تقاطع المصالح الأوروبية الأمريكية لايصب في مصلحة الفلسطينيين
أظهرت التطورات الأخيرة في فلسطين تبدلاً ملحوظاً في سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه الصراع العربي الإسرائيلي، ظهر جلياً من خلال غياب المواقف الأوروبية الرسمية القوية الشاجبة للعمليات العسكرية الأخيرة على قطاع غزة.
فباستثناء الموقف الصادر عن وزارة الخارجية السويسرية، الدولة غير المنضوية في الاتحاد الأوروبي، والذي شجب الممارسات الاسرائيلية معتبراً انها تتناقض مع قواعد التناسب وتشكل أحد أشكال العقاب الجماعي المحظور في القانون الدولي والانساني، لم يتعدّ موقف الحكومات الأوروبية، التي طالما ووجهت باتهاماتٍ بانحيازها للجانب الفلسطيني، سقف مطالبة الفريقين، بضبط النفس واللجوء إلى الوسائل الديبلوماسية لحل النزاع، من دون ان تغيب طبعاً عن بيانات تلك الحكومات دعوة الفلسطينيين إلى إطلاق سراح الجندي الاسرائيلي الاسير، في ظل صمت فاضح حيال قيام القوات الاسرائيلية بقصف البنى التحتية في القطاع، واعتقال 64 قياديا من حماس بينهم 8 وزراء و26 من نوابها.
ويشير بعض المحللين إلى أن هذا التبدل في السياسة الأوروبية قد يكون مردّه بالدرجة الأولى إلى الموقف الأوروبي الحذر من حركة حماس بعد ان شكل انتخابها مؤخراً صدمة قوية، أوقعت الأوروبيين في مأزق، بحيث بات من الصعب عليهم التأقلم مع الواقع الجديد الذي يفرض على حكوماتهم التعامل مع حكومة فلسطينية منتخبة شرعياً تقودها حركة راديكالية إسلامية يضعها الغرب في خانة التنظيمات الإرهابية.
وفي هذا الإطار لم يتأخر الموقف الأوروبي إزاء الواقع الجديد، عن الظهور. فبعيد تشكيل الحكومة الفلسطينية الجديدة اصدر الاتحاد الأوروبي بياناً مقتضباً وجّه فيه انتقادات حادة لحماس بسبب عدم اعترافها بإسرائيل. هذا الموقف من حماس ترجم مباشرةً بسحب المساعدات الأوروبية للفلسطينيين، والتي تقدر بحوالي 600 مليون دولار، في خطوة أدت عملياً إلى تأمين غطاء أوروبي للموقف الإسرائيلي المتصلب حيال حركة حماس. هذا الغطاء الأوروبي تأكد لاحقاً بعد قيام إسرائيل بضرب عدد من الجسور ومحطة توليد الكهرباء الرئيسية في غزة، إذ غالباً ما كان الاتحاد الأوروبي يسارع إلى مطالبة إسرائيل بالتعويض عن الخسائر في البنى التحتية الفلسطينية الممولة من قبل الاتحاد. إلا ان شيئاً من هذا القبيل لم يحدث هذه المرة.
وفي هذا الإطار يؤكد مارك ليوناردو محلل الشؤون الخارجية في مركز لندن للإصلاح الأوروبي ان انتخاب حماس غيّر بشكل كبير قواعد اللعبة بحيث أدى إلى إنهاء التعاطف الأوروبي مع الفلسطينيين. هذا الرأي يتشابه إلى حد كبير مع ما يشير إليه يوسي الفير، احد مستشاري رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق ايهود باراك، من ان التبدل في الموقف الاوروبي يعود بشكل أساسي إلى ان تولي الراديكاليين الإسلاميين قيادة الحكومة الفلسطينية أعاد الواقعية إلى الأوروبيين في أسلوب تعاطيهم مع الوضع الجديد. إلا ان الفير يحذر في الوقت ذاته من ان هذا التبدل قد لا يدوم في حال وقوع كارثة إنسانية في غزة.
وفي حين يركز المحللون على الجانب المتعلق بموقف الاتحاد الأوروبي من حماس لتفسير أسباب التبدل في السياسة الأوروبية حيال الصراع في الشرق الأوسط، يشير عدد من المحللين إلى ان السياسة الأوروبية الجديدة تأتي في سياق رغبة حكومات أوروبا، مدعومة من رؤوس الأموال الأوروبية، برأب الصدع في العلاقات مع الولايات المتحدة، بعد فتور شهدته هذه العلاقات بسبب معارضة الأوروبيين للحرب على العراق العام ,2003 وذلك عبر تقريب المواقف بين أوروبا وواشنطن في ما يخص الصراع العربي الإسرائيلي. وهذا ما يشير إليه مروان بشارة الكاتب في شؤون العلاقات الدولية، الذي يؤكد ان هذه الرغبة تفسر إلى حد كبير الموقف الجديد للحكومات الأوروبية.
هذا الأمر يؤكده المحلل في ""المؤسسة الفرنسية للعلاقات الدولية""، دومينيك مويزي إذ يشير إلى ان أوروبا تحاول إصلاح العلاقات مع الولايات المتحدة، بحيث لا تريد الدخول في أزمات جديدة مع واشنطن، فالأوروبيون يتفقون مع الموقف الأميركي في مواجهة طموحات إيران النووية، ويضيف مويزي لا نريد ان نعرّض هذا الاتفاق للخطر عبر الاختلاف على الموقف من الفلسطينيين.
ولم يقتصر الموقف المتهاون مع الاعتداءات الاسرائيلية على الاتحاد الأوروبي، إذ تشابه المواقف الروسية التي طالما كانت اقرب إلى العرب في صراعهم مع إسرائيل، حيث تقوم السياسة الروسية الحالية في المنطقة على مجرّد اداء دور الوسيط بين العالم الإسلامي والغرب كما يشير الخبير الروسي في شؤون الشرق الأوسط اليكسي مالاشنكو.
ولا تشذ مواقف الصين والدول غير الإسلامية المنضوية في حركة عدم الانحياز، التي تميزت تاريخياً بدعمها الجانب العربي، عن الموقف الأوروبي في هذا الإطار.
فهل ان ما يجري يصب في إطار توازن جديد على مستوى العلاقات الدولية قد يدفع فيه الفلسطينيون ثمناً باهظاً لتقاطع المصالح بين تلك القوى والولايات المتحدة؟
المصدر: ا ب
إضافة تعليق جديد