاهرات الاحتجاجية، سواءً ضد المحتل أو ضد الحكومات والسلطات الحاكمة.
وكانت أروقة الجامعة وكلياتها مجالاً واسعاً للحوار بين الطلبة بمختلف تياراتهم وبينهم وبين الأساتذة والمدرسين وساحة للمناظرات والندوات، وكانت اتحادات الطلبة مدرسة بحدّ ذاتها لتخريج القادة، حتى أن معظم الأحزاب العقائدية ولدت في الجامعات مثل حزب البعث، والقومي السوري، الخ.... ومن ثم ضاق هامش الحريات لفترة طويلة نسبياً ولاحظنا في الفترة الأخيرة انفراج نسبي في مجال الحريات واستصدار قرار يسمح لأحزاب الجبهة بالدخول والنشاط داخل الحرم الجامعي.
ويقول الدكتور سمير حسن عميد كلية الأدآب والعلوم الإنسانية في جامعة دمشق في حديث خاص إنَّ النظام السياسي السوري يتجه اليوم حثيثاً إلى ترسيخ الحريات المسؤولة والمشاركة الاجتماعية وترسيخ علاقات المواطنة وعدم ادعاء التمثيل الحصري لجميع التطلعات السياسية والثقافية للشعب، كما أنَّ هناك اتجاه استراتيجي لتمكين الشباب ومشاركتهم وبفعل مقصود من رئاسة الجمهورية حتى أدنى مستوى إداري، والقرار الذي أصدر في عام 1973م الذي يحظر على أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية النشاط داخل صفوف الطلبة والجيش كان قد أتى لتنظيم الحياة السياسية حسب افتراض في حينه بأنَّ المجتمع سيتعرض للانقسام إذا ما أطلق العنان للحريات وقد تدعّم هذا الافتراض بصعود الاتجاهات الإسلامية وعنفها، وربما آن الأوان اليوم للتحرر تدريجياً من مثل هكذا قرار، ومن المتوقع أن يصدر قريباً قرار ينظم حرية تأسيس الأحزاب ويفتح أفاقاً مهمة للمشاركة والديمقراطية لجميع المواطنين بما فيهم الشباب.
ويقول المحامي رجاء الناصر عضو القيادة المركزية للتجمع الوطني الديمقراطي " المعارض" إنَّ حظر العمل السياسي على أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية ما عدا حزب البعث نص عليه ميثاق الجبهة الوطنية التقدمية وهو احد النصوص الهامة التي دار حولها خلاف شديد بين بعض أطراف الجبهة آنذاك وبين حزب البعث أو في داخل تلك الأحزاب.
لكن القبول به جاء تحت ضغط عاملين الأول: إن لدى بعض المشاركين الذين لا يمثلون قاعدة واسعة في المجتمع، والثاني: إن ميثاق الجبهة كان ينص على التحول إلى حزب سياسي واحد أي أن تلك الأحزاب كانت تتصور أنها ستندمج قبل أن يعطي هذا القرار آثاره الموضوعية عليها، وهي بهذا لم تكن خارج الإطار الشمولي الذي اعتمده حزب البعث بل تكاد تكون صورة عنه.
أما عن السبب الحقيقي فهو واضح لدى الطرف الذي أصرَّ عليه وهو القيادة المتحكمة بحزب البعث التي كانت تريد احتكار مستقبل العمل السياسي من خلال احتكار النشاط داخل الشباب وكانت تخطط لتدمير تلك الأحزاب المنضوية في جبهتها إضافة إلى خصومها، وقد كان هذا النص احد الدوافع غير المباشرة إضافة إلى أسباب أخرى أدت فيما بعد إلى انسحاب الاتحاد الاشتراكي العربي (الديمقراطي) من الجبهة والى انشقاق ضمن أحزاب أخرى عن قياداتها الجبهوية.
وأشار د.حسن إلى وجود ورشة عمل مستمرة لتعديل وتطوير مقرر الثقافة وتضمينه قضايا الديمقراطية والمواطنة والحوار والمجتمع المدني والعولمة وقضايا أخرى بحيث يخرج بشكل أكثر تنوعاً وأقل دغمائية، وأضاف يوجد هنا قدسية للحرم الجامعي بحيث لا يسمح للطلاب بحضور المحاضرات أو التقدم للامتحانات باللباس العسكري مع أنَّ الأمر كان عادياً في السابق، ونظام التدريب العسكري الذي كان موجوداً وألغي، وقال: إنَّ إدارة الكلية تركز على الأداء التدريسي والعلمي بشكل أساسي على الرغم من وجود مسافات تدريسية باتجاهات فكرية وثقافية وسياسية متنوعة، ونحن حريصون على توسيع هامش الحرية ونشر ثقافة الديمقراطية والمواطنة والحوار والتسامح.
ويضيف الدكتور جمال جرمقاني نائب عميد كلية التربية للشؤون الادارية والطلابية في جامعة دمشق قائلاً: إنَّ ابتعاد الشباب عن الاهتمام بالسياسة يعود لأسباب عديدة من أهمها طغيان الاهتمامات الخاصة مثل المعيشة والمستوى الاقتصادي والسكن وحتى المستوى العاطفي والنفسي مثل الشعور باللانتماء والاغتراب، وهناك مثل يقول " البطون الخاوية لا تفكر".
وأكدَّ جرمقاني بأنَّ مسؤولية ابتعاد الشباب عن الاهتمام بالسياسة لا تقع فقط على الجامعة لأنَّ هذه المشكلة مرتبطة بالبنية المجتمعية ككل، والمسؤولية الأساسية والمباشرة تقع على عاتق وزارة الإعلام المعنية بالحوارات السياسية التي تلعب دوراً هاماً في نشر ثقافة الرأي والرأي الآخر، على الرغم من أنَّ الجامعة يقع عليها العبىء الأساسي في نشر الوعي الثقافي والسياسي ويفترض أن يكون فيها حوارات ثقافية وسياسية وتبادل للآراء وخصوصاً عند إقامة الاحتفاليات في المناسبات الوطنية والقومية وحتى الاجتماعية.
ويشير د. جمال بأنه قد تكون المؤسسة التعليمية أحياناً ليست هي المقصرة بل اتحاد الطلبة والشباب أنفسهم الذين لا يقومون بواجباتهم على أكمل وجه، وان الفرصة موجودة ليقوموا بدورهم وكما يقال " لا يضيع حق وراءه مطالب" لأنَّ المؤسسة لا يمكن أن تفعّل من تلقاء نفسها بل هي بحاجة لمن يفعلها من الأعضاء الطلبة المنتسبين لها.
وباعتبار الشباب هم الفئة العمرية الأكثر حساسية للتغيير وبالتالي يكون اهتمامهم في التغييرات السياسية والاجتماعية كفئة أكثر من اهتمام الفئات الأخرى فيرى الدكتور رضوان زيادة مدير مركز دمشق لدراسات حقوق الإنسان أنَّ عزوف الشباب عن العمل السياسي ناتج عن فقدان الحياة السياسية في سورية بما تعنيه من عدم وجود أحزاب قوية لها برامجها السياسية العملية والمختلفة، وعن فقدان الحيوية التي تنشأ من صحافة مستقلة تُنشأ حراك سياسي، أو حتى وجود الجمعيات الأهلية التي تضفي في برامجها على المشهد السياسي حيوية من النوع الخاص، وبالتالي عدم سماح السلطة لوجود أحزاب أو جمعيات ينعكس بشكل رئيسي لدى شريحة الشباب التي تصبح تحافظ على أمنها الشخصي أكثر مما تدخل في برامج عمل رسمية سياسية تنتهي فيها، خاصةً أنَّ هناك تجارب كثيرة للشباب في السنتين الماضيتين الذين اعتقلوا بسبب ممارستهم للنشاط السياسي.
وطالب زيادة في حديث خاص باستقلال الجامعة عن السلطة السياسية وأن تدير شؤونها ذاتياً كي يشعر الطالب بحريته بالتفكير والتعبير عن المطالب الجامعية، وأضاف مستدركاً بأنه لا يجب تسييس هذه المطالب بشكل كبير وإفقاد الجامعة البُعد الأكاديمي مثل ما يجري في بعض الدول بحيث تغرق النخب التعليمية بالتفاصيل السياسية لحساب التحصيل الأكاديمي العلمي ويفترض أنَّ توازن الجامعة بينها، مشيراً إلى وجوب اهتمام الحكومة السورية بهذه الفئة كشريحة مستهدفة ووضع برامج عمل محددة لأجلها، ولافتاً أنَّ هناك خوف لدى بعض الجهات من تفعيل دور الشباب الذي قد يؤدي إلى تصاعد موجة الأصوات المطالبة بالتغيير، كون الشباب يطلب التغيير ويكافح من اجله بعكس القيادات المعارضة التي تنتظر التغيير ولا تبحث عنه.
ويقول الناصر إنَّ جميع القوى السياسية ساهمت إلى حد ما في الابتعاد عن المجتمع، فبعض هذه القوى شارك في صياغة مفاهيم المجتمع الشمولي المعادي للسياسة باعتبارها ساحة للتنافس والتفاعل، وبعضها الآخر وافق ولو على مضض في التوقيع على ميثاق الجبهة الوطنية التقدمية التي تنص على احتكار حزب البعث للعمل في صفوف الطلبة وبالتالي تجفيف روافد العمل السياسي في المجتمع بما فيها الأحزاب الموقعة على الميثاق ذاتها، ومن جهة أخرى ساهم العمل السري الذي دفعت إليه المعارضة إلى تغييب السياسة، فقد عزلت نفسها عن المجتمع بدعوى العمل السري ما أدى إلى إنتاج أمراض وتقوقع على ذاتها، والآن اختارت العمل الديمقراطي التعددي والعلني وهي تعمل جاهدة على إعادة السياسة إلى المجتمع من خلال إحياء فعاليات المجتمع المدني.
وكون أحزاب المعارضة محظورة فهذا يبعدها عن ممارسة أي نشاط عام علني مثل إنشاء مؤسسات طلابية تعمل بشكل علني وتقدم خدمات للطلاب وقد أدى مجرد كشف علاقة بعض الطلبة بأحزاب المعارضة إلى فصلهم من جامعاتهم واعتقال آخرين إضافة إلى وضعهم على لوائح المغضوب عليهم، وأكدَّ الناصر على وجود أجيال كثيرة لا تدرك معنى" الحرم الجامعي" ولا تعرف حرمته على الأجهزة الأمنية لدى الدول المتقدمة.
ويرى المحامي مهند الحسني رئيس المنظمة السورية لحقوق الإنسان " سواسية" أنَّ تمتع الإنسان بحق المواطنة يستوجب تمتعه بحق المشاركة في الشؤون العامة ما يستوجب تمتعه بحق تقلد المناصب وهذا الحق لا يكون إلا من خلال ممارسته لحق التعبير عن الرأي لإثبات جدارته، وهذه المنظومة المتكاملة من الحقوق تحتاج لضمانات تستند إليها وأولها هو الدستور< وثيقة التعاقد الأولى بين عناصر الأمة ومكوناتها>.
وأشار الحسني إلى أن يكون الشعب هو مصدر السلطات بعيداً عن حكم الفئة أو القلة، إضافة لضمان المساواة تحت سقف القانون ولضرورة الفصل بين السلطات وضمان الحريات العامة، وحينها تنمو القيم الايجابية في المجتمع كالتسامح والقبول بالآخر والتنوع وينعكس هذا ايجابياً على البرامج التعليمية الفاعلة التي تجد أرضاً خصبة لها في الجامعات التي تتحول لمنابر للإصلاح ومراكز للأبحاث تضمن الحلول المجتمعية في كل ما يتعلق بمحاربة الفساد وتعزيز ثقافة الديمقراطية والمواطنة، لأن الجامعات هي مطابخ الغد والمادة الأولية لهذه الصناعة هي الأفكار.
أما نورا غازي (25)سنة فتقول تخرجت حديثاً من كلية الحقوق ولا انتمي لأي حزب ولكن العمل بحاجة للدخول بالأحزاب من أجل الوظيفة بعد التخرج أو حتى ليذهب الشخص بعثة مشيرة إلى أنَّ هدف الانتماء هو المنفعة الشخصية.
وإنَّ ما يبعد الشباب عن العمل السياسي هو تفكيرهم بكيفية الحصول على لقمة عيشهم وتضيف بابتسامة حزينة قائلة " الجوعان والبردان لا يستطيع أن ينام" بالإضافة إلى الثقافة الغربية التي تدخل بيوتنا تجعل شبابنا يغرد خارج السرب ومن النادر أن ترى شاباً يسمع أخباراً أو برنامجاً سياسياً وذلك لتحول اهتمامه بالموضة والانترنت، وتمنت نورا على الدولة فتح ندوات وإقامة مخيمات ولقاءات شبابية لتثقيف الشباب.
مهند شحادة طالب بقسم الإعلام جامعة دمشق غير منتسب لأي حزب ولكنه عندما قدم أوراق للتسجيل في الجامعة كان من ضمن الأوراق طلب انتساب حزبي كإجراء روتيني، ورداً على سؤال قال: المواطن السوري بالأصل لا يهتم بالأحزاب السياسية وربما يكون من آخر اهتماماته لأنَّ متطلبات الحياة التي طحنت الكثير من أحلامه وطموحاته، وخاصةً لا نسمع بهذه الأحزاب إلا بالصدفة أو في نشرات الأخبار، وقال إنَّ الكادر التدريسي في الجامعة هو نتاج إرث طويل لتجربة كرست الفكر الواحد والاتجاه الواحد ورفض التنوع والاختلاف وبالتالي فإنَّ النقاش في الجامعة غالباً ما يكون ضمن إطار ومقاييس وفلك المحاضر الذي تقولب أساساً من قبل على مقاييس وإطار جهات ما......
وحمّل شحادة الأحزاب المعارضة بأكملها مسؤولية إقصاء الشباب عن السياسة من خلال سيطرة نخبة سياسية واجتماعية تقولبت وتأقلمت مع مجمل الظروف السيئة التي عاشها المواطن ولم تسعى لأي تغيير بل على العكس كثيراً ما كرست واستثمرت هذه الأوضاع السيئة وتاجرت بمعاناة المواطن العادي ولم تحاول في أي مرحلة من المراحل بلورة مشروع فكري وثقافي يعبر عن رؤى وطموحات هذا المجتمع.
عمار الحلو (24) سنة طالب ماجستير في القانون الخاص بجامعة دمشق يقول أنه ينتمي إلى حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي " المعارض" يقول إنّ ترك الشباب الاهتمام بالقضايا الوطنية العامة سببه عزوف المجتمع وابتعاده عن انتمائه وعن قضاياه لسنوات طويلة بسبب تكريس سياسة الخوف والرعب، ورداً على سؤال بشأن إيجاد وزارة الشباب قال: ليس المهم التسمية المهم هو إنشاء هيئة قادرة على حل قضايا الشباب وقادرة على إيجاد فرص للحياة الكريمة للشباب وتكون قادرة على تطوير إمكانياته والحفاظ عليه كثروة علمية لهذا البلد، وتمنى الحلو أن ينشط المجتمع المدني الذي يشكل التربة الخصبة لنشاط المجتمع والأحزاب، وقال الحلو: اطلب من الحكومة السورية تحقيق العدالة الاجتماعية فقط.
أما علاء الدين حمدون المتخرج حديثاً من قسم الإعلام جامعة دمشق فلا يبدو مكترثاً بالسياسة ويقول إذا كان خير الكلام ما قلّ ودلّ فأود أن أُشير أنه في سورية ممنوع الحكي في السياسة لأنها على ما يبدو شرٌ مطلق والحكمة تقول ابعد عن الشر وغنيلو.. وأكسر بيضة....
وبين وعود الحكومة السورية بإصدار قانون للأحزاب ومعالجة أزمة البطالة وتوسيع هامش الحرية والاهتمام بشريحة الشباب يبقى الشباب السوري يسير بخطى عاثرة ويغرد خارج السرب ريثما تطبق الحكومة رؤاها الحالمة.
الجمل
إضافة تعليق جديد