العراق: دعوات الى تشكيل إقليم للأقليات!
طالت الارتدادات التي أحدثتها سيطرة تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ــ «داعش» على المحافظات الغربية العراقية، مختلف الفئات التي يتكون منها النسيج الاجتماعي العراقي، بعدما عمل التنظيم المتشدد على خلق مختلف أنواع الشروخ في البيئة العراقية، بدءاً من الممارسات البشعة التي ستترك أثراً جارحاً في المجتمع، وصولاً الى قمع كل من يخالف تعاليمه الوهابية.
ولم يعد يخفى على أحد، الانعكاسات السياسية التي تستحضر اختلافات فكرية يعود عمرها إلى مئات السنين، ليعاد استثمارها اليوم في الواقع العراقي الجديد، من محاولات فرض معادلة اجتماعية ـــ سياسية جديدة، تبدأ من رفع حدة التجاذب المذهبي في البلاد، وتنتهي عند طروحات لتغيير النظام السياسي القائم، وطرح مشاريع أقاليم قائمة على أساس طائفي.
الجدل المستمر في الوسط السياسي العراقي حول إمكانية إيجاد حل للأزمة الحالية عبر تقسيم البلاد إلى أقاليم على شاكلة إقليم كردستان، تتوزع بين الجنوب والشامل والغرب ـــ الوسط، على اساس طائفي وعرقي، طال مؤخراً مسألة ما اصطلح على تسميتهم بـ «الأقليات» من المسيحيين العراقيين، والتركمان، والشبك، والكاكائيين، بالإضافة إلى الإيزيديين، على أن مسألة إنشاء «إقليم سهل نينوى» يكون الحاضنة الإدارية للمسيحيين بشكل رئيسي باتت فكرة متداولة بشكل كبير في الأوساط السياسية الداخلية والدولية.
وكان أسقف أربيل للكنيسة الكلدانية الكاثوليكية بشار وردة، قد أكد أمام جمع من الأساقفة والقساوسة في بريطانيا، بالإضافة إلى عدد من أعضاء مجلس العموم، الأسبوع الماضي، أن المسيحيين في العراق «لم يعد أمامهم وقت طويل» إن لم يتخذ إجراء عسكري على الأرض، وأشار إلى أن الغارات الجوية «ليست كافية» لهزيمة «داعش»، و«توسل» بحسب تعبير «هيئة الإذاعة البريطانية» من أجل نشر قوات غربية على الأرض.
وتراجعت أعداد المسيحيين العراقيين من مليون وأربعمئة ألف إلى أقل من ستة آلاف في غضون ست سنوات، كما عمد العديد منهم إلى الهجرة نتيجة الأحداث، خصوصاً في ظل الدعوات الغربية التي قادتها فرنسا على لسان وزير خارجيتها الصيف الماضي، بأن بلاده مستعدة لاستقبال المسيحيين العراقيين في مشهد يعيد إلى الأذهان الدعوات المماثلة للمسيحيين في لبنان إبان الحرب الأهلية، للهجرة إلى الغرب على متن البواخر.
وفي هذا السياق، يقول مسؤول العلاقات العامة لـ «منظمة حمورابي لحقوق الانسان» وليم وردة إن الناشطين والأحزاب السياسية المسيحية سواء كانت أشورية كلدانية، أو سريانية شعروا نتيجة الأحداث الأخيرة «أنهم يجب أن يعيشوا في قفص تحت الحماية، على أقل تقدير حماية دولية، أو تحت ضمانات دولية».
وعبَّر وردة عن رغبته «بإنشاء إقليم أو محافظة، أو منطقة إدارية للأقليات، تضم المسيحيين والإيزيديين»، مؤكداً أنها «فكرة تلاقي قابلية لدى الكثير من المسيحيين»، مشيراً إلى أن «التأخير في تحرير المناطق التي يسكنها المسيحيون يعني مزيداً من الهجرة، والمزيد من تناقص أعداد المسيحيين، وإلغاء للوجود المسيحي، لا سيما أن هناك هجرة كبيرة، إلى لبنان وتركيا والأردن كمحطات أولية، ومن ثم الانتقال إلى أميركا وأستراليا الأمر الذي يعني تفريغ البلد من سكانه الأصليين».
وتشكلت في الآونة الأخيرة عدة تنظيمات «مسيحية» مسلحة تعمل تحت مسميات مختلفة، بعضها استقطب عدداً من المقاتلين الغربيين، بحسب ما ذكرت وكالة «رويترز» مؤخراً، كما قام مسيحيون عراقيون بتشكيل مجموعات مسلحة من الأشوريين في آب الماضي، وأطلقت عليها تسمية باللهجة الآرامية المحلية تعني «شهيد المستقبل».
ووفقا لـ «الحركة الديموقراطية الآشورية»، أكبر التيارات السياسية الممثلة للآشوريين في منطقة سهل نينوى، تطوع ألفا رجل لمحاربة تنظيم «داعش»، كما توجه وفد منهم إلى لبنان للقاء «القوات اللبنانية»، كما نقل مصدر حضر اللقاء عن قائد «القوات اللبنانية» سمير جعجع قوله بأنه «مستعد لدعم أي قرار يتخذه المسيحيون العراقيون للحفاظ على وجودهم».
وأكد وردة وجود «ثلاثة أو أربعة تشكيلات من المسيحيين، يتم تدريبهم حالياً» وهم يتلقون تدريبهم و»دعمهم» من جهات كثيرة، وأشار إلى أن هذه «التدريبات تجري في عدة معسكرات في العراق، بعضها من خلال القوات الأميركية، والبعض الآخر تحت مظلة حكومة إقليم كردستان»، لافتاً إلى أن «الدعم والتسليح يتم تلقيه من الجهات التي تتولى التدريب».
وحول هذا الأمر، أكد بطريرك الكلدان الكاثوليك لويس ساكو أنه سمع بأن هناك أحزاباً سياسية مسيحية «مدعومة من جهات أكبر» دعت الشبان «المسيحيين إلى التجنيد»، واصفاً قيام الأحزاب المسيحية بتشكيل قوات أو مليشيات خاصة بها بالعملية «الخطيرة وغير السليمة»، داعياً المسيحيين إلى الانخراط في الجيش العراقي، أو الانضمام إلى البشمركة «كونها قوات رسمية معترف بها».
وحول مسألة الإقليم أشار ساكو إلى أن الوضع في العراق مضطرب و«غير مستقر» وهذا الأمر يؤدي إلى عدم وجود «رؤية مستقبلية واضحة، فهناك المثلث السني لديه مشاكله، وشمال العراق إقليم كامل لديه صلاحيات ومؤسسات»، وأضاف «نحن كأقليات مسيحية مع الاقليات الأخرى من غير الممكن أن نكون إقليماً خاصاً للمسيحين، لكن من الممكن أن يكونوا جزءاً من الادارة المحلية لادارة ذاتية في مدينة بكاملها مسيحيين، وتكون الادارة لأبناء المدينة ولا يتم جلب شخصيات من الجنوب أو الشمال».
أما بشأن الدعوات الفرنسية فاعتبر ساكو أنها دعوات «لا تتعدى حدود الكلام وهي حلول جزئية، كما أنها نوع من الدعاية دفعت بالكثير من المسيحيين للجوء إلى تركيا وعمان وبيروت، وهي دول غير قادرة على استيعاب أعدادهم، وهم يقفون بالانتظار، ويهدرون الكثير من الاموال فلم يتم استقبال إلا 700 شخص في فرنسا».
وفي ظل المخاوف من «تدويل» أزمة المسيحيين العراقيين، والعمل على استغلالها، يؤكد نائب رئيس لجنة الهجرة والمهجرين النيابية حنين قدو أن هناك «دعوة للأمم المتحدة للدخول إلى العراق وفرض منطقة آمنة خاصة في مناطق سهل نينوى»، مؤكداً أن ذلك نابع من عدم ثقة «الأقليات» في قدرة الحكومة العراقية على حمايتها، و«هي تحاول اللجوء إلى الأمم المتحدة، من أجل توفير الحماية لها، وخلق منطقة آمنة للأقليات العراقية».
وبذلك يكون التساؤل الذي قد يحدد مصير المسيحيين العراقيين خلال الأشهر القليلة المقبلة، هل سيكون لهؤلاء «إقليم»، أو «إدارة ذاتية» بحماية دولية، في ظل الدعوات الزائفة للهجرة؟
سعاد الراشد
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد