توفيق أحمد مديراً للهيئة العامة السورية للكتاب بدلاً من جهاد بكفلوني
مرت سنة تقريباً على تسلّم «جهاد بكفلوني» رئاسة «الهيئة العامة السورية للكتاب»؛ وقتها احتجّ العديد من المثقفين السوريين على تعيين شخصية محسوبة على التيّار المحافظ في هذا المنصب؛ مناشدين وزارة الثقافة في بلادهم بالعدول عن هذا القرار ، لكن هذا النداء لم يلق آذاناً صاغية؛ حتى الأسبوع الماضي؛ إذ تمّ اتخاذ قرار من رئاسة مجلس الوزراء بإنهاء مهام بكفلوني وتعيين الشاعر توفيق أحمد عوضاً عنه؛ والذي بادر مباشرةً إلى إيقاف طباعة جميع العناوين التي كانت في مطبعة الوزارة؛ ومراجعة مضامينها وتقديم تقارير من القراء ومديري الهيئة عنها؛ لكن ما هو السبب وراء هذا الإجراء العاجل؟
علم أن حجم التجاوزات الإدارية ليس شيئاً أمام ما تمّ تمريره من كتب صدرت عن الهيئة الحكومية؛ تحرّض على التطرف والتكفير والتغني بالعهد الذي تمّ الترخيص فيه لحزب الإخوان المسلمين للعمل في سورية؛ وامتدت بين عامي (1954- 1958) قبل أن يأتي عصر الوحدة مع مصر؛ منهياً نشاطات هذا الحزب الراديكالي من الحياة السياسية للبلاد. الأمثلة عديدة وكثيفة على محاولة تغيير توجه عناوين الكتب ذات الطابع التنويري التي واظبت وزارة الثقافة السورية على إصدارها منذ تأسيسها العام 2006؛ ففي كتاب «رحلة ابن جبير» (ص.ص. 78- 79) الصادر مؤخراً عن الهيئة يختار مُعدّ الكتاب أحمد سعيد هواش مقطعاً كاملاً عن التحريض المذهبي نذكر منه: «وللحرم أربعة أئمة سنيّة وإمام خامس لفرقة تسمى الزيدية (إحدى فرق الشيعة)، وأشراف أهل هذه البلدة على مذهبهم؛ وهم يزيدون في الأذان: (حَيّ على خير العمل) إثر قول المؤذن: (حَيّ على الفلاح) وهم روافض سبابون، والله من وراء حسابهم وجزائهم؛ ولا يُصلّون الجمعة مع الناس؛ إنما يُصَلّون ظهراً أربعاً؛ ويصلّون المغرب بعد فراغ الأئمة من صلاتها».!
وفي موضع آخر من الكتاب، يورد مُعدّه ما يلي في الصفحة (158): «وفي صفحته حصون للمَلاحِدة الإسماعيلية؛ فرقة مرقت من الإسلام وادعت الإلهية في أحد الأنام؛ قيّض لهم شيطان من الإنس يعرف بسنان (أبو الحسن سنان بن سليمان البصري صاحب دعوة الإسماعيلية) خدعهم بأباطيل وخيالات موّه عليهم باستعمالها؛ وسحرهم بمحالها، فاتخذوه إلهاً يعبدونه، ويبذلون الأنفس دونه والله يضل من يشاء ويهدي من يشاء ونسأله العصمة من ضلال الملحدين».!
وفي كتابٍ آخر من سلسلة «قطوف التراث» بعنوان: «حمص في عيون الرحالة»، إعداد واختيار «محمد عبد القادر المنصور»، ينتقي مُعدُّ الكتاب الصادر حديثاً عن هيئة الكتاب وفي الصفحة (147) قصيدة مديح مطوّلة بالخلافة والدولة الإسلامية وبشخصية «جمال باشا السفّاح» على لسان ناظمها (توفيق أفندي الأتاسي) ضارباً عرض الحائط بأرواح العشرات من أحرار ومثقفي الشام وبيروت الذين أعدمهم السفّاح في السادس من أيار العام 1916 بعد محاكمة صورية؛ قضوا بعدها على أعواد المشانق دفاعاً عن استقلال أوطانهم وحريتها.
وفي الكتاب ذاته يختار محققه سرد تفاصيل رحلة الداعية الإسلامي «الهندي أبو الحسن الندوي»، (ص. 162) ولقائه العام 1951 في حمص بكل من «نصوح السباعي» وشقيقه «مصطفى السباعي» و «عبد المجيد طرابلسي» أبرز الشخصيات القيادية آنذاك في حزب الإخوان المسلمين في سورية.
أعلام ناشئة
الغريب في الأمر أن هذه الكتب لم تُسحب بعد من التداول؛ كما حدث مثلاً مع كتاب «تاريخ ضائع» لمؤلفه الأميركي «مايكل هاملتون مورجان»؛ والذي كتب مقدمته الملك الأردني عبد الله ابن الحسين؛ حيث يتناول هذا الكتاب «الصراع السني الشيعي» في المنطقة العربية؛ فأغلب الكتب التي صدرت مؤخراً عن هيئة الكتاب تندرج ضمن هذا التوجه – أما بعضها الآخر فكان من باب المنفعة الشخصية - تقول الكاتبة والروائية التي رفضت ذكر اسمها وتضيف: هذا ما يمكن ملاحظته من خلال تكرار أسماء بعض الكتّاب الذين أصدروا ما يقارب أربعة أو خمسة عناوين في السنة الواحدة؛ مع أن العرف الجاري في الهيئة يقضي بنشر كتابين في السنة للكاتب نفسه. ناهيك عن ذلك أمر في غاية الخطورة – تتابع الكاتبة - وهو تكرار عناوين الكتب ولكن بمسمّيات أخرى؛ فكلنا نعرف سلسلة «أعلام الناشئة» التي تصدر عن الهيئة؛ لكن الغريب في الأمر هو صدور سلسلة جديدة مشابهة لها عن مديرية التراث تُعرف باسم «عظماؤنا» وهي للناشئة أيضاً! والأغرب أنها تضمّنت العناوين نفسها؛ فعلى سبيل المثال لا الحصر صدرت مؤخراً عناوين مكررة من قبيل: «رحلة ابن جبير، أبو فراس الحمداني» وسواها».
الأمر الفاجع اليوم صدور كتاب يوزع مجاناً مع مجلة «المعرفة» تناول عناوين مكررة أيضاً؛ مثل كتاب «المتنبي» الصادر في السلاسل نفسها؛ حيث يندرج ذلك ضمن تكريس فكرة عن عقم الكتّاب والموضوعات؛ إضافةً لإرضاء مؤلفين يعملون في الصحافة الثقافية - تتابع الكاتبة وتضيف: «إصدار سلاسل تراثية عشوائية من دون أي تخطيط مسبق من أجل قبض استحقاقات الإشراف والإدارة بات أمراً معروفاً لدى من تمّت شراء ذمتهم من كتّاب وشعراء وصحافيي الدرجة العاشرة؛ ففي سورية فقط يتزعم شخص واحد رئاسة تحرير خمس مجلات وسلاسل تصدر في سورية وهي: «سلسلة أدب الخيال العلمي»، و «مجلة الخيال العلمي» اللتان تصدران عن الهيئة السورية للكتاب، إضافةً إلى «سلسلة الأدب العلمي»، و «مجلة الأدب العلمي»، و «مجلة دوائر الإبداع»، وهذه الدوريات الثلاث تصدر عن جامعة دمشق»!؟ لقد جاء مرسوم إحداث الهيئة العامة السورية للكتاب؛ تحقيقاً لحلم الكتّاب والمبدعين السوريين وتلبية لحاجات توسيع وتحديث وتطوير «دائرة التأليف» والتي كانت ملحقة بوزارة الثقافة منذ ستينيات القرن الماضي، فتفاءل الكتّاب وقتها بإحداث نقلة نوعية في المشهد الثقافي تأليفاً وتحقيقاً وترجمة ونشراً، وبالفعل بدأت الهيئة حينذاك تستقطب وتنشر عدداً من السلاسل المهمة في الرواية العالمية والسورية وفي النقد والسينما والفن التشكيلي والتراث العربي وأدب الأطفال؛ وذلك في ظل إدارة واسعة الأفق وصاحبة مشروع تنويري من جهة؛ وحريصة على التراث الذي يعزّز الانتماء الوطنيّ والقومي والروح الإنسانية من جهةٍ أخرى.
تخبّط
رحيل أنطون مقدسي، وتقاعد محمد كامل الخطيب واستقالة عدد من كوادر الهيئة ولجان القراءة والتقييم، والاختيار المتسرّع لعدد من مدراء الهيئة العامة ورؤساء مديريات التأليف والترجمة والطفل فيها، أوقع الهيئة في التخبّط على كل المستويات ـ يقول الكاتب وائل عبد الله لـ «السفير» مضيفاً: «بدأ هذا التخبّط ينعكس على مستوى المنشورات الصادرة عن الهيئة، وعلى توجهها، فتحوّلت هذه الهيئة التي كانت تحتكم إلى النّص وحده إلى مؤسسة لمراعاة الخواطر والعلاقات الشخصيّة والمنافع المتبادلة؛ فأُبعد عدد من كوادرها المشهود لهم بالتفاني والجديّة والرؤية التنويرية، وقد حاول مديرها السابق الأديب محمود عبد الواحد ترميم ما لحق من تشويه لسمعتها؛ لكن تقاعده فتح من جديد الباب لمن ليس كفؤاً لإدارتها؛ ما أوقع الهيئة في الارتجالية من جديد على مستوى الإدارة واختيار لجان القراء ذوي الذائقة التقليدية الواحدة - (معظمهم أعضاء في اتحاد الكتّاب العرب)، فبدأت هذه الهيئة تدفع المكافآت لكتب عدة من دون أن تُنشر، وذلك بسبب اكتشاف مخالفتها لتوجه أو ميول مديرها «بكفلوني» أثناء الطبع أو قبله بقليل، الأمر الذي سبب هدراً للمال العام واختلال ميزانية الهيئة».
بعض الكتب التي تمّ نشرها ضعيفة المستوى ويغلب عليها طابع الزوايا الصحافية والجمع العشوائي وبعضها الآخر بذريعة إحياء التراث - تقول الصحافية نجاة محمد المتابعة لمنشورات الهيئة: «كتب التراث تحديداً الصادرة مؤخراً لا تخلو بعض صفحاتها من إحياء النزعات والنعرات الطائفية التي تزيد البلبلة وتشعل نار الأحقاد في ظل نداء الدولة السورية لمحاربة الإرهاب التكفيري والتطرف والمذهبية؛ وهو ما يتنافى مع الأهداف التي أُحدثت من أجلها هذه الهيئة؛ أجل لقد سئم المثقفون السوريون من طرح موضوع الهيئة مراراً في الصحافة، وكلّما تفاءلنا خيراً جاء ما هو أسوأ وأشد إحباطاً، وآن الأوان لوقفة صادقة مع النفس لهيكلة الهيئة إدارياً بما يحقق أهدافها، لكونها أهم معلم ثقافي سبق له أن حظي بتقدير كل المثقفين العرب، ومن الضرورة المحافظة عليه بصورته المتألقة؛ بعيداً عن الشللية والمحاصصات وبوس اللحى والشوارب»!
الناقد فاضل الكواكبي شجب بدوره ما قامت به الهيئة من طباعتها لإصدارات ذات طابع رجعي باسم التراث، فقال: «هذا تخبّط واضح لا يقيم اعتباراً للثقافة السورية لا تاريخياً ولا راهناً، وفساد مفضوح يدل على أنه لا توجد عقول تخطط لثقافة تنويرية حداثية حقيقية في هذه الظروف الصعبة من عمر الحرب التي شارفت أن تكمل عامها الدموي الخامس».
وأضاف الكواكبي غاضباً حين سؤالنا له عن رأيه بسلاسل التراث المشبوهة التي طبعتها الهيئة مؤخراً: «إصدارات الهيئة زادت رداءتها مؤخراً بسبب اختيارات خاطئة، واحتيالات لا علاقة لها إلا بالمنافع الشخصية وعدم وجود سياسة ثقافية تنويرية واضحة المعالم؛ إضافةً لاستبعاد المثقفين الوطنيين من الصف الأول والثاني من العمل الحكومي».
سامر محمد اسماعيل
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد