المخرج السوري محمد عبد العزيز: أنا كائن غير وفي للماضي
لعل «دمشق مع حبي»، الفيلم الروائي الطويل الثاني للمخرج السوري محمد عبد العزيز، الحائز فيلمه الأول «نصف ملغ نيكوتين» (2009) ثلاث جوائز في مهرجان «باري» في إيطاليا، سيغيّر معادلة العرض السائدة للأفلام السورية، التي اعتدنا كمشاهدين انتظارها طويلاً، إلى أن تملّ منها المهرجانات وتفتر علاقتنا بها. فحين يجري عرضها في الصالات، نلاقيها بغير الاحتفاء الذي تستحق، على الرغم من اختلاف سوياتها الفنية والفكرية. ففي أسبوع واحد تقريباً، عُرض «دمشق مع حبي» في ثلاث صالات، وافتتح به وزير الثقافة رياض عصمت صالة «كندي» جديدة في منطقة دمر بدمشق، تتبع لصالات «المؤسّسة العامة للسينما». ثم جرى عرضه الجماهيري في سينما «سيتي»، وافتتحت به تظاهرة «أيام رفيق أتاسي السينمائية» في صالة «كندي» في حمص.
يعتمد الفيلم المشهدية البصرية الغنية بالدلالات، وبعض الملامح الكوميدية في مقاطع منه، عبر تقنية الاسترجاع، ليقدّم قصة بحث فتاة يهودية عن حبيبها المسيحي، الذي كان قد أوهمها والداها بأنه مات خلال تأديته خدمة الجيش أثناء الاجتياح الإسرائيلي للبنان في العام 1982. وعندما يكشف لها السرّ وهما في ردهة المطار للالتحاق ببقية أفراد العائلة التي هاجرت إلى إيطاليا، تلغي سفرها وتبدأ ليس رحلة بحثها عن حبيبها فقط، الذي تجده على كرسي متحرّك في خاتمة الفيلم، بل رحلة عرض الفيلم لمكوّنات المجتمع السوري من إثنيات قومية ودينية، تتعامل مع بعضها البعض من دون أية حساسية، بل بودّ وتعاون، ومن دون أية خطابية، ليقدّم صورة عن المجتمع السوري وغناها.
هنا لقاء مع محمد عبد العزيز حول فيلمه هذا:
يلاحظ المشاهد العارف أنك حرصت على أن يكون فريق التمثيل للفيلم من اثنيات قومية ودينية تعيش في سوريا. هل كان ذلك لتكتمل رسالة الفيلم؟
ـ الفيلم لا يحمل رسائل. أنا لا أميل إلى مقولة الفن رسالة. هناك فيلم يحرّض على مراجعة المتلقي لمخزونه المعرفي، ودفعه إلى إعادة صوغ ما يراه على الشاشة ذهنياً وحسياً، وفق منظوره. لذا الجواب: لا.
في ضوء عدم اعتقادك بالمقولة السائدة «الفن رسالة»، كيف استطعت إقناع الممثلين بقبول المشاركة في مشهد أو مشهدين؟
ـ اسمح لي بأن أؤكّد ثانية أني لا أؤمن بتلك المقولة السائدة، وفي ضوئها أرى أن الفيلم ليس كرسوناً ليخدم المجتمع. بل هناك رؤية صغتها عبر الفيلم، والممثلون جميعهم الذين أدّوا الأدوار تبنّوا أو تقاطعت رؤاهم عبر تلك الرؤية، فتمّ التعاون.
قدّمت مشهدية بصرية غنية بالدلالات تختصر «ديالوغات ومنولوغات وأفعال» بعض الشخصيات. هل ترى أن السينما السورية تفتقر إلى ذلك، باستثناء «صندوق الدنيا» لأسامة محمد؟
ـ للأسف، نعم.
ماذا لو أنك دفعت الحبيبة اليهودية (مرح جبر) إلى الكفّ عن البحث عن حبيبها المسيحي (بيار داغر) بناءً على طلب منه، لرغبته في ألاّ تلتقيه عاجزاً صحياً، واكتفيت باكتمال علاقة الحب الأخرى الموازية في الفيلم، للدلالة عن دفاع الحبيبة عن حبها، ولم يكن ذلك، كما أزعم، سينقص من قيمة القصة، على الرغم من أنك لم تقدم الخطوة التالية للقاء؟
ـ هذه فرضية. نستطيع وضع أكثر من فرضية الآن، لكن ستتغيّر المسارات كلّها.
لاحظنا تفاعل المشاهدين مع فيلمك. كيف يمكن إنجاز فيلم يحظى بمتابعة جماهيرية من دون الوقوع في مطبّ الابتذال؟
ـ أعتقد أن ذائقة الجمهور في وقتنا الحالي مختلفة عن الفترات الماضية. أصبح أكثر معرفة بسوية الفيلم الجيّد، وذلك لأسباب عدّة، منها قنوات بث الأفلام وسوق الأقراص الممغنطة ووسائل الاتصال الحديثة. وكما رأيت، الاحتفاء الجماهيري بالفيلم كان غير مسبوق. هذا مؤشر على ما ذكرته.
قد يرى بعض المشاهدين أن ذكر انتماءات بعض الأفراد كان مباشراً (أم آكوب الأرمنية، أبو شركس الذي سمعنا باسمه فقط ولم نشاهده). بمعنى آخر، لم يندغم انتماء الأفراد في نسيج الحبكة؟
ـ لا أبداً. في المجتمعات الشرقية عموماً تلاحظ هذا الأمر. إنه واقعي وطبيعي.
لماذا تصرّ على إنجاز أفلامك بنفسك كتابة وإخراجاً، في ضوء معرفتك أن مشاهدي السينما ونقادها ما انفكوا ينتقدون هذا الاتجاه في سوريا؟
ـ لا مانع لدي من الاستعانة بنصوص من كتاب آخرين. لكن أغلبهم منشغل بالكتابة للتلفزيون.
هل توقّعت أن يعرض فيلمك هذا في أسبوع واحد تقريباً في ثلاث دور عرض؟ وهل يعني هذا أن هناك تعاملاً جديداً بدأ مع الفيلم السوري؟
ـ أجد أنه من الطبيعي أن يعرض الفيلم في صالات عدّة في الوقت نفسه. لكني أتّفق معك على أن هناك احتفاء رسمياً بهذا الفيلم، بكونه من أوائل الأفلام التي ينتجها القطاع الخاص منذ أكثر من ثلاثة عقود. الجميع لديه نية طيبة بإعادة دفع عجلة السينما السورية إلى الأمام.
ما الذي استفدته من تجربة فيلمك الأول «نصف ملغ نيكوتين»، ومِمَّا كُتب عنه؟
ـ عموماً، بمجرّد الانتهاء من العروض الأولى للفيلم، أنفصل عنه وألغيه تماماً من ذهني. أنا كائن غير وفي للماضي. أتطلّع إلى ما سأنجزه في ما بعد، إلى الصيغة التي سأعمل بها لاحقاً. هكذا أشعر بأن السطوة للخيار المقبل أكثر. أمّا بخصوص ما يُكتب من نقد بكل أشكاله، فأحاول قدر الإمكان ألاّ أنجرف خلف أي رأي، سواء أكان يعتبر الفيلم تحفة فنية أم نفاية.
هل وجدت أن مقتل متابعة أي فيلم سوري يكمن في مشاركته المهرجانية وتأخّر عرضه الجماهيري، فذهبت بـ«دمشق مع حبي» إلى العرض الجماهيري بعد مشاركة مهرجانية واحدة، أم هناك دوافع أخرى؟
ـ الحالتان مطلوبتان لأي فيلم. لكن، منذ أمد بعيد، أسقط السينمائيون السوريون الجمهور من حساباتهم. لا بدّ للمعادلة من أن تتوازن.
في حدود علمي، لم يُعرض فيلمك الأول جماهيرياً كما ينبغي، على الرغم من نيله ثلاث جوائز. ما السبب؟
ـ لم تعد تربطني به أي علاقة. لقد خرج من ذاكرتي كأني لم أصنعه يوماً.
(دمشق)
نضال بشارة
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد