القمة الأفريقية-الأوروبية ومستقبل العلاقات بين دول القارتين
الجمل: انطلقت بالأمس في العاصمة الليبية طرابلس قمة أفريقيا-الاتحاد الأوروبي والتي سوف تستمر يومين (29-30 تشرين الثاني–نوفمبر 2010) الحالي، وتشير التقارير والتحليلات إلى أن هذه القمة تنطوي على أهمية خاصة بالغة الخطورة لجهة مستقبل العلاقات الأفريقية-الأوروبية وطبيعة الصراع الدولي حول موارد القارة الأفريقية: فما هي مصداقية قمة أفريقيا-الاتحاد الأوروبي؟ وما هي تداعيات نتائجها على مستقبل الصراع الدولي حول القارة الأفريقية؟
* جدول أعمال قمة أفريقيا-الاتحاد الأوروبي: توصيف المعلومات الجارية
تقول التقارير والمعلومات بأن قمة أفريقيا-الاتحاد الأوروبي المنعقدة حالياً سوف تنفذ جدول أعمال يتطرق إلى البنود الآتية:
• ملف السلام والأمن.
• ملف الحكم الديمقراطي وحقوق الإنسان.
• ملف التجارة والتكامل الإقليمي والبنيات التحتية.
• ملف أهداف التنمية في الألفية الثالثة.
• ملف الطاقة.
• ملف التغير المناخي.
• ملف الهجرة والحراك السكاني والتوظيف.
• ملف العلم ومجتمع المعلومات والفضاء.
حتى الآن، لا توجد أي مؤشرات حقيقية تفيد لجهة أن قمة أفريقيا-الاتحاد الأوروبي سوف تتوصل إلى التوافق المطلوب الذي يمكن استخدامه لاحقاً لجهة تأسيس الطرفين الأفريقي والأوروبي عليه بما يودي إلى توقيع الشراكة الأفريقية-الأوروبية.
* البعد الهيكلي-البنائي في قمة أفريقيا-الاتحاد الأوروبي 2010
تشير المعطيات الجارية إلى أن قمة اليومين الأفريقية-الأوروبية سوف تضم مجموعة دول الاتحاد الأفريقي ومجموعة دول الاتحاد الأوروبي، ولكن، وبسبب المواقف الأوروبية، فإن الرئيس السوداني عمر البشير لن يشارك بسبب اعتراض المفوضية الأوروبية المتعلق بملف مذكرة المحكمة الجنائية الدولية، لذلك، فقد سعت الأطراف الأوروبية إلى الاعتراض خلال الفترة السابقة على مشاركة رئيس زمبابوي روبرت هوغابي، وكانت مقاطعة الزعماء الأوروبيين محدودة، ولكن هذه المرة أعلن الزعماء الأوروبيون موقفاً محدداً يتمثل في أنه بمجرد دخول الرئيس عمر البشير القاعة، فإن الزعماء الأوروبيين سوف ينسحبون إلى خارج القاعة، هذا وبسبب اعتذار ليبيا عن استقبال عمر البشير فقد قررت الخرطوم مقاطعة القمة ونتائجها.
بدأت فعاليات القمم الأفريقية-الأوروبية بانعقاد قمة أفريقيا-الاتحاد الأوروبي في القاهرة عام 2000، ثم جاءت القمة الثانية في العاصمة البرتغالية لشبونة عام 2006، والآن تجيء القمة الثالثة والتي سوف يصدر بيانها الختامي مساء اليوم.
* البعد القيمي-الإدراكي في قمة أفريقيا-الاتحاد الأوروبي 2010
تتحدث الوثائق والمستندات المتبادلة بين مفوضية الاتحاد الأفريقي ومفوضية الاتحاد الأوروبي عن قيم التعاون والشراكة ولكن على أساس اعتبارات الإدراك المتبادل بين الطرفين يمكن الإشارة إلى الآتي:
- ينظر الطرف الأفريقي للجانب الأوروبي على أساس اعتبارات أنه يستطيع تزويد أفريقيا بالمال والتكنولوجيا وذلك عن طريق تدفقات رأس المال الاستثمارية المباشرة (السلع الرأسمالية والبضائع) وغير المباشرة (المال).
- ينظر الطرف الأوروبي للجانب الأفريقي على أساس اعتبارات أنه يمثل مصدراً متاحاً لجهة تزويد أوروبا بالمواد الخام الأولية، إضافةً إلى أنه يمثل سوقاً واسعة قادرة على استيعاب حجم كبير من الصادرات الأوروبية.
تحليل معطيات الإدراك المتبادل على خط مفوضية الاتحاد الأفريقي-مفوضية الاتحاد الأوروبي يشير إلى وجود المزيد من الشكوك والإدراكات السلبية التي وضح بما لا يدع مجالاً للشك بأنها أصبحت تمارس حضورها القوي على مجريات التفاهم والحوار المشترك ويمكن الإشارة إلى ذلك من خلال النقاط الآتية:
• ملف الأمن: ينظر الأفارقة إلى المنظور الأوروبي باعتباره خالي من المصداقية وينطوي على قدر كبير من الشكوك، وذلك لأن الأوروبيين يسعون لاستخدام ملف الأمن لجهة: تبرير التدخل الأوروبي في الشأن السيادي الأفريقي، ويسعون من خلال هذا الملف إلى توريط الدول الأفريقية في مشروع الحرب المفتوحة على الإرهاب وهو مشروع أمريكي بالدرجة الأولى، إضافة إلى زرع الخلافات في أوساط البلدان الأفريقية، لأن المنظور الأوروبي يسعى إلى دفع الدول الأفريقية باتجاه مناهضة الأطراف الأفريقية المعارضة للمشروع الأمريكي-الأوروبي.
• ملف الحكم الديمقراطي وحقوق الإنسان: ينظر الأفارقة للمشروع الأمريكي والأوروبي المتعلق بالحكم الديمقراطي وحقوق الإنسان باعتباره موقفاً يتميز بالانتقائية وازدواجية المعايير، فمن غير الممكن أن يسعى الطرف الأفريقي إلى الاستجابة للمطالب الأوروبية بالشكل الذي يهدد سيادة الدول الأفريقية واستقرارها السياسي، وإذا كانت التعددية السياسية هي خيار الشعوب الأوروبية، فإن للدول الأفريقية خياراتها الخاصة بها، والتي ترتبط بخصوصية مجتمعاتها القائمة على الروابط العرقية والقبلية والتي من الممكن أن يؤدي تطبيق التعددية الديمقراطية الغربية الأوروبية إلى جعلها تمثل عرقيات وقبليات مُسَيَّسة، وهو أمر سوف يؤدي بالضرورة إلى إطلاق مفاعيل العنف السياسي بين الأطراف المجتمعية الأفريقية.
• ملف التجارة والتكامل الإقليمي والبنيات التحتية: يقوم الموقف الأوروبي على ضرورة فتح الأسواق الأفريقية أمام تدفقات حركة السلع والخدمات الأوروبية عن طريق إزالة الحواجز والقيود الجمركية، وبالمقابل يطالب الأفارقة بضرورة إعطاء الأولية للتنمية وبناء البنيات التحتية وتعزيز مفاعيل التكامل الإقليمي بما يتيح رفع مستوى الدخل، الأمر الذي يتيح بدوره تعزيز قدرات الأفارقة الشرائية مقابل أسعار السلع والخدمات الأوروبية المرتفعة الثمن، وإضافة لذلك، يرفض الأفارقة مبدأ التخصص القائم على أساس اعتبارات أن تتولى أفريقيا أمر الزراعة وإنتاج الخدمات المعدنية والأولية لمقابلة احتياجات الصناعة الأوروبية مقابل أن تتولى أوروبا أمر الصناعة وإنتاج الخدمات المتطورة لمقابلة احتياجات أفريقيا، ويرى الأفارقة في هذا المبدأ مجرد محاولة أوروبية لترسيخ مبدأ التعامل غير المتكافئ والذي سوف لن يؤدي بدوره إلا لتحويل القارة الأفريقية إلى مزرعة أوروبية كبيرة على غرار ما كانت عليه خلال الحقب الاستعمارية الأوروبية السابقة.
• ملف أهداف الألفية الثالثة: يعتقد الأفارقة بأن تحقيق أهداف الألفية الثالثة هو أمرممكن ومقبول، ويجب ألا ينحصر في المجال الأفريقي-الأوروبي وإنما في مشاركات المجتمع الدولي وسائر الأطراف العالمية، وإذا كانت أهداف الألفية قد أشارت إلى ضرورة العمل الدولي المشترك من أجل محاربة الفقر والمرض والجهل، فإن على الأطراف الأوروبية أن تسعى من أجل تمويل ودعم التنمية في أفريقيا باعتبار هذه التنمية هي المرض المدخل السليم لمحاربة الفقر والجهل والمرض.
• ملف الطاقة: أكدت الأطراف الأفريقية على اعتماد مبدأ استخدام مصادر الطاقة لنظيفة، ولكن بشرط أن تسعى دول الاتحاد الأوروبي إلى بناء مصادر الطاقة النظيفة المرتفعة الثمن، وطالب الأفارقة بأنهم سوف يلجئون إلى عدم الالتزام باستخدام مصادر الطاقة النظيفة إذا لم تتم عملية توفير الدعم المالي والتكنولوجي بالقدر الكافي المطلوب لأنه من غير المعقول أن تبقى القارة الأفريقية بلا طاقة كهربائية على أمل انتظار الدعم الأوروبي والذي قد يتأخر طويلاً، إن لم يكن سوف لن يأتي.
• ملف التغير المناخي: رفض الأفارقة الالتزام بوجهة النظر الأوروبية المتعلقة بملف التغير المناخي، إذا كان المطلوب هو عدم توسيع الصناعة في أفريقيا من أجل إتاحة الفرصة لاستمرار وتائر الصناعة الأوروبية الملوثة للمناخ، علماً بأن معايير العدالة تقتضي ليس بمنع أفريقيا من بناء نهضة الصناعة، وإنما إلزام أوروبا بدفع ثمن التلوث الذي سببته لنهضتها الصناعية.
• ملف الهجرة والحراك السكاني والتوظيف: أكد الأفارقة على احترام الموقف الأوروبي الداعي للحد من الهجرة غير الشرعية، ولكن في نفس الوقت أشار الأفارقة إلى أن البطالة وانخفاض مستوى الدخل هما السبب الأساسي الدافع لتنشيط مفاعيل الهجرة غير الشرعية لأوروبا، وفي هذا الخصوص أشار الأفارقة إلى ضرورة مساهمة الدول الأفريقية في دعم التنمية الاقتصادية في أفريقيا باعتبارها الوسيلة الرئيسية لإنهاء موجات الهجرة غير الشرعية لأوروبا.
• ملف العلم ومجتمع المعلومات والفضاء: طالب الطرف الأفريقي بضرورة دعم العلم ومجتمع المعلومات إضافةً إلى تعزيز قدرات أفريقيا في استخدامات الفضاء للأغراض المدنية، وفي هذا الخصوص ربط الطرف الأفريقي الدعم الأوروبي بدعم تطوير البنيات التحتية في القارة الأفريقية، وذلك لأنه من غير الممكن إقامة التنمية العلمية والمعلوماتية والفضائية بدون وجود بنيات تحتية تشمل إمدادات الكهرباء وشبكات الاتصالات.
التباين الإدراكي الإفريقي-الأوروبي سوف يزداد أكثر فأكثر وذلك بسبب تشدد الطرف الأوروبي لجهة الحصول على المزايا التي تتيح توسيع التجارة غير المتكافئة مع الطرف الأفريقي في مواجهة تشدد الطرف الأفريقي لجهة أن توسيع التجارة يجب أن يتم في ظل اعتماد عملية تنموية شاملة تتيح لشعوب القارتين تحقيق التكامل الاقتصادي والتجاري العادل، إضافةً لذلك، تقول المعلومات والتسريبات بأن فشل الاتحاد الأوروبي في استغلال فرصة القمة الحالية لإغراء الأطراف الأفريقية هو فشل سيؤدي إلى دفع واشنطن باتجاه تنشيط مبادرة شراكة الولايات المتحدة-دول شمال أفريقيا (مصر، ليبيا، تونس، الجزائر، المغرب وموريتانيا) ويتيح أيضاً العمل بوتائر أسرع في برنامج التعاون الاقتصادي الصيني مع الدول الأفريقية الرئيسية (جنوب أفريقيا، السودان، الكونغو الديمقراطية، أنجولا، موزنبيق، إثيوبيا، غينيا) وهي الدول التي لو ارتبطت بالشراكة مع الصين فإن موارد القارة الأفريقية سوف تكون قد أصبحت عملياً في يد الصين، والتي قطعت شوطاً كبيراً في مشروع التعاون الصيني-الأفريقي من خلال انتقاءها للتعاون مع الدول الأفريقية ذات الوزن والتأثير على بقية دول القارة الأفريقية.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد