السوريون يشككون في نيات الحرب على "داعش": متأخرة..واستنزاف لموارد المنطقة
لم تكن سوى بضع ساعات تمضي على بثّ شريط مصوّر يُظهر مقتل الصحافي الأميركي ستيفين سوتلوف ذبحاً على يد عنصر في تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام"- "داعش"، حتى توالت سلسلة تصريحات أميركية وغربية، حاملة رسائل التهديد والوعيد، ومبيّنة الخطر الذي يمثّله هذا التنظيم الإرهابي على الولايات المتحدة والعالم.
بعد أيام قليلة، تمّ الإعلان عن تشكيل "الائتلاف الدولي لمواجهة خطر تنظيم الدولة الإسلامية"، والذي يضمّ 40 دولة، منها 10 دول عربية.
وبالفعل، بدأ قصف قوات التحالف الدولي، بقيادة الولايات المتحدة، وبمشاركة خمس دول عربية، مستهدفاً معاقل "داعش" فجر أمس الأول، وأكّد المتحدث باِسم وزارة الدفاع الأميركية، جون كيربي، أن الغارات التي شنت "لا تمثّل سوى البداية".
لا ينظر الشارع السوري بعين واحدة إلى العمليات العسكرية التي يقوم بها التحالف الدولي لمواجهة "داعش"، ففي الوقت الذي يصفها وليد ملقي بأنها "عمليات هزلية تسعى للقضاء على الإرهاب، ابن التحالف الدولي المدلل"، تعتبر رزان أن "هذه العمليات مطلوبة، لكنّها جاءت متأخرة كثيراً، قياساً بحجم الكارثة الإنسانية".
من جهته، يوافق جعفر صقور على كلام رزان، مشيراً إلى أن "العمليات العسكرية أصبحت ضرورية، لأن داعش أصبح ندّاً لجميع الأطراف المسلحة، وأيضاً لما يشكّله من خطر في الداخل السوري وفي الخارج".
وتثير الحملة الدولية لمحاربة "داعش" الريبة لدى قطاع واسع من السوريين، فيرى جميل الحموي أن تشكيل التحالف والحملة العسكرية "ما هما إلا تغيير للعناوين والواجهات في الصراع الدولي".
بدورها، تُشكّك علياء علي في أهداف الحملة قائلة إن "الحملة العسكرية تعيد إلى الذاكرة القريبة تحالفات مماثلة لضرب الإرهاب بعد أحداث 11 أيلول وغزو العراق، بعدما ادّعت الولايات المتحدة امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل".
وفي حين نفت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية ماريا هارف بشكل قاطع أن تكون الولايات المتحدة نسقت استخبارياً مع الحكومة السورية، مؤكدة أن ذلك "لم يحصل مباشرة أو عبر طرف ثالث"، أعلنت وزارة الخارجية السورية أن واشنطن أبلغتها مسبقاً بعزمها توجيه ضربات إلى مواقع مسلحي "داعش" في الأراضي السورية.
وتعتبر علياء علي أن "إصرار الولايات المتحدة على دعم ما تسمّيه المعارضة المسلحة المعتدلة، هو سبب وجود نوع من صعوبة التنسيق بين الحكومة السورية والتحالف الدولي".
من جهتها، ترى رزان أن "التنسيق بين التحالف والحكومة السورية أمر لا بدّ منه لمحاربة عدوّ مشترك"، معتبرة عدم التنسيق "أمراً غير واقعي".
لريم سعيد وجهة نظر أخرى، وهي أن "التنسيق قد يكون موجوداً أصلاً في الخفاء". أما جعفر صقور، فيبدي عدم ثقته بـ"أيّ نوع من التحالف والتنسيق بين الحكومة السورية والولايات المتحدة في سبيل مواجهة داعش، بسبب حالة العداء بينهما"، فيما يرحّب جميل الحموي بأي نوع من التنسيق، قائلاً إن "فيه مصلحة لسوريا، وخاصة في ظلّ موقف حلفائها المترقّب والمتردّد"، مرجحاً أن يكون التنسيق "تم عبر طرف ثالث".
وفي الوقت الذي ذكر تقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية نقلاً عن مسؤول أميركي رفيع المستوى، أن الحملة ضدّ "الدولة الإسلامية" قد تستغرق ثلاث سنوات، أعلن الرئيس الأميركي أن المعركة "قد تأخذ وقتاً طويلاً، ولكنها ضرورية لأمن الولايات المتحدة والشرق الأوسط والعالم".
هذه التصريحات، وغيرها من الأخبار المتعلّقة بها، جعلت هدف الحملة الغربية ضدّ "داعش" موضع شكّ في الشارع السوري.
يقول صقور إن هذه الحرب ليست سوى "بوابة لتدخل عسكري خارجي يهدف إلى القضاء على داعش من جهة، والحدّ من قدرات الجيش السوري من جهة أخرى، لمصلحة الجماعات المسلحة التي ستدربها الولايات المتحدة". بدورها، تعتقد علياء أن "الهدف الحقيقي من الحرب على التنظيم الإرهابي، هو استنزاف موارد المنطقة وتأمين أطول مدّة ممكنة من تدفق المال الخليجي".
آراء السوريين كثيراً ما تتلاقى حول "الأهداف المبطنة" للحملة الأميركية على داعش"، فيرى وليد أن الهدف منها هو "تغطية عودة الوجود العسكري الأميركي إلى المنطقة، ومحاولة تقسيم سوريا من خلال تسليم مناطق سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية إلى المعارضة المسلحة الموالية للغرب". ويضيف الحموي على ذلك بأن الهدف الأميركي من الحملة هو "ضمان مصالح واشنطن وإحكام سيطرتها على منابع النفط وخطوط نقل الطاقة".
تذهب رزان أبعد من ذلك، قائلة إن الهدف هو "خلق توازن قوي بين النظام والمعارضة، والتدخّل لاحقاً لمصلحة أحد الطرفين، بحسب المصالح الأميركية حينذاك، من خلال فرض اتفاق دولي، واستغلال سوريا بعقود استثمار".
بالمطلق، يعتري الشارع السوري الشك بنتائج الحرب الأميركية على "داعش"، كما يعتريه الشكّ والقلق من مجرياتها منذ بدايتها. فحرب طويلة، كما يقول الأميركيون، لن تكون نتائجها قريبة، لكن انعكاساتها على مجرى الأحداث في سوريا ستكون بالغة التأثير.
وفي الوقت الذي تتوقّع رزان أن ينتج عن هذه الحرب "قضاء جزئي على الإرهاب ودمار واستنزاف يُفضي إلى اتفاق سياسي لا بدّ منه"، تعتقد ريم أن "الأزمة السورية ستستمر بعد نهاية هذه الحملة، ولن ينتج عنها في النهاية أيّ اتفاق سياسي في سوريا".
من جهته، يقول الحموي إن وجود اتفاق سياسي بعد نهاية الحملة "مرتبط بتبلور نظام عالمي جديد لا تكون فيه الولايات المتحدة القطب الأوحد فيه"، مضيفاً أنه "في حال حدوث ذلك، وبعد القضاء على الإرهاب، سنشهد عودة سوريا إلى الساحة الدولية من جديد".
وأخيراً، تشدد علياء على أن "العالم يعيش مرحلة نشوء أمم، وتغيير في الخريطة الجيوبوليتيكية، ومن البديهي أن تتأثر سوريا بذلك، سواء جاء هذا التأثير بشكل سياسي أو عسكري"، بينما يرى جعفر صقور أن نتائج هذه الحملة "ستكون طريقاً إلى حلّ سياسي، يفرض فيه المنتصر شروطه".
يسار عبد الله
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد