جوناثان كو: لا داعي للكتابة إذا كان العالم على ما يرام

15-04-2011

جوناثان كو: لا داعي للكتابة إذا كان العالم على ما يرام

يعتبر النقاد، الروائي البريطاني جوناثان كو واحداً من أبرز روائيي الجيل الجديد الذي أعاد الروح للرواية الانكليزية المعاصرة، بعد أن دخلت لفترة غير قصيرة في «غيبوبة» جعلتها تتخلى عن مكانتها تجاه الرواية الآتية من مناطق أخرى، وبخاصة فيما لو قارنها بتلك الرواية الانكليزية، التي يكتبها حالياً، كل أولئك الذين أتوا من «مستعمرات» بريطانيا القديمة، أي أولئك الروائيين، غير البريطانيين، لكن الذين اختاروا الإنكليزية كوسيلة تعبير.
في أي حال، عبر سلسلة من الروايات، التي تحاول أن تقرأ المجتمع، فرض كو نفسه، كواحد من الكتاب الذي تجد أعمالهم الصدى الواسع. ولمناسبة صدور روايته الأخيرة «الحياة الخاصة جداً للسيد سيم» في ترجمة فرنسية، أجرت مجلة «الأكسبرس» حوار مطولاً، مع الكاتب، نختار منه، هنا، الجانب المتعلّق بمدينة لندن، حيث يلقي فيه الضوء، على مجموعة من الأفكار التي تبدو غير معروفة بالنسبة إلينا.
هل تشكل لندن، حيث تعيش، مصدر وحي لكتابة رواياتك؟
هناك العديد من الكتّاب البريطانيين الذين يعيشون في هذه المدينة، ربما بنسبة ثمانية على عشرة. كما أن ثمة إغواء كبيراً بالاعتقاد بأن لندن هي مركز الكون أو حتى المملكة المتحدة. لقد تعمّدت، في روايتي الأخيرة، «الحياة الخاصة جداً للسيد سيم»، بأن يكون البطل مقيماً خارج العاصمة، على الرغم من أنه يقوم بغزوها أحياناً. يعني ذلك، أنه من المؤكد بأن لندن تعطي نبض الأمة. كنت فيما مضى في نيويورك، أعتقد أنها المدينة الأجنّ والأطفح بالحياة في الغرب. حين زرتها مؤخراً، بدت لي، على العكس من ذلك، كانت أهدأ وألطف. عدت إلى بريطانيا وزاد انطباعي بأن لندن هي المكان الذي يجري فيه كل شيء بسرعة: من بين جميع المدن التي عرفتها، إنها أكثر المدن انفتاحاً وتعرضاً للمنافسة.
بالأمس كانت نيويورك، واليوم نجد أن لندن هي أكثر المدن التي تجتذب الأموال، كما الشبان الطامحين من البلدان الجديدة مثل أوروبا. لمَ؟
هذا صحيح. ذلك عائد على دور المدينة وإلى أهمية القطاع المصرفي في الاقتصاد الوطني. يعكس ذلك أيضاً مكانة الاقتصاد في الاقتصاد المعولم. لندن هي صالة آلات الرأسمالية العالمية بما يفترض ذلك من حيوية ولكن أيضاً بما يفترض من ضحايا ناتجة عن ذلك.
التناقض الكبير
إنه مشهد مدهش بالنسبة إلى كاتب، أليس كذلك؟
أجل، شرط أن لا نخلط الآلات مع مجموع البناية؛ الحيوية والغنى اللذان نجدهما في لندن لا يمتدّان إلى بقية المدن. لا يزال المال في أيدي مجموعة صغيرة. في برمنغهام ومانشستر وبريستول، نجد النشاط بطيئاً. لكي نفهم الواقع العلي للبلد، علينا أن نقرأ الصحافة المحلية التي، هي وحدها، تتحدث عن إغلاق المكتبات وعن تخفيض الميزانيات في المستشفيات. وهذا ما يشكل التناقض الكبير: لا تزال لندن تستمرّ في صرف الأموال بطريقة جنونية من دون أن نعرف أين تذهب.
حين نقرأ روايتك «وصيّة على الطريقة الانكليزية» التي صدرت منذ أكثر من خمسة عشر عاماً، نشعر بأن هذه الحيوية التي تتحدث عنها تذكرنا بباريس التي تحدث عنها بلزاك.. هل تشكل هذه الحيوية، منجماً رائعاً بالنسبة إلى الروائي؟
نعم من دون شك. لكن، وبدءاً من الثمانينيات، وجدت الرواية البريطانية مصدراً جديداً من الغنى وذلك مع صدور «أطفال منتصف الليل» لسلمان رشدي، ومن ثم «مال، مال» لمارتن أميس، وأخيراً روايتي «وصيّة على الطريقة الانكليزية» التي تسبر أغوار الرأسمالية المطلقة عنانها. ما كتبته في تلك الفترة لا يزال يتحدث عن واقع اليوم. لا أجد الحاجة إلى العودة إلى ذلك الموضوع. ثمة استمرارية ما بين عصر تاتشر، العمالي الجديد طوني بلير وحزب ديفيد كاميرون المحافظ. ما من أحد حقاً يفهم الاختلاف بين اليسار واليمين. الذين عانوا من الانفجار الاقتصادي لا نجدهم ممثلين. ومع ذلك، ثمة نقطة خاصة عند الحكومة الجديدة: إنها تلك العائدة للأصول الاجتماعية لأعضاء هذه الحكومة الأساسيين. حين أشاهدهم، أتساءل إن لم نكن قد استعرنا آلة زمن لنعود إلى الوراء وعما إن لم نكن قد عدنا إلى الخمسينيات، إلى تلك الحقبة حيث كان الاعتبار يفرض نفسه في وجه الطبقات العليا. إن توجب عليّ اليوم الكتابة عن بريطانيا العظمى، لكان ذلك هو الموضوع الذي أرغب في معالجته.
حتى رئيس الوزراء نجده يتحدث عن انتمائه للطبقة الوسطى، كما أن وريث العرش المقبل سيتزوّج من عامة الشعب؟
لا ينتمي ديفيد كاميرون إلى الطبقة الوسطى. لقد تلقى علومه في «إيتون» (أكبر المدارس الخاصة نخبوية في بريطانيا). لقد اعتقدنا بأن نظام الطبقات قد اختفى مع مارغريت تاتشر وجون ميجور المنحدر من الطبقة العمالية. لكننا اليوم، نرى عودة هذا النادي الصغير المغلق إلى سدة السلطة. وهذا دليل قاطع على أن البنى التراتبية والصارمة في المجتمع البريطاني، التي تجد مرتكزاتها في النظام التعليمي، لم تتفكك.
ألا تبدو النظرة التي ترى بها مواطنيك نظرة نقدية بشكل منهجي؟
يتطلب العمل من الروائي أن يملك نظرة نقدية للمجتمع. إن ظننا بأن كل شيء على ما يرام في عالمنا هذا، لما كانت هناك أي ضرورة لكتابة رواية ولإبداع واقع مواز لهذا المجتمع. لا يشعر الروائي بالغضب دائماً، لكنه لا يشعر بالراحة مطلقاً مع المجتمع الذي يحيط به.
فكرة إنكليزية
تبدو رواية «الحياة الخاصة جداً للسيد سيم» مكتوبة حول هذه الفكرة الانكليزية جداً، العائدة لمفهوم «الخصوصية»، والتي لا تقتصر أبداً على احترام الحياة الخاصة. كيف تحدد هذا الأمر؟
يعشق البريطاني المحافظة على «بالنسبة إليّ». المحافظة على «الخصوصية»، معناه أن يتشارك مع الآخرين فقط بسماته الذاتية. وهذا أمر مهم في الشخصية البريطانية: عليه أن يحمي بعناية فائقة فضاءه الخاص وإقامة حاجز قوي غير مرئي حول ذاته. لقد وجدت من المدهش أن جميع ناشري كتبي غير البريطانيين قد تضايقوا من ترجمة هذا المصطلح. أعتقد بأن الجميع يتقاسمون هذا المفهوم.
تتوقف في روايتك هذه حول الرعب العام الذي أصاب الجميع خلال فترة الأزمة الاقتصادية؟
تشكل لندن مركز الرأسمالية غير الرحيم، حيث أن نحركه هو الخوف. الخوف من السقوط، الخوف من أن لا نظهر أكثر لمعاناً وأكثر سعادة من الآخرين. إنها مدينة تعمل بهذا النوع من الكهرباء التي تجعلنا ننظر على الدوام من فوق كتفنا خوفاً من أن لا نكون على القدر نفسه ممن يحيط بنا. أنظروا في الصباح إلى كل اللندنيين الذين يذهبون إلى العمل على دراجاتهم الهوائية، لأن ذلك يجعلهم يصلون بشكل أسرع مما لو كانوا يقودون السيارة. تجدهم مسرعين والهواتف النقالة على آذانهم. يرتدون ثياباً من الليكرا، لدرجة أنك تعتقد أننا في مسابقة «دورة فرنسا». منذ الثامنة صباحاً، يغطي القلق كل شيء. وهذا ما يوقظ لندن. كل صباح. ما من أحد يتوقف ولو للحظة كي يفكر. في النهاية، ينتج ذلك، بالطبع، حيوية لا تصدق، لكنه لا ينتج السعادة.
ولمَ الاستمرار في العيش هناك إذاً؟
أنا على استعداد لمغادرة لندن هذه اللحظة بيد أن عائلتي تحب العيش هنا. لا تنقصهم هذه الحيوية التي تعيبني. حتى بعد 25 سنة سأشعر بأني غريب هنا. تشكل لندن مصدراً مدهشاً من الوحي بالنسبة إلى الروائي، لكنها لا تمثل مكاناً جيداً للكتابة. ثمة نقص في فضاءات التأمل. في حين تتطلب الرواية التأمل. في لحظة ما، علينا أن نبتعد، أن نغيّر المنظور، أن نجد السكينة. لكي أكتب، وبخاصة في اللحظة التي أبدأ فيها بكتاب، يتوجب عليّ مغادرة لندن.
كيف ترى إلى إعادة تأهيل شرق لندن المتسارع بسبب التحضير لإقامة الألعاب الأولمبية؟
في تسعينيات (القرن المنصرم)، تم تخريب منطقة شرق لندن القديمة بالكامل بسبب تدفق المال. لقد تمّ «ترحيل» الجماعات المنحدرة من الطبقات العمالية التي كانت تعطيها شخصيتها الخاصة من جراء الرأسمالية المنتصرة. لقد فرض التناسب نفسه. لقد وضعت سلاسل المحلات التجارية الكبيرة شاراتها. أعتقد بأن القدر يدلل حي القرية الأولمبية.
لكن العولمة ليست دائماً صنواً للتناسق. هناك في لندن اليوم أحياء اتنية..
بالطبع، إنها اليوم مدينة متعددة الثقافات وربما علينا أن لا نتخلى عن الحنين. هذا التنوع مثير للدهشة وهذا ما ينقصني حين أذهب إلى الريف، إلى المناطق التي بقيت متناسقة إتنياً.

اسكندر حبش

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...