حقيقة المصير الظلامي الذي ينتظر أوروبا

25-12-2006

حقيقة المصير الظلامي الذي ينتظر أوروبا

الجمل:   على خلفية الحربين العالميتين الأولى والثانية، في القرن الماضي، وعلى وجه الخصوص خلال فترة الحرب الباردة، والتي كانت فيها القارة الأوروبية مسرحاً دائماً للحرب الباردة خلال مرحلتها المرتفعة الشدة (توازن القوى والاحتواء: 1945- 1973)، والمنخفضة الشدّة (خفض التوتر واتفاقيات هلسنكي 1974- 1989).
أولاً: مهددات الأمن الأوروبي:
• المهددات الاقتصادية:
تعتمد البلدان الأوروبية على بلدان العالم الثالث في الحصول على احتياجات الاقتصاد الأوروبي الرئيسية، وبالذات إمدادات النفط، الخامات المعدنية والزراعية. كذلك تواجه أوروبا منافسة كبيرة في المسرح الاقتصادي العالمي بواسطة الصين واليابان وأمريكا وكندا.
• المهددات الاجتماعية:
أصبحت القارة الأوروبية مركزاً جاذباً لهجرة كل سكان العالم الثالث، وذلك على النحو الذي أصبح يهدد البلدان الأوروبية بموجات هجرة بشرية هائلة الحجم، وبالذات من البلدان الآسيوية والافريقية. كذلك أصبحت المجتمعات الأوروبية أكثر تفككاً، بحيث تزايدت معدلات الجرائم، وأصبحت العلاقات الاجتماعية والأسرية أقل دفئاً وترابطاً، بما أدى إلى زيادة وتفشي النزعة الفردية المؤدية إلى النسبية والعدمية.
• المهددات العسكرية:
ترتبط بلدان غرب أوروبا مع الولايات المتحدة وكندا باتفاقية معاهدة حلف شمال الأطلنطي التي أسست لقيام حلف الناتو، المنوط به الدفاع عن أوروبا عسكرياً في حالة أي هجوم عسكري شيوعي محتمل.
وبناء على ذلك تقوم الإدارة الأمريكية وبريطانيا بالإشراف على ما يُعرف بـ(المظلة النووية) الخاصة بالدفاع عن أوروبا، وذلك على النحو الذي أعطى الولايات المتحدة الذريعة والمبرر لتخزين مئات الرؤوس النووية غير التقليدية والصواريخ البالستية المتوسطة والطويلة المدى في قواعد حلف الناتو المنتشرى في أوروبا.
كذلك من المهددات العسكرية أصبحت تتمثل ببعض الحركات المسلحة الانفصالية الناشطة في أوروبا مثل: منظمة ايتا الاسبانية، ومنظمة الجيش السري الايرلندي.. وغيرها، إضافة إلى الميليشيات المسلحة التي مازالت موجودة في منطقة البلقان.
ثانياً: إدراك الأوروبيين لاعتبارات أمنهم القومي:
كان الجنرال ديغول، الأكثر إدراكاً لخطر اعتماد الأوروبيين المطلق على أمريكا في حماية الأمن القومي الأوروبي من خطر الانكشاف أمام التهديد الشيوعي الذي كان يمثله المعسكر الشرقي الاشتراكي آنذاك، وقد سعى الجنرال ديغول إلى بناء القوة النووية الفرنسية، وطالب الأوروبيين لاحقاً بالاعتماد على (المظلة النووية الفرنسية) بدلاً من (المظلة النووية الأمريكية)، ولكن اقتراح ومشروع الجنرال ديغول وجد معارضة من بريطانيا وغيرها من البلدان الأوروبية شديدة الارتباط بأمريكا، الأمر الذي أغضب الفرنسيين آنذاك، وجعلهم يقررون الانسحاب من اتفاقية حلف الناتو العسكرية، بحيث تصبح مشاركة فرنسا حصراً في اتفاقية الحلف السياسية.
بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، قامت فرنسا، ومعها ألمانيا هذه المرة بطرح وإثارة موضوع الاستقلالية العسكرية الأوروبية عن اعتبارات الحماية العسكرية الأمريكية، ولكن أمريكا بادرت بدفع الحلف إلى التدخل في إقليم كوسوفو وضرب يوغسلافيا من أجل حماية المدنيين وتحقيق الاستقرار في الجزء الحيوي الشرق المضطرب من القارة الأوروبية.
ثم جاءت عملية الحرب ضد الإرهاب، على النحو الذي جعل حلفاء أمريكا الأوروبيين، مثل بريطانيا وهولندا وبلجيكا يطالبون بالاستمرار والبقاء الأطول لاتفاقية معاهدة حلف الناتو.
وأخيراً نقول: نظام الأمن القومي الأوروبي يتميز بعدد من جوانب القوة والضعف، والتي يتمثل أبرزها في الآتي:
• عوامل القوة:
- وجود قدر هائل من رؤوس الأموال، والتمركز الصناعي.
- وجود قدر هائل متقدم من الأسلحة المتقدمة والعالية التطور.
- وجود استقرار قيمي في نسق المعاملات السياسية، وحالياً كل الدول الأوروبية تعتمد الانتخابات كوسيلة لتداول السلطة.
- زوال المخاطر التي كانت تتمثل في وجود دول الكتلة الشرقية، إضافة إلى انفتاح كل بلدان شرق أوروبا والشرق الأوسط أمام المعاملات الاقتصادية مع أوروبا.
• عوامل الضعف:
- تزايد سيطرة أمريكا على المؤسسات والمنشآت العسكرية الأوروبية، فالكثير من الشركات العسكرية الأوروبية أصبح الأمريكيون يملكون قدراً كبيراً من رؤوس أموالها.
- قيام أمريكا بعرقلة التطور المؤسساتي والقيمي لتكتل الاتحاد الأوروبي، بحيث لا يتطور باتجاه تحقيق حالة الاستقلال الأوروبي الكامل عن أمريكا.
- الدول الصغيرة التي تم ضمها للاتحاد الأوروبي مثل سلوفينيا، وتشيكيا أصبحت أكثر خطراً على الأمن الأوروبي، وذلك بسبب توقيعها لاتفاقيات خاصة مع أمريكا، ضمن إطار ثنائي خاص، يعطي أمريكا الحق في نشر المزيد من القواعد العسكرية وتخزين العتاد العسكري وأسلحة الدمار الشامل في أراضيها.
- تزايد الروح الوطنية الاجتماعية في بعض البلدان الأوروبية، خاصة روح العداء للأجانب، على النحو الذي بات يهدد بإعادة إنتاج الحركات النازية والفاشية التي سبق وأن مزقت أوصال المجتمع الأوروبي في منتصف القرن الماضي.
- انكشاف بلدان القارة الأوروبية أمام عمليات جهاز الموساد الإسرائيلي السرية، ومن المتوقع أن يحاول الموساد تعميم أنشطة استهداف العرب والمسلمين الجارية في فرنسا، إلى بقية البلدان الأوروبية، وذلك بتركيز على اسبانيا، ايطاليا، ألمانيا، هولندا، بلجيكا، وسويسرا.
وبناء على ما سبق يمكن القول: إن هناك قدراً هائلاً من المثقفين والأكاديميين الأوروبيين باتوا حالياً أكثر إدراكاً لحقيقة المصير الظلامي الذي ينتظر اوروبا، إذا تمادت حكوماتها في السير في ركب التبعية الأمريكية، ويتوقع معظم الباحثين ارتفاع الأصوات الأوروبية المطالبة بحشد وتعبئة قدرات الاتحاد الأوروبي، وذلك بما يؤدي إلى توحيد السياسات الخارجية الأوروبية ضمن سياسة خارجية أوروبية واحدة تضع حداً لنفوذ السياسة الخارجية الأمريكية، وأيضاً تدعم مسيرة الاستقلال الأوروبي في مجالات الدفاع والأمن.

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...