المطالب الأمريكية والمراوغات الصينية
الجمل: في الفترة التي سبقت هجمات الحادي عشر من أيلول كان المحافظون الجدد يصنفون الصين باعتبارها تمثل التهديد المستقبلي الأكثر خطورة على المصالح الأمريكية في العالم، وشددوا على ضرورة أن تتبع أمريكا في علاقاتها مع الصين مبدأ (المنافسة الاستراتيجية) بدلاً من مبدأ (الشراكة الاستراتيجية)، وذلك بالتركيز على استدراج الصين باتجاه الوقوع في مستنقع الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، على النحو الذي يضر من جهة بقواتها العسكرية، الاقتصادية، السياسية، الاجتماعية، والتكنولوجية.. ومن الجهة الأخرى يقلل من نفوذها في المجالين الإقليمي والدولي.. وفي نهاية الأمر تتم عملية إعاقة الصين عن التحول إلى قوة عظمى.
أرشيف المفاوضات والمباحثات بين الإدارة الأمريكية والقيادة الصينية يتضمن الكثير من المطالب الأمريكية المثيرة للغرابة، فعلى سبيل المثال، قام دونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكي بزيارة للصين، أعرب فيها عن قلق الإدارة الامريكية إزاء تزايد نفقات الدفاع في الصين، وطالب القيادة الصينية بضرورة تخفيض ميزانية الدفاع.. كذلك طالبت الإدارة الأمريكية القيادة الصينية لـ(تعويم) سعر العملة الصينية (اليوان)، وذلك من أجل الحد من الصادرات الصينية المتزايدة لأمريكا والأسواق العالمية.. كذلك طالب الأمريكيون القيادة الصينية بعدم الارتباط باتفاقيات تمديد أنابيب النفط من روسيا وآسيا الوسطى إلى الصين، والاعتماد على شراء النفط عن طريق الشحن البحري، تحت مزاعم أن القيام بذلك سوف يجعل الاقتصاد الصيني أكثر انفتاحاً في معاملاته الخارجية.
أصبح الصينيون أكثر إدراكاً من جهة لعوامل قوة الصين الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية، ومن الجهة الأخرى لأبعاد الأداء السلوكي الأمريكي الهادف إلى إضعاف الصين، وإزاء هذا الأمر قامت القيادة الصينية بالتعامل مع النزعات الأمريكية بمرونة واحتواء، بحيث قامت من جهة بمسايرة (المنافسة الاستراتيجية) مع أمريكا، وفي الوقت نفسه قامت ببناء (شراكة استراتيجية) مع روسيا، كان أبرز ملامحها:
- تكوين منظمة شنغهاي للتعاون، والتي تضم في عضويتها الصين وروسيا، وبعض دول آسيا الأخرى.
- العمل والتعاون مع روسيا من أجل تمديد خط أنابيب نقل النفط من روسيا إلى الصين عبر كازاخستان.
- إجراء مناورات عسكرية صينية- روسية مشتركة، تضم كافة أصناف الأسلحة الاستراتيجية والتكتيكية، اعتبرت المناورات العسكرية الأضخم من نوعها في العالم.
كذلك استطاعت الصين في المرحلة الماضية حماية كوريا الشمالية، وتوفير مظلة الحماية الاستراتيجية غير المباشرة لها، عن طريق عرقلة الإجراءات الدولية التي تتبناها الإدارة الأمريكية ضد كوريا الشمالية، وذلك على النحو الذي استطاعت فيه كوريا الشمالية القيام بتجربتها التفجيرية النووية الأولى، مستفيدة من سياسة (كسب الوقت) التي وفرها الغطاء الصيني الدولي لها، حتى أتمت مؤخراً انضمامها إلى مجموعة دول (النادي النووي العالمي).
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد