توتر تركي أميركي .. والسبب إيران
تلبّدت الغيوم من جديد في سماء العلاقات التركية الأميركية، التي لم تعرف يوما، منذ وصول حزب العدالة والتنمية الى السلطة، استقرارا جديا. والمسألة لا تتعلق فقط بطبيعة الحزب ودوره ومواقفه، بل بمجمل القضايا والتحديات التي تواجهها تركيا والتي تشهد وحدة موقف بين الأطراف التركية المختلفة ومنها المؤسسة العسكرية.
ثلاث قضايا أساسية يمكن اعتبارها عناوين ل<<التوتر>> الحالي بين أنقرة وواشنطن:
1 موقف حزب العدالة والتنمية من وصول حركة <<حماس>> إلى السلطة في فلسطين واستقباله وفدا منها برئاسة خالد مشعل. وبرغم مرور حوالى شهر على الزيارة، إلا أنها لا تزال <<حيّة>> في خلفيات المواقف والتصريحات الأميركية. وبعدما كان السفير الأميركي في تركيا روس ويلسون اعتبر، لدى حصول الزيارة، أن المهم الرسالة التي أبلغها الأتراك لوفد حماس، خرج ويلسون أمام الرأي العام التركي قبل أيام، وبعد عودته من واشنطن، ليقول إن زيارة حماس لم تُقابل بارتياح في العاصمة الأميركية.
وفي سياق <<توضيح>> مواقف حزب العدالة والتنمية قام وفد من قيادييه البارزين مثل شعبان ديشلي وجنيد زابسو بزيارة واشنطن والتقوا مع قادة المحافظين الجدد في معهد <<أميركان انتربرايز>> الشهير. وهناك وجد وفد العدالة والتنمية أمام نوع من المحاكمة والكلام القاسي. وخرجت بعض الأقلام في واشنطن وأنقرة تقول إن الإدارة الأميركية <<قطعت الخيط>> لسلطة حزب العدالة والتنمية وأنها تبحث عن محاور جديد لها في تركيا. وإذ يمكن تعداد أسباب كثيرة للنظرة السلبية الجديدة من حزب العدالة والتنمية، فإن صحيفة راديكال تعيد ذلك الى الغضب الإسرائيلي من استقبال أنقرة لحماس. ويقول مراد يتكين، الكاتب في الصحيفة، إنه كلما اتخذت تركيا موقفا يُغضب إسرائيل يرتفع الصوت من واشنطن. هكذا حصل مع بولنت أجاويد عندما وصف ممارسات شارون ب<<الإبادة>>، ومع رجب طيب أردوغان عندما وصف هذه الممارسات ب<<إرهاب الدولة>> واليوم يتكرر ذلك مع استقبال عبد الله غول لخالد مشعل. وهو ما يؤكد، يقول يتكين، أن تصحيح العلاقات مع واشنطن يمر بإسرائيل.
وفي الإطار نفسه، يقول فهمي قورو، المعلق البارز والمقرّب من أردوغان وغول، إن الولايات المتحدة بحديثها عن <<قطع الخيط>> للعدالة والتنمية لا تعمل سوى على توحيد الشعب التركي، المنزعج من أميركا، وتحويل تركيا الى فنزويلا أخرى على طريقة هوغو تشافيز.
2 المسألة الثانية هي الافتراق في الموقف بين أنقرة وواشنطن حول وجود مقاتلي حزب العمال الكردستاني في شمالي العراق. وهنا يتسع الانزعاج التركي ليكون شاملاً من مناورات واشنطن التي لا تزال ترفض التعرض لهذا الحزب وفق ما تريد تركيا. وفي هذا السياق سُجلت سجالات علنية وعلى مستوى عال بين مسؤولين أميركيين وأتراك.
وأول من أمس الثلاثاء، تلاسن سفير تركيا الأسبق في واشنطن والنائب الحالي عن حزب الشعب الجمهوري المعارض شكري إيليكداغ مع روبرت وكسلر عضو مجلس الشيوخ اليهودي الأصل. وقد اتهم ايليكداغ واشنطن بالإخلال بوعودها في ضرب حزب العمال الكردستاني والتسبّب في تصاعد الاضطرابات في ديار بكر وغيرها من مدن جنوب شرق تركيا. ولعل ما أزعج أكثر المسؤولين الأتراك تصريحات لويلسون يصف فيها الحوادث في المناطق الكردية بأنها <<نزاع اجتماعي>> واضعا القوى الأمنية التركية في كفة و<<شعب المنطقة>> (الأكراد) في كفة أخرى، داعيا <<الأطراف>> الى التعقل والاعتدال. وهي كلها مصطلحات أثارت استياء العسكر قبل الحكومة. ويقول سميح إيديز في صحيفة <<ميللييت>> إنه ليس صعباً التكهن بمدى عمق الشكوك في تركيا التي أحدثتها هذه التصريحات لويلسون. خصوصا أن هناك شبه إجماع في تركيا على أن أميركا تلتقي قياديين في حزب العمال الكردستاني وتدعم الاضطرابات في الجنوب الشرقي.
3 أما المسألة الثالثة التي تثير توتراً بين واشنطن وأنقرة فهي موقف الحكومة التركية من مطلب الإدارة الأميركية انضمام تركيا الى جهود محاصرة وربما ضرب إيران عسكرياً. وهنا لا تزال ترفض حكومة أردوغان المشاركة في ذلك أو حتى استخدام أراضيها ولا سيما قاعدة اينجيرليك منطلقاً لشن هجوم عسكري على إيران. ويلفت هنا أن معظم السيناريوهات العسكرية التي تنشر في الصحافة الأميركية تلحظ أهمية مركزية في مثل هذه الضربات لقاعدة اينجيرليك. ومع أن بعض المحللين العسكريين في تركيا يرون مبالغة في الدور المركزي لإينجيرليك ولتركيا بالنسبة لعدوان عسكري على إيران، ويستشهدون باحتلال العراق الذي تمّ من دون مشاركة تركيا، إلا أن الضغط الأميركي يهدف الى رؤية تركيا الى جانب أميركا ولو سياسياً في الصراع مع إيران. أي أن الإدارة الأميركية تريد أن تسلك تركيا سياسة خارجية <<واضحة>> كجزء من المعسكر الغربي، بشقيه الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي.
محمد نور الدين
السفير
إضافة تعليق جديد