تركيا: الحزب الحاكم في سباق مع الوقت
لم تحرف زيارة نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني إلى أنقرة أنظار الأتراك عن الموضوع الرئيسي الذي يشغل بالهم منذ أسبوعين، وهو دعوى حظر حزب العدالة والتنمية واستمرار الاعتقالات المتصلة بمنظمة «ارغينيكون» التي كانت وراء اغتيال العديد من الشخصيات، وتعتبر دولة داخل الدولة حيث كان في عضويتها عسكريون وقضاة وأساتذة جامعات وصحافيون كبار ورؤساء بعض الأحزاب.
وربط الكثير من المراقبين بين القضيتين، واعتبار طلب إغلاق الحزب الحاكم ردّا على وضع الحكومة يدها على هذه المنظمة السرية. كما ربطوا الاعتقالات الأخيرة بدعوى إغلاق «العدالة والتنمية».
وذهب احد كبار الكتاب البروفسور محمد ألتان إلى القول إن أمام حزب العدالة والتنمية فرصة تاريخية للتخلص نهائيا من ذهنية جمعية الاتحاد والترقي العنفية والإجرامية، التي حكمت تركيا بين عامي 1909 و1918 حين انتهت مع سقوط الإمبراطورية العثمانية.
ويجد الحزب الحاكم نفسه في سباق مع الوقت. وبعدما كان يراهن على تعاون مع حزب الحركة القومية في البرلمان لتعديل الدستور بغالبية الثلثين لمنع إغلاق الأحزاب بسهولة وإنقاذ حزب العدالة والتنمية من الحظر، جاء ردّ الحركة القومية على لسان رئيسها دولت باهتشلي بأنه يوافق على جعل إغلاق حزب العدالة والتنمية صعبا لكنه مع رفع الحصانة النيابية عن الأفراد لمحاكمتهم، وهذا يعني أن الشخصيات الـ71 من قيادات الحزب الحاكم ستواجه خطر حظر نشاطها، وهو الاقتراح الذي رفضه حزب رئيس الحكومة رجب طيب اردوغان.
ويتوقع رئيس كتلة «العدالة والتنمية» البرلمانية نهاد أرغون أن يتقدم حزبه باقتراحات تعديلات دستورية إلى البرلمان نهاية الأسبوع الحالي. ويوضح أن في البرلمان أربعة أحزاب، احدها «المجتمع الديموقراطي» الكردي بدأت عملية محاكمته، والثاني حزب العدالة والتنمية على وشك فتح باب محاكمته، والثالث حزب الحركة القومية على أبواب دخول مرحلة الاعتقال، ليبقى فقط حزب واحد هو «الشعب الجمهوري».
وتقول أوساط حزب العدالة والتنمية إن رزمة التعديلات الدستورية تتضمن اشتراط موافقة البرلمان المسبقة على أي طلب من المدعي العام لمحاكمة حزب وحظره، كما أن كل دعاوى الحظر الموجودة في المحكمة الدستورية تسقط إذا لم تكن قد صدرت أحكام نهائية بحقها لدى إقرار التعديل الدستوري. وبهذه الطريقة تسقط دعوى حظر حزبي «المجتمع الديموقراطي» و«العدالة والتنمية».
أما إذا لم تمر التعديلات الدستورية في البرلمان، فإن الحزب الحاكم سيمضي في المواجهة إلى النهاية، عبر إحالة التعديلات على استفتاء شعبي قد يدخل البلاد في مناخ من التوتر، إذ ترفض الأوساط العلمانية بشدة ذلك، باعتبار انه سيكون استفتاء ضمنيا على العلمانية فيما لا يمكن عرض العلمانية على استفتاء. أما حزب الحركة القومية فينظر إلى هذا الاستفتاء على انه «مقامرة» سياسية.
ودخلت جمعية الصناعيين ورجال الأعمال، ذات التأثير، على خط الأزمة داعية إلى عدم تعميق الاستقطاب الداخلي والى المضي في تعديلات دستورية جذرية ترسخ الديموقراطية ولا تغلق الأحزاب.
وتولي أوساط «العدالة والتنمية» أهمية لاعترافات المعتقلين في قضية منظمة «ارغينيكون». وذكرت صحيفة «ستار» إن ايلهان سلجوق، مالك صحيفة «جمهورييت»، قال في مكالمة هاتفية «سنفتح دعوى لإغلاق حزب العدالة والتنمية، وبعدها ستحدث أزمة اقتصادية. يجب التخلص من حزب العدالة والتنمية». وأضافت أن فكرة فتح دعوى الحظر جاءت من سلجوق نفسه. وتذكر صحيفة «طرف» إن ملف المدعي العام بشأن الحظر كان بين أيدي، وفي كومبيوترات، تسعة من أعضاء المنظمة، ومنهم بالطبع سلجوق، قبل يومين من الإعلان عن ذلك.
وذكرت صحيفة «وقت» الإسلامية أن «ارغينيكون» وبالتعاون مع ضباط في الجيش كانت تخطط لانقلاب في نهاية آذار الحالي. وكتبت صحيفة «صباح» أن التنصت على المكالمات الهاتفية لسلجوق منذ شهرين أكدت انه أدى دورا رئيسيا في إعداد ملف المدعي العام لحظر حزب العدالة والتنمية.
ويلمح المعلق فهمي قورو، وهو مقرب جدا من الرئيس عبد الله غول واردوغان، وأصبحت مقالاته موضع رصد لما تحمله من إشارات على مسارات التحقيق، إلى تورّط آخرين من جنرالات سابقين في الجيش، ومنهم ايتاتش يالمان، في منظمة «ارغينيكون»، والى إمكانية استدعاء الرئيس السابق احمد نجدت سيزير للتحقيق.
ويرى علي بيرم اوغلو، في «يني شفق»، أن الأزمة السياسية التي تواجهها تركيا اليوم هي الأسوأ منذ العام ,1997 وهي مرشحة لتطورات مثيرة. ويذكّر اوغلو بما كتبه الجنرال المتقاعد المشهور دوغو سلاحجي اوغلو في «جمهورييت» في شباط الماضي، من أن حظر حزب العدالة والتنمية لا يكفي، بل لا بد من تحرك شعبي!.
محمد نور الدين
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد