حقائق وأكاذيب الحرب السورية

31-05-2013

حقائق وأكاذيب الحرب السورية

صدّق او لا تصدّق: إن أعداد الاكاذيب التي اطلقتها اجهزة الدعاية الغربية طوال الفترة منذ بدء الحرب الدائرة الآن في سوريا تفوق تلك التي اطلقتها هذه الاجهزة طوال سنوات الحرب العالمية الثانية التي استغرقت السنوات السبع من العام 1939 الى العام 1945.
لكن الأكذوبة الأكبر التي ستبقى في ذاكرة التاريخ وفي ذاكرة البشر، بعد ان تكون الحرب السورية قد انتهت، هي تلك التي تزعم ان الدول الغربية وحليفاتها العربية في هذه الحرب، اي الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وهولندا ومعها السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة، فرضت حظراً على مد التنظيمات المسلحة التي تشن الحرب على الشعب السوري والنظام الحاكم بالأسلحة. وكأن احداً يمكن ان يتصور ان هذه التنظيمات العديدة الآتية من بقاع الارض يمكن ان تخوض حرباً وهي محرومة من السلاح ومن المال الذي يمكن ان يشتري لها السلاح الذي قتل، ولا يزال يقتل عشرات آلاف من السوريين من الأعمار كافة ومن الطوائف الدينية والعرقية كذلك.
يفترض فينا ان نصدق ان هذا الحظر على امداد التنظيمات الخارجية بالسلاح استمر من بداية هذه الحرب الدموية حتى يوم الاثنين الماضي، السابع والعشرين من شهر أيار الحالي، او ما يساوي اكثر من 27 شهراً. وأن رفع هذا الحظر بقرار غربي سيكون من شأنه قلب الموازين العسكرية بين التنظيمات المجردة من السلاح والجيش السوري. يفترض فينا أن نتصور أن الموازين ستنقلب لمصلحة التنظيمات الخارجية ضد الشعب السوري وجيشه الوطني عقاباً على رفض سوريا شروط الغرب الأميركي والأوروبي الذي يدير هذه الحرب ويوجهها بكل تفصيلاتها من مناطق الحدود السورية مع تركيا ولبنان، وكذلك من عواصم الغرب في اوروبا وأميركا. اما الواقع الحقيقي للامور فيؤكد ان سوريا استطاعت ان تثبت قدرتها القتالية في مواجهة اولئك، وأن الهزيمة تزحف باتجاههم بخطوات ثابتة وأكيدة.
الخطر الشامل لا يتمثل في أحداث سوريا وحدها، انما يتمثل في الخطة الغربية الشاملة الرامية الى توسيع نطاق الصراع الطائفي ليشمل المنطقة كلها، بعد ان اثبتت هذه الحرب الطائفية جدواها في العراق وأضرارها في سوريا، وأصبحت نموذجاً يسعى الغرب بقيادة الولايات المتحدة وتحت توجيهاتها التفصيلية الى تعميمها حيثما امكن، وخاصة في البلدان العربية ذات الوزن السكاني والعسكري الثقيل. ولا يبدو ان بالإمكان استثناء مصر بسبب ظروف تاريخية وحضارية وسكانية، بل حتى بسبب غياب العامل الطائفي. إن وجود العامل الديني بين الأغلبية الإسلامية في مصر والأقلية المسيحية (القبطية) موضوع الآن قيد التجربة، حيث لا تكتفي الأقلية المسيحية، الكبيرة عددياً بما يزيد على اثني عشر مليوناً من السكان، بالهجرة من مصر الى اوروبا وأميركا، انما تتوفر الدلائل على انها ستجد نفسها مرغمة على مقاومة خطط «الإخوان المسلمين» الذين يحكمون مصر الآن، بتأييد سياسي ومادي ومعنوي من الولايات المتحدة.
لقد لاحظت نشرة «فورين بوليسي» (السياسة الخارجية) التي يصدرها مركز «بروكينغز» البحثي ذائع الصيت في العاصمة الاميركية واشنطن، «انتشار المخاوف من انتشار الصراع الطائفي في الشرق الاوسط، وهي مخاوف حفزتها الاعداد المتزايدة من قتلى الحرب الطائفية في العراق والمواجهة المثيرة للاكتئاب في البحرين والتوترات المستعصية على الاحتواء في لبنان». والأهم ما قالته النشرة نفسها من ان «الطائفية اصبحت تلعب الدور الرئيسي في اعادة صياغة السياسة الاقليمية في ظل وجود الازمة السورية على خط المواجهة في هذا النزاع ... إن الطائفية في طريقها الى تشديد حدة الصراع بين المسلمين والغرب، وقد اصبح المرجح ان تحل الطائفية محل الصراع الاسرائيلي - الفلسطيني كعامل تعبئة مركزي في الحياة السياسية العربية».
هنا يبرز التفسير الغربي الجديد لمجريات الصراع في الشرق الاوسط. وهذا يعني ان النشرة البحثية الاميركية «فورين بوليسي» تكتفي بتقديم التفسير من دون الاشارة، ولو مجرد الاشارة، الى المسؤول عنه. انها لا تشير من قريب او من بعيد الى الدور الذي تلعبه السياسة الاميركية في هذا التحول. لكنها تثبت صحة تفسيرها وتقف عند حدود التأكيد بحدوث هذا التحول. هذا هو المسموح به في السياسة الاميركية بشأن حرية الرأي لمثل هذه المصادر. ومعهد «بروكينغز» يتوقف عند هذه الحدود ليبقى معتبراً من المصادر المهمة لتحليل الاحداث الخارجية. لهذا يمضي التفسير الاميركي من دون اي تحميل لأميركا الرسمية اي قدر من المسؤولية الى نقطة التأكيد بان وجود «الإخوان المسلمين» في الحكم في مصر يلعب دوراً أساسياً في هذا التحول. كما تمضي النشرة الاميركية المتخصصة الى ملاحظة وجود خلاف بين «الاخوان المسلمين» والسلفيين، ولكنها تعبر عن اعتقاد غير صحيح بأن هذا الخلاف موجود فقط في مصر، بينما الواقع انه خلاف موجود حيثما وجد «الاخوان المسلمون» على الساحة في غير مصر من البلدان العربية والاسلامية من المغرب وتونس غرباً الى العراق وأفغانستان شرقاً. بل إنها تلقي مسؤولية تقسيم «العالم العربي السني» اكثر مما كان يفترض ان توحده، وأثرت الخلافات والعداوات بين السعودية والإمارات حول الهوية السنية، فضلا عن العداوة بين السعودية وقطر في الفترة الاخيرة بعد تعاون طويل بينهما، وذلك بسب التعاون الظاهر بين قطر و«الاخوان المسلمين» الذين تخشاهم السعودية كثيرا وتفضل ان «يلعبوا بعيداً».
لماذا هذا الصراع بين دول الخليج التي كانت تعطي مثلا واضحاً للتعاون بزعامة السعودية؟ ان اي صراع من هذا النوع الطائفي الحاد حتى في حدود هيمنة المذهب السني على الغالبية، لا بد ان يفلت من هيمنة القوى السياسية ويبرهن على ان له قوانينه الخاصة التي تتحدى قوانين السياسة والحكم، في اي بلد، بصرف النظر عن هيمنة طائفية لمجموعة معينة.
ان صراع القوى في بلدان الخليج يثبت اولويته على الوضع الطائفي ويتجاوز هذه الحدود الطائفية الى صراع سياسي من الدرجة الاولى. وهنا يتضح ان الولايات المتحدة التي تحرص على ان تؤدي الدور الاهم في هذه المنطقة لا تستطيع ان تفرض هيمنتها بالكامل على الوضع، خاصة في ظل وجود الصراعات الطائفية والسياسية. ولماذا لا نتصور ان الولايات المتحدة تعرف جيدا وتحسب جيدا ايضا حدود هذا الصراع، صراع القوى، لأنه يزودها بقوة التمكين من الهيمنة على منطقة لا تزال لها اهميتها لأميركا كمصدر حيوي للنفط وكقاعدة للسيطرة العسكرية على مفترق طرق الشرق الاوسط والخليج وجنوب آسيا؟
كانت ادارة الرئيس الاميركي السابق جورج بوش الابن تعتبر الطائفية عاملا مفيدا لتحقيق اهداف سياسية من نوع احتواء ايران وكذلك «حزب الله»، ولدعم التحالف بين اميركا و«الديكتاتوريات السنية المعتدلة». وهو تعبير يعني بلدان النفط ذات النظام الملكي المطلق. فهل هناك ما يمنع ادارة باراك اوباما الحالية من تبني هذه السياسة التي تبناها سلفه جورج بوش؟ ربما يكون الفرق الوحيد بين بوش وأوباما هو ان جورج بوش الجمهوري اليميني كان أكثر صراحة ووضوحاً في سياسته في المنطقة العربية، اما اوباما فانه حريص كرئيس ديموقراطي «تقدمي» على إخفاء هذا الوجه ليعطي لنفسه فرصة أكبر للهيمنة على هذه المنطقة المهمة.
كتب المحلل السياسي الاميركي جون غالتونغ تحليلا في مجلة البحث العالمي («غلوبال ريسيرش» في 24 آيار الحالي) ضمّنه قائمة كاملة بأهداف كل الاطراف الكبيرة والصغيرة في المنطقة. وقال ان اسرائيل تريد سوريا مقسمة وبعيدة عن ايران، راضية بالوضع الراهن في الجولان، وأميركا تريد ما تريده اسرائيل، بالاضافة الى السيطرة على النفط، وروسيا تريد قاعدة بحرية في البحر الابيض المتوسط والصين تريد بالمثل، وإيران تريد سلطة الشيعة، والسعودية تريد سلطة السنة، ومصر تريد ان تبرز كمدير للصراع، وقطر تريد ما تريده السعودية ومصر. وتركيا تريد إثبات انها الوريث للامبراطورية العثمانية.
ان هذه الاهداف من هذه الاطراف تؤكد ان الغرب سيحرص كل الحرص على ان لا تنتهي حرب سوريا وأن تمتد هذه الحرب الى لبنان والى إيران. بل إن الغرب بزعامة اميركا لا يمانع في ان تتورط روسيا والصين في مثل هذا الصراع في الشرق الاوسط. وتورط اسرائيل في هذا الصراع لا يبدو يتفق مع رغبتها لكنه يبدو قدراً.
لكن احداً لا يملك من بين هذه الاطراف بإرادته السيطرة على تطورات الوضع. وليس هناك طرف، ولا حتى اميركا، يمكن وصفه بأنه الطرف الوحيد المستفيد.

سمير كرم

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...