الدراما التاريخية.. تأويل للماضي أم استنهاض للحاضر؟
الحديث عن "الدراما التاريخية"، شائك، متشعّب، تماماً، يرتبط بشكل كبير بموضوع تناول "التاريخ" ذاته، والموقف منه، سواء لناحية التدقيق في وقائعه، وأحداثه، وشخصياته، أو لناحية زاوية النظر إلى ذلك كله!..
ففي حين يكون من العسير التدقيق في الوقائع التاريخية، بالسؤال: هل حصلت أصلاً، أم لا؟.. وذلك قبل السؤال: هل حصلت على هذا النحو، أم جرت على نحو غيره؟..
سيكون من الضروري الانتباه إلى أن الواقعة التاريخية ذاتها، إنما تُكتب على طرق عدة، يكتبها كلٌّ من زاوية رؤيته، أو من وجهة نظره، حتى بات من المتعارف أن التاريخ، الذي بين أيدينا على الأقل، في مصادره المعتمدة، إنما هو التاريخ الذي كتبه الأقوياء، بل هو التاريخ الذي كتبته النظم والسلطات، ومن توفّر لها من مؤرخين وكتبة..
في كثير من الأعمال الدرامية، التي كنا نراها منذ عقود على شاشات التلفزة العربية، وما زلنا نرى، نلاحظ أن الأمر يكاد يتلخَّص في محاولة بناء تصوّر "أو افتراض" بصري، لما هو مكتوب في مصادر محددة، مُتَّفق عليها رسمياً، الأمر الذي جعل من هذه الأعمال بمثابة احتفاليات بصرية، بشخصيات "ورقية"، من جهة أولى، وشخصيات "تطهُّرية"، من ناحية ثانية.
إذ بدت ناطقة بمقولات وشعارات جاهزة، كما أتت على نحو ملائكي، لا يدانيها الخطأ أبداً!.. وتكاد تكون شخصيات "ما فوق بشرية".
المصادر الرسمية في التاريخ ترسم صورة نمطية أحادية للشخصيات، واقعة بين فكي تقاطب ثنائي: إما شخصيات خيّرة أو شريرة، شجاعة أو جبانة، نبيلة أو حقيرة.. وما يشبه من طراز هذه الثنائيات، وبالتالي تغفل عن الطبيعة البشرية التي تتميز بتداخل الخير والشر، وصراعهما وجدلهما في الشخصية الواحدة..
ذاك ما دفع صانعي الدراما التاريخية، فيما سلف، إلى الاكتفاء بانتقاء شخصيات غير إشكالية، أو شخصيات غير قلقة، لا يدانيها الشك أو الارتياب، ولا تقع في هفوات أو أخطاء.. وإذا ما كان ثمة من إشارة إلى ذاك، فإنما يأتي في سياق الإشارة العابرة، وفي فيض الكثير من التبرير. إنه العمل على "تنقية الشخصية" مما يمكن أن يشوبها، أكثر مما فعلت روايات التاريخ الرسمي حيالها..
لكن هذا الفعل لم ينجُ من المأزق ذاته، بأن التعامل مع هذه الواقعة، أو الحادثة، أو الشخصية، التاريخية، لم يخرج عموماً عن زاوية النظر الخاصة، بحيث أن التنافر أو التناقض تجاه هذه الأعمال بقي يستند غالباً إلى مسائل تقع خارج العمل الفني الدرامي، من حيث النكوص إلى أبعاد، أو مرجعيات، قومية، وطنية، قبلية.. أو دينية، مذهبية، طائفية..
في مجال التلقي، ومثلها في مجال الكتابة.. في شبكة، على هذا المستوى من التنوع والتعقيد والتشابك في المرجعيات، يغدو من العسير على أي عمل درامي تاريخي أن يحظى برضى وقبول الجميع، ومن خلال هذا الكلام، نخلص إلى القول، إلى أن إشكالية التعامل مع أعمال "الدراما التاريخية"، هي إشكالية التعامل مع التاريخ ذاته، التي يمكن تلخيصها بالسؤال: أي رواية تاريخية نتبنى؟..
أي مصدر تاريخي نعتمد؟.. وهو الأمر الحاسم الذي يحدد مصداقية هذا العمل الدرامي، أو ذاك.. وهو ما يجعل من هذا العمل الدرامي، أو ذاك في، دائرة الرضى والقبول، على مستوى المقولة والخطاب!..
* تفوق سوري
لعل من أسباب نجاح "الدراما التاريخية" المُنتجة في سوريا، أنها حققت الشروط الشكلية، والشروط المضمونية، للتعامل مع التاريخ، ووقائعه، وشخصياته.. فعلى المستوى الشكلاني تخلَّصت الدراما السورية من حالة الفقر المدقع في المشهد البصري، الأمر الذي تميزت به الدراما التاريخية العربية، من قبل.
في الشكل الفني، اهتمت الدراما السورية بالتفاصيل الحقيقية، أو المقاربة للحقيقة، إلى حدّ "المطابقة"، وكفَّت عن الإيهام البسيط، ليس فقط بالتخلص من المكياجات العجيبة، المثيرة للضحك، الموجودة في الدرامات العربية من قبل، من طراز اللحى الملتصقة، بشكل مفضوح جداً، على وجوه الممثلين، أو محاولات التنميط الشكلي البائس، للدلالة على المؤمن والكافر، والطيب والشرير..
وكذلك ليس فقط على مستوى الأماكن المنغلقة، والديكورات الفقيرة، فالدراما السورية أتقنت فن الديكور، تماماً، وتمكَّنت من إعادة إنتاج المكان، بشكل بالغ البراعة، كما نجحت في مسألة الماكياج، والملابس والأزياء، والإكسسوارات، والتمثيل..
أعمال "الدراما التاريخية" التي أسَّست لمرحلتها الجديدة الدراما السورية، على خلفية موجة "الفانتازيا"، التي بلغت ذرى عالية من التشكيل البصري، والخروج من الاستوديوهات، والتنوع في الشخصيات، والمهارة في إدارة الممثلين، وتحريك المجاميع الكبيرة، استفادت من تلك التجارب المنفلتة من عقالها، فكان أن كشفت خيبة الأعمال التاريخية، التي كان يتم تصويرها، بين جدران الأستوديو وديكوراته المفضوحة الصنع.
أما على المستوى المضموني، فإن غالبية أعمال الدراما التاريخية السورية، انتهجت خطاً جديداً يقوم على "تعشيق" الروايات التاريخية المتعددة، في محاولة قراءة الوقائع، وبناء الأحداث، ورسم الشخصيات، من جوانبها المتكاملة، على تنافرها!..
بدا هذا واضحاً مثلاً في تناول شخصية "الزير سالم"، إذ وجدنا الكاتب ممدوح عدوان لا يخضع لرواية واحدة، ولا لمصدر واحد، أو ذهنية واحدة، بل لا يخضع للمزاج الشعبي الرائج، في رسم هذه الشخصيات، التي تحمل الكثير من المتناقضات!..
مما أثار المقتنعين بالرواية الواحدة، والصورة النمطية، وأشعل نيران غيظهم، ووصل البعض منهم إلى حدّ المطالبة بالمحافظة على الصورة المتكوّنة: صورة الزير سالم، البطل، الشهم، الشجاع.. حتى لو كان ذلك منطق ضد التاريخ، ورواياته المتعددة!..
كذلك الأمر فيما يتعلق بشخصيات من التاريخ الإسلامي، من طراز شخصيات "الحجاج بن يوسف الثقفي"، أو "عبد الرحمن الداخل"، المعروف بلقب "صقر قريش"، حيث استخدم الكاتب مبادئ علم النفس، فضلاً عن سياقات الوقائع والأحداث التاريخية، والافتراضات الذهنية والنفسية، في التعامل مع شخصية مميزة، ذات دور حاسم في التاريخ الإسلامي، وتمتلك في الوقت نفسه القدرة العالية على إثارة النقاش حولها، سواء بما لها، أو بما يمكن أن يُؤخذ عليها..
للوصول إلى فك الاشتباك حول سؤال من طراز: كيف لمن فعل كذا وكذا وكذا.. من الأفعال المجيدة.. أن يفعل كذا وكذا وكذا.. من الأفعال الإشكالية؟..
كانت الدراما التاريخية سابقاً، تتجاهل كل ذلك، وتكتفي بالحديث عن الجوانب الإيجابية، والأفعال المجيدة، وهو ما يجعل تلك الشخصيات أدبية "ورقية": نورانية، طهرانية، منزَّهة عن الأخطاء.. بينما تشير الوقائع "الحقيقية" إلى أنها لم تكن كذلك، بل كانوا رجالات من طينة البشر: لهم ما لهم، وعليهم ما عليهم..
الجديد في الدراما التاريخية السورية أنها تخلَّصت من هذه الحال، وذهبت إلى قراءات أكثر منطقية، وأكثر قدرة على الإقناع، شكلاً وموضوعاً. تماماً دون أن تقع في خطيئة الإساءة إلى هذه الشخصيات، أو التجنّي عليها، أو النيل منها، من جهة أولى.
وأيضاً دون أن تقع في خطإ رفع هذه الشخصيات إلى مستوى "ما فوق بشري"، فتتغزل بها، أو تبرر أعمالها، أو تصفح عن أفعالها، من جهة أخرى!.. وفي الحالتين لم تعمد الأعمال الدرامية التاريخية السورية إلى تنصيب نفسها في موقع من يطلق الأحكام على هذه الشخصيات، ويحاكمها، بل في موقع من يحاول قراءتها، في سياق الشروط التاريخية، السياسية والاجتماعية والاقتصادية، والشروط النفسية والذهنية!..
* الانتقاء منهجاً
الفن انتقاء.. نعم!.. إنه خيار من بين العديد من الخيارات الممكنة، وبالتالي لا يمكن القول إن ما نراه فنياً هو الخيار الوحيد!.. يصحُّ هذا الكلام دائماً، في الموضوعات كافة، التاريخية القريبة: الراهنة، والمعاصرة، منها، تماماً كما يصح في الموضوعات التاريخية، الموغلة في القدم..
الفارق يكمن في مدى تناسق المنطق الداخلي للعمل، والجودة في التشكيل البصري، والإدراك الواضح للهدف الأخير، من المقولة النهائية للعمل: بين تلك الأعمال التي تريد التغنّي بالتاريخ المجيد، والثناء اللامتناهي لما فعله الأجداد العظام.. وبين من يريد قراءة التاريخ، باعتباره الماضي الممتد في الحاضر، المؤسِّس له، والمؤثِّر فيه. والانطلاق من ثم إلى المستقبل المأمول.
الانتقاء يتمّ على هذه القاعدة، بشكل أساس. فمن يريد التغنّي بالتاريخ المجيد، وما فعله الأجداد العظام، يعرف إلى أيّ موضوعات، ووقائع، وشخصيات، يذهب!.. ومن يريد قراءة التاريخ في تحولاته الكبرى، ووقائعه الخطيرة، وشخصياته الإشكالية، وامتداد ذلك عبر الأزمان، من الماضي إلى الراهن، نحو المستقبل، أيضاً يعرف أين يذهب.
طبعاً، من غير المقبول أن يظن أحد أن إنجاز هذا العمل الدرامي التاريخي، أو ذاك، يأتي عبثاً، أو لهواً.. أو يعتقد أن توظيف كل هذه المبالغ المالية العالية "الخيالية" يتمّ من أجل التسلية، فقط!.. قد يكون ذلك عند البعض هرباً من مقتضيات رقابية، تمنع من تناول الموضوعات المعاصرة، وهذا صحيح في جزء منه!..
ولكن من تراه يظن أن التعامل مع موضوعات شائكة، وجدالية، في التاريخ الحذر، بوقائعه، وشخصياته، أقلّ حساسية؟!.. وهل من الممكن نكران أن الانفتاح الملحوظ في التعامل مع الموضوعات التاريخية، وخاصة الدينية، ترافق مع الانفتاح الرقابي عموماً!.. هناك انتقاء.. نعم.. ولكن علينا أن نعرف لماذا يتم هذا الانتقاء.. في كل عمل!..
* توثيق للتاريخ
بالاعتقاد أن الدراما التاريخية هي كل ذلك، مجتمعاً: هي تعبيرات عن وفاء لوقائع وشخصيات، من ناحية أولى. وهي إعادة تأويل، ومحاولة قراءة وفهم، من ناحية ثانية. وهي محاولة للتوثيق البصري، من أجل خلق وثيقة بصرية، عن مراحل تاريخية منصرمة، من ناحية ثالثة. وهي محاولة استنهاض الراهن، والتأهّب للمستقبل، من ناحية رابعة. وفي هذه اللوحة المتشابكة، كل يحدد مكانه، وهدفه، وما يطمح إليه!..
تلك أمور نافلة، يستطيع الجميع القول بها.. ولكن، فضلاً عن ذلك كله، يمكن للمرء أن يرى وجوهاً أخرى للدراما التاريخية، ومُضمراتها، يمكن القول إن منها ما هو يأتي على هيئة "توسّل لاستعادة التاريخ"، ومنها ما هو على هيئة "السعي للتخلّص من التاريخ"!..
في هذا الإطار، يمكن الحديث عن توجّهات معلنة، لدى البعض، تروم من الأعمال الدرامية التاريخية الدعوة إلى استعادة التاريخ، كما كان: هناك "في الماضي"، حيث كان المجد والقوة والعدل والسمو.. والسلف العظام.. في مواجهة الراهن، هنا "في الحاضر"، حيث الضعف والتشرذم والاستعباد.. في ثنائية واضحة، تجعل الخيار يتم بين الماضي المجيد، والحاضر التعيس.. مما يقود إلى الانتصار للماضي المجيد، والسعي إلى استعادته، والنفور من الحاضر..
كما يمكن الحديث عن توجّهات مضمرة، لدى البعض الآخر، مفادها أن قراءة التاريخ، وفضحه، من خلال العمل على تفكيك هيبته، ونزع رصانته، وفض اشتباكاته، ينبغي أن يؤدي إلى التخلّص من ثقله، ومن أعبائه!.. وبالتالي يرى "هذا البعض" أن الانطلاق إلى المستقبل لن يتم إلا عبر التخلّص من رزء التاريخ، والإنفلات من أسره، وإعادة شخصياته الكبرى إلى واقعها التاريخي، ليكون محلها في "ذمة التاريخ"، لا أكثر، ولا أقل!..
* بين التاريخي والديني
ثمة فرق بائن ما بين "الدراما التاريخية" و"الدراما الدينية"، دون أدنى شك. "الدراما التاريخية"، تعريفاً، هي تلك الدراما تتعامل مع الوقائع والأحداث والشخصيات التاريخية، عموماً، بما فيها الدينية.. أما "الدراما الدينية"، فهي تلك التي تتصل بالوقائع والأحداث والشخصيات الدينية، حصراً. وهذا يعني أن "الدراما التاريخية" هي أوسع وأشمل من "الدراما الدينية" التي تتصل، في منطقتنا على الأقل، بالأديان السماوية الثلاثة..
وطبعاً، من الصعب الفصل الحاد بين "الدراما التاريخية" و"الدراما الدينية"، والقطع بينهما، تماماً، وذلك على اعتبار أن الدين هو أحد المحركات الكبرى في التاريخ البشري. وهذا ما يجعلنا نرى أن في كل حدث تاريخي، مؤثراً دينياً، من طراز ما، وبقدر ما.. كما نرى أن في الكثير مما هو ديني، بعداً تاريخياً..
* محاكاة وإسقاط!
في الأعمال الأدبية، كما في الأعمال الفنية، التي تسعى إلى تناول مرحلة تاريخية ما، خاصة تلك المراحل المنصرمة، القريبة أو البعيدة، يبدو من المهم الانتباه إلى "سؤال المحاكاة"، الذي يصل بتلك الأعمال إلى وهم السعي إلى "حدّ المطابقة"، إزاء "أو بمواجهة" تلك الأعمال التي تسعى إلى "سؤال المفارقة"، الذي يصل إلى حدّ المغايرة، والإحالة، والدلالة، والترميز!..
الأصل في الأعمال التي تتناول الوقائع، والأحداث، والشخصيات التاريخية، أنها تسعى لتحقيق "المحاكاة" أولاً، بالقدر الذي يمكّنها من أن تجيب من خلالها عن "سؤال المحاكاة"، بداية، وصولاً إلى "حدّ المطابقة"!.. بمعنى محاولة الإجابة عن سؤال: إلى أيّ قدر كانت هذه الواقعة، أو هذا الحدث، أو هذه الشخصية، لها علاقة بما نقول؟..
وإلى أي حدّ يمكن لما نقوله أن يكون على علاقة بالواقع، كما كان، وبالحدث كما تم؟.. وبالتالي فإن العمل الذي يسعى إلى "المحاكاة"، أولاً، هو العمل الذي يسعى إلى "المطابقة"، تالياً، في مجال التفاصيل جميعها، بدءاً من التفاصيل الشكلية، إلى التفاصيل النفسية، إلى المواقف، وردود الأفعال، وكل ما يتعلق بذلك..
في الأعمال التي تريد "محاكاة الواقع"، لا يمكن أن يتمّ التغاضي عن أي تفصيل، مهما كان صغيراً، ومهما كان عابراً، لا على المستوى الفيزيولوجي، ولا على المستوى النفسي، ولا على المستوى الفكري.. بل وليس على صعيد العلاقة بين هذه جميعاً، وتأثيراتها في تكوين الشخصيات، والأحداث، والوقائع..
"المحاكاة" تتطلب الأمانة التاريخية، كما تتطلب المقدرة العلمية، على النفاذ إلى جوهر الأشياء، ودراستها، وربطها بغيرها من التفاصيل، للحدث، أو بالتكوين العام للشخصية.. فعندما يريد هذا العمل، أو ذاك، تناول مرحلة تاريخية ما، أو شخصية ما، فإنه يسعى إلى اكتشاف ما يمكنه من التفاصيل المكونة لهذا العصر، أو الشخصية، على المستويات كافة، ويكون هاجسه أن يحقق كل ذلك، ويقدمه..
أما "الإسقاط التاريخي" فتعتبر من أكثر المهمات شيوعاً في التعامل مع الموضوعات التاريخية، وذلك بسبب قناعة سائدة لدى العديد مفادها أن "التاريخ يعيد نفسه"!..
أصحاب هذه الرؤية يريدون القول إنّما جرى من قبل، دروساً، وعظات، لمن يريد أن يفهم، ويتعظ.. ويتبنون القول إن التاريخ في سياقاته التي مضت، هو عبارة عن دروس، يمكن أن تكون بمثابة أجراس تنبيه للغافلين، وإشارات واضحة للتائهين..
وهكذا، فإن من يصنعون الأعمال الدرامية التاريخية، في سياق "الإسقاط التاريخي"، إنما يريدون الخلاص إلى الدرس المُستفاد من أحداث التاريخ، ووقائعه، وشخصياته.. دون الاهتمام تماماً بمسائل التماثل، أو المطابقة، إذ يكتفون بالتركيز على العبرة، ووضع المشاهد أمامها، وجعله يتناولها..
في الأعمال التي تروم "الإسقاط التاريخي"، ليس من المهم تناول الموضوعات التاريخية بتشابكها، وجدلها، وتفاعلها.. بل يتمّ التركيز على دلالتها، وعلى معناها.. هكذا يصبح هذا نموذجاً للبطولة والفداء، وذاك مثالاً للعطاء، وآخر للبذل، أو الخيانة.. دون النظر في تفصيل هذا وذاك والآخر، التي صارت فيما بعد.. وبالتالي فإنهم يعفون أنفسهم من الدخول في مسائل التاريخ وتشابكاته، وتعقيداته..
في أعمال "الإسقاط التاريخي"، لا نرى من الناصر "صلاح الدين" الأيوبي، إلا صورته في إهاب المنتصر على الفرنجة في حطين، وتحرير القدس، ولا نرى من "الظاهر بيبرس" البندقداري، إلا المنتصر في "عين جالوت".. وفي النهاية، يتم الإيحاء بأننا نحتاج طراز أيّ منهما.. لننهض من جديد!..
ربما من المهم القول إن الأعمال الدرامية، على تنوعها، وعلى مختلف إشكالياتها، استطاعت أن تقوم بمهمة فتح الأبواب على الكثير من المسكوت عنه. الدراما فتحت المجال لتناول العديد من الوقائع، والأحداث، والشخصيات، الإشكالية، أو القلقة..
الدراما فتحت الباب أمام التفكير في تناول المُتوافق عليه، على الرغم مما فيه مما يمكن أن يُقال.. والأهم من هذا وذاك أن الدراما العربية تقوم بحرث الأرض أمام السينما العربية حتى لا تكاد تترك لها شيئا.
بشار إبراهيم
المصدر: العرب أون لاين
إضافة تعليق جديد