بابا الاسكندرية في ضيافة بابا الفاتيكان: زيارة تاريخية لتكريس التقارب
كانت حاضرة الفاتيكان، يوم أمس، على موعد من زائر استثنائي. بابا الاسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية تواضروس الثاني حلّ ضيفاً على بابا الكاثوليك فرانسيس، وجمعهما لقاء ارتدى طابعاً تاريخياً وبعداً رمزياً في آن واحد.
ويكمن الطابع التاريخي للقاء في كونه قد أتى في سياق زيارة هي الأولى لبابا الأقباط إلى الفاتيكان منذ 40 عاماً، ولا تبدو صدفة أن يختار البابا تواضروس أن يكون لقاؤه مع بابا الكاثوليك في ذات اليوم الذي شهد اللقاء الفاتيكاني الأخير بين الباباوين الراحلين شنودة الثالث وبولس السادس في العام 1973، علماً أن البابا الراحل يوحنا بولس الثاني سبق أن التقى البابا شنودة حين زار مصر في شباط العام 2000.
أما البعد الرمزي للقاء، فيكمن في ما عكسته الخطابات المتبادلة بين البابوين الجديدين ـ البابا تواضروس الذي خلف الماضي البابا الراحل شنودة الثالث في تشرين الثاني الماضي، والبابا فرانسيس الذي خلف البابا المستقيل بنديكتوس السادس عشر في آذار الماضي ـ من رغبة في تعزيز العلاقات بين الكنيستين المرقسية والكاثوليكية.
ويعكس اللقاء رغبة من راعي الكنيسة القبطية في الانفتاح على الكنائس الأخرى، وخصوصاً الكنيسة الكاثوليكية ذات التأثير المعنوي الأكبر في العالم، في ظل شعور الأقباط (6 ـ 10 في المئة من عدد سكان مصر) بالقلق من وصول تيار الإسلام السياسي الى الحكم، وهو ما تبدّى في اختياره الفاتيكان وجهة لأول زيارة يقوم بها إلى الخارج منذ انتخابه.
كذلك يعكس اللقاء رغبة مماثلة من جانب الكنيسة الكاثوليكية في الانفتاح على باقي الكنائس المسيحية، وهو ما تكرّس في آذار الماضي بحضور بطريرك القسطنطينية المسكوني برثلماوس، الأعلى رتبة فخرية بين البطاركة الأرثوذكس، حفل تنصيب البابا فرانسيس، موجداً بذلك سابقة منذ الانفصال الكبير بين كنيسة الشرق وكنيسة الغرب في العام 1054.
واستقبل البابا فرانسيس البابا تواضروس، صباح يوم امس، في المقر البابوي في كاتدرائية القديس بطرس في الفاتيكان، حيث عقدا لقاءً رسمياً، بحضور الوفد المرافق.
وقال مدير المكتب الإعلامي للكنيسة الكاثوليكية في مصر الأب رفيق جريش إن «اللقاء التاريخي كان مميزًا في كل أركانه حتى في التوقيت الذي استغرقته الجلسة بأكثر من 90 دقيقة، بينما لا تتجاوز لقاءات البابا مع الرؤساء والملوك أكثر من 20 أو 30 دقيقة على الأكثر»، مشيراً إلى ان «البابا تواضروس استعرض تاريخ الكنيسة الشرقية، وسط إنصات وجداني للبابا فرانسيس، أعقبه أداء صلاة مشتركة من أجل السلام باللغة اللاتينية والعربية والإنكليزية».
وتوجه بابا الفاتيكان خلال اللقاء إلى زائره بالقول إن «هذه الزيارة تقوّي روابط الصداقة والأخوة التي تربط كرسي بطرس بكرسي مرقس، الوريث لميراث نفيس من شهداء ولاهوتيين ورهبان وقديسين وتلاميذ أمناء للمسيح، شهدوا للإنجيل عبر الأجيال، وغالباً في أوضاع في غاية الصعوبة».
وأضاف البابا فرانسيس: «منذ أربعين عاماً شكل الإعلان المشترك لأسلافنا الحجر الأساس في المسيرة المسكونية، ومنه نشأت لجنة للحوار اللاهوتي بين كنيستينا وأعطت نتائج جيّدة وهيأت التربة لحوار أشمل بين الكنيسة الكاثوليكية وسائر الكنائس الأرثوذكسية الشرقيّة... واليوم نفرح بتأكيدنا على ما أعلنه أسلافنا الأجلاء، كما نفرح بمعرفة أننا متحدون بالمعمودية الواحدة، والتي تعبّر عنها بشكل خاص صلاتنا المشتركة التي تتوق إلى اليوم الذي سنتمكن فيه من المناولة من الكأس الواحدة محققين بذلك رغبة الرب».
وتابع «بإرشاد الروح القدس، وبصلاتنا المستمرة، والحوار والرغبة في بناء شركة المحبة المتبادلة يوماً بعد يوم، سنتمكن من تحقيق خطوات جديدة ومهمة في مسيرتنا نحو الوحدة الكاملة».
من جهته، شدد البابا تواضروس على العلاقات الوطيدة بين كنيسة روما وكنيسة الأقباط الأرثوذكس. كما أكد على خصوصية زيارته ودلالاتها الواضحة، مشيراً الى أنه قصد في أول زيارة له خارج الوطن تهنئه البابا فرانسيس على توليه خليفة على كرسي القديس بطرس، والتأكيد على المحبة التي تربط بين الكنيستين، والتي تتضح في علاقاتهما سواء على ارض مصر أو في ايطاليا.
من جهته، دعا تواضروس الثاني البابا فرانسيس الى زيارة مصر، قائلاً «آمل في ان يشرفنا قريباً قداسته بزيارة الى بلادي الحبيبة مصر».
وكان سبق اللقاء الرسمي بين البابا فرانسيس والبابا تواضروس لقاءٌ غير رسمي، أمس الأول، في فندق القديسة مارتا في الفاتيكان حيث يقيم بابا الأقباط والوفد المرافق.
وكان لافتاً أن البابا فرانسيس اختار الإقامة في هذا الفندق، الذي يضم 120 فندقاً وجناحاً، والمخصص عادة لاستضافة الكرادلة والأساقفة وكبار الزوار، بدل الانتقال إلى مقر إقامته الدائم في الطابق الثالث من القصر الرسولي.
وأشار الأب رفيق جريش إلى أن اللقاء بين الباباوين، الذي استمر حوالي 60 دقيقة، اتسم بالبعد عن المراسم الرسمية، ما يطابق الشخصية المتواضعة والمحبة لكل منهما.
(«السفير»)
إضافة تعليق جديد