تركيا وحربها على الأكراد و«داعش»: النار الإقليمية تتأجج.. وتطالها
لم يكن القرار التركي القاضي بالانقلاب على تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام»-»داعش»، بعد سنوات من سياسة «غضّ الطرف» التي كانت تتبعها أنقره تجاهه، مفاجئاً من حيث المبدأ.
غير أن الملابسات التي أحاطت باتخاذ القرار، من حيث الأسلوب والتوقيت، كانت غير متوقعة بهذا الشكل. وبرغم أن الشريط الحدودي بين سوريا وتركيا سيكون الميدان الرئيسي الذي سيشهد أهم تداعيات هذا الانقلاب التركي، إلا أن هذه التداعيات قد تمتد أبعد من ذلك، لا سيما أن آليات تنفيذ القرار، التي من شأنها التأثير على مدى امتداد تداعياته، ما تزال غير واضحة، فهل ستكتفي أنقرة بالقصف الجوي أم ستلجأ إلى التدخل البري؟
ويبدو أن «داعش» استشعر مسبقاً إمكانية حدوث مثل هذا الانقلاب التركي ضده. وما يدل على ذلك أنه أصدر منذ حوالي ثلاثة أسابيع العدد الأول من مجلة ناطقة باللغة التركية أطلق عليها اسم «قسطنطينية»، استهلها بمقالة وصفت الحكومة التركية بأنها «حكومة طاغوتية». ومثل هذا التوصيف كان متداولاً من قبل في أوساط التنظيم، وهو ليس جديداً، غير أن إخراجه من الكواليس ونشره علنا هو الجديد الذي ينبغي التوقف عنده.
ومع الأخذ بالاعتبار أن إصدار مجلة يحتاج على الأقل إلى أسابيع من العمل والتحضيرات، يمكن القول إن قيادة «الدولة الإسلامية» كانت تتوقع الخطوة التركية منذ أشهر خلت. وفي هذا السياق أكّد، لـ «السفير»، مصدر مقرب من «داعش» في مدينة منبج، أن «إصدار المجلة كان الهدف منه إعلاميا، وهو توجيه رسالة إلى تركيا مفادها أن الدولة الإسلامية مستعد لكل الاحتمالات، وانه يراقب الوضع ويعرف ما يحدث». ومع ذلك لم ينف المصدر أن يكون القرار التركي «قد أحدث حالة من الصدمة داخل قيادة الدولة الإسلامية».
وتشير المعطيات المتوافرة إلى أن توقعات «داعش» كانت تتجه نحو احتمال أن تشدد الحكومة التركية إجراءاتها على الحدود، فتعرقل دخول «الجهاديين» القادمين من شتى بقاع العالم، أو تقوم بمكافحة عمليات التهريب التي كانت تتم طوال الأعوام السابقة تحت أنظارها على طول الشريط الحدودي، والتي كانت تدر على التنظيم ملايين الدولارات التي تدخل في تمويل عملياته العسكرية داخل سوريا والعراق. أما أن تقرر أنقرة إعلان الحرب على التنظيم تحت عنوان «محاربة الإرهاب» والتهديد بطرده من بقية المدن الحدودية التي ما يزال يسيطر عليها وعلى رأسها جرابلس ومنبج، فقد كان خارج توقعاته.
فمن جهة ما زال البعض ضمن أوساط «داعش» يراهن على أن يكون شمول «حزب العمال الكردستاني» واليسار التركي بالحرب على الإرهاب التي أعلنتها أنقرة، مؤشراً على أن الانقلاب التركي ليس مكتملاً، وأن الانعطافة التي ينطوي عليها القرار لا تستهدف «الدولة الإسلامية»، وقد تكون مجرد تغطية لرغبة أنقرة بالتخلص من خصومها في الداخل، لذلك يدعو هذا الفريق إلى ضبط النفس وعدم اتخاذ خطوات تصعيدية في مواجهة القصف التركي المحدود ريثما تتضح الأمور.
إلا إن البعض الآخر، من جهة ثانية، وهو يشكل الغالبية، يرفض هذا المنطق ويدفع باتجاه التصعيد لمواجهة المخطط التركي الخطير على مستقبل «الدولة» في الشمال السوري، منطلقاً من قاعدة أن أنقرة لن تشعر بالردع حتى يصيبها بعض الضرر الذي أصاب غيرها. ويرى هذا الفريق أن تنظيم «داعش» ليس لديه ما يخسره، وصواريخ «أردوغان الإخواني السروري» لن تشكل فارقاً بين صواريخ 60 دولة تنهمر على «الدولة» من كل صوب منذ حوالي عشرة أشهر. لذلك يدفع هؤلاء باتجاه استهداف تركيا في نقطة الضعف التي يمكن أن تصيبها بمقتل، وهي الاقتصاد المبني في جزء كبير منه على السياحة، مشيرين إلى أن هذا الاقتصاد لن يصمد أمام أول عملية «استشهادية» تضرب أحد معالمه السياحية البارزة، وذلك كما حصل في تونس في حزيران الماضي، حيث أدّى استهداف السياح الأجانب في أحد المنتجعات إلى توقف شبه كامل للسياحة في هذا البلد.
وفي ظل غياب أي معلومات تفصيلية، ما زال الغموض سيد الموقف حول الآليات التي ستلجأ إليها الحكومة التركية لتنفيذ قرارها بإقامة «منطقة عازلة» تمتد على الشريط الحدودي من مدينة جرابلس حتى مدينة إعزاز، وبعرض حوالي 40 كيلومتراً. فهل ستقتصر العمليات التركية على الغارات الجوية أم سيتم إقحام القوات البرية؟ ففي الحالة الأولى، أي الاقتصار على القصف الجوي، يبدو أن تنظيم «الدولة الإسلامية» سيحافظ على وجوده في المدن التي يسيطر عليها في الشريط الحدودي، مع اقتصار عمله على اتخاذ الاحتياطات والتحصينات التي من شأنها تقليل خسائره بسبب الغارات.
وتشير التجربة إلى أن طائرات التحالف الدولي، على سبيل المثال، لم تنجح في إخراج «داعش» من أي مدينة أو منطقة يسيطر عليها ما لم تساعدها قوات برية على الأرض. أما في الحالة الثانية، فإن الأمر مختلف، لأن نزول قوات الجيش التركي على الأرض يعني أن مواجهة برية ستحدث بين الطرفين وسيسقط جراءها قتلى من الطرفين. وبغض النظر عن إمكانية تحمّل أنقرة لمثل هذه الثمن الدموي، فإن الهدف سيكون طرد مقاتلي «داعش» من المدن التي يتواجد فيها، وأهمها جرابلس ومنبج والباب. ومثل هذا السيناريو سيشرع الأبواب أمام احتمالات في غاية الخطورة. فمن جهة سيكون الجنود الأتراك في حال وصولهم إلى مدينة الباب، على مسافة قريبة من الجيش السوري في محيط مدينة حلب، حيث لا تبعد مدينة الباب عن حلب سوى 35 كيلومتراً. ومن جهة ثانية ثمة احتمال بأن يضطر مسلحو «داعش» تحت ضغط الهجوم البري التركي للانسحاب من المدن السابقة، والاتجاه نحو مدن أكثر أماناً بالنسبة لهم. وبما أن عدد هؤلاء المسلحين يبلغ الآلاف، فإن انتقالهم إلى أي منطقة قد يشكل تهديداً حقيقياً لها نظراً للكتلة القتالية التي يشكلونها.
إلا أن مسارعة «جيش الإسلام» إلى الترحيب بالقرار التركي، وإعلانه «تضامنه ومساندته الكاملة للحكومة التركية، في وجه «الفصيلين الإرهابيين، داعش والبي كي كي (الكردستاني)»، وفق بيان نشره المتحدث باسمه إسلام علوش، على حسابه على «تويتر» أمس، طرحت العديد من التساؤلات حول موقف «جيش الإسلام» وعما إذا كان له دور ما ضمن المخطط التركي، وسط توقعات بأن يكون ثمة اتفاق قد تبلور بين تركيا وعلوش إبان زيارة الأخير إلى أنقرة، حول هذا المخطط وقبول علوش أن يكون الحليف الأرضي للطائرات التركية، وهو ما من شأنه أن يقي تركيا من دفع ضريبة الدم، لكنه يضع العلاقة بين علوش و «داعش» على فوهة بركان متفجر.
«الكردستاني»
وتبنى «حزب العمال الكردستاني»، أمس، هجوما بسيارة مفخخة أدى إلى مقتل جنديين تركيين، وإصابة أربعة، في محافظة ديار بكر، أمس الأول، وذلك رداً على سلسلة غارات جوية تركية على مواقع الحزب في شمال العراق. وأعلن الحزب، في بيان، «لم يعد للهدنة أي معنى بعد هذه الضربات الجوية المكثفة للجيش التركي المحتل».
ودافع البيت الأبيض عن حق تركيا في ضرب «الكردستاني». وقال نائب مستشار الأمن القومي بن رودس ان الولايات المتحدة تعتبر الحزب «منظمة إرهابية»، ورأى أن تركيا «من حقها القيام بأعمال ضد أهداف إرهابية». كما رحب رودس بالهجمات التركية على «داعش». وقال «رأينا بالتأكيد تحركاً تركياً أكثر حسماً في سوريا والعراق في الأيام الأخيرة».
وطالبت رئاسة برلمان إقليم كردستان العراق «الحكومة التركية باتخاذ الخطوات نحو عملية السلام وتسخير كل الجهود للاستمرار فيها وعدم العودة للوراء». ودعت «حزب العمال الكردستاني إلى مراجعة نفسه، والتأكيد على الاستمرار في عملية السلام، لان السلام والتعايش من أفضل الحلول للوصول إلى مستقبل مزدهر».
ويجتمع سفراء دول حلف شمال الأطلسي، في بروكسل غدا، بناء على طلب تركيا للتشاور حول زيادة التوتر بين أنقرة والأكراد و «داعش».
عبد الله سليمان علي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد