الدبلوماسية الأميركية العامة
العرض الحالي يتناول نتائج أحدث تقارير مكتب المحاسبة الأميركي عن جهود الولايات المتحدة لتحسين صورتها في العالم الإسلامي الصادر في أوائل مايو/أيار 2006.
أهمية التقرير ترجع لعدة أسباب يأتي على رأسها أنه صادر عن مكتب المحاسبة الأميركي، وهو هيئة أميركية فدرالية مستقلة عن الحكومة وتعمل بالأساس كأداة في يد الكونغرس الأميركي لتقييم برامج السلطة التنفيذية لتحديد ما إذا كانت تلك البرامج تصب في الأهداف التي صممت من أجل تحقيقها وما إذا كانت برامج ناجحة أو غير ذلك.
صدور التقرير عن هيئة فدرالية يعطيه مسحة مصداقية وموضوعية في ظل ما يحتويه من تقييم ونقد لجهود الخارجية الأميركية في مجال الدبلوماسية العامة، خاصة أن القائمين على إعداد التقرير أكدوا خلاله أنهم سمحوا لمسؤولي الخارجية بالاطلاع على تقريرهم والتعليق عليه خلال فترة إعداده.
السبب الثاني هو موضوع التقرير المعني بجهود أميركا لتحسين صورتها في العالم الإسلامي بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001، وهي قضية حازت على اهتمام كبير ومستمر خلال السنوات الأخيرة.
والثالث هو أن التقرير يقدم وصفا علميا دقيقا لحملات الخارجية الأميركية لتحسين صورة الولايات المتحدة في العالم الإسلامي، مستفيدا من الأفكار التي يقدمها حقل العلاقات العامة في هذا المجال، ومن جهود القطاع الأميركي الخاص في مجال الدعاية والإعلان والعلاقات العامة.
لذا يشعر التقرير قارءه بالجهود المختلفة التي يبذلها المسؤولون الأميركيون لتحسين صورة بلدهم في العالم الإسلامي، وبسعي هؤلاء المسؤولين لبناء جهودهم على أسس علمية وعملية صحيحة، وبرغبة الكونغرس في التأكد من أن الدبلوماسية الأميركية العامة تسير في الطريق الصحيح.
وهو كذلك ينبه إلى التحديات الضخمة التي تواجه الحملة الأميركية وأي حملة مماثلة بحكم ضخامة أهداف تلك الحملة لكونها تسعى لتحسين صورة أميركا في 58 دولة عبر العالم –هي مجموع دول العالم الإسلامي– وذلك في ظروف سياسية دولية لا تخلو من تحديات.
من المعروف أن وزارة الخارجية الأميركية ليست الجهة الوحيدة المسؤولة عن تحسين صورة أميركا في العالم، فبرامج الدبلوماسية العامة وتحسين الصورة موجودة في وزارات وهيئات أميركية أخرى من بينها وزارة الدفاع، ومجلس أمناء الإذاعات ومنه تسير محطة سوا وتلفزيون الحرة الأميركيان، والوكالة الأميركية للتنمية الدولية.
ويقول التقرير إن الخارجية الأميركية ومجلس أمناء الإذاعات يحوزان معا على الجانب الأكبر من ميزانية أميركا لتحسين صورتها عبر العالم، إذ يستحوذان معا على 1.2 بليون دولار أميركي، تحصل منها الخارجية الأميركية على 597 مليونا وفقا لميزانية عام 2005.
وقد ذهب 356 مليونا من ميزانية الخارجية الأميركية لبرامج التبادل الثقافي الذي يشمل استقدام زوار وأكاديميين أجانب لأميركا وتعليم الإنجليزية لغير الأميركيين.
كما أنفقت الخارجية الأميركية 68 مليون دولار على برامج معلوماتية تهدف إلى توفير مزيد من المعلومات عن أميركا لشعوب العالم من خلال مواقع الإنترنت ونشر المكتبات أو الزوايا الأميركية عبر العالم.
أما بقية ميزانية الخارجية الأميركية فتذهب إلى رواتب موظفي الدبلوماسية العامة الأميركيين المنتشرين في البعثات الدبلوماسية الأميركية عبر العالم.
وهنا يتضح أن هدف التقرير هو تقييم برامج الخارجية الأميركية في مجال الدبلوماسية العامة الموجهة إلى العالم الإسلامي، وأنه لا يهدف إلى تقييم السياسة الخارجية الأميركية بشكل عام أو تقييم أثر السياسة الخارجية الأميركية على صورة أميركا.
كما لا يهدف إلى تقييم برامج الدبلوماسية العامة التي تقوم بها وزارات أو هيئات أميركية أخرى غير الخارجية الأميركية.
فالتقرير ينظر بالأساس إلى حملة العلاقات العامة التي تديرها الخارجية الأميركية من خلال برامج الدبلوماسية العامة لتحسين صورة الولايات المتحدة في دول العالم الإسلامي، ويحاول تقييم هذه الحملة من منظور الحملات التي تديرها الهيئات والشركات الأميركية الخاصة لتحسين صورتها في الأسواق الأميركية والدولية.
ولتحقيق هذا الهدف قام المسؤولون عن إعداد التقرير بإجراء مقابلات مفصلة مع مسؤولي الخارجية الأميركية بواشنطن، كما عقدوا حلقات نقاش شارك فيها خبراء مسلمون وأميركيون في مجال الدبلوماسية العامة وتحسين الصورة.
وسافر معدو التقرير إلى ثلاث دول إسلامية هي مصر وباكستان ونيجيريا حيث قابلوا مسؤولي الدبلوماسية العامة بالسفارات الأميركية للاطلاع عن قرب على ما يدور على أرض الواقع، كما أجروا اتصالات عبر الهاتف بمسؤولي الدبلوماسية العامة بسفارتي أميركا في إندونيسيا وتركيا، إضافة إلى تحليل ما أنتج من الجهات الأميركية الرسمية والأكاديمية من تقارير تحلل برامج الدبلوماسية العامة الأميركية.
هذا كله تم للتأكد من أنهم ينتجون تقريرا علميا يكشف ما يدور بواشنطن وبالبعثات الدبلوماسية عبر العالم الإسلامي وبما توصل إليه البحث العلمي وجهود القطاع الخاص من نتائج وأفكار حديثة بخصوص موضوع تقريرهم.
يؤكد التقرير في أجزاء متفرقة منه اهتمام كبار مسؤولي الخارجية الأميركية، وعلى رأسهم وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس ومساعدتها لشؤون الدبلوماسية العامة كارين هيوز، ببرامج الدبلوماسية العامة وبجهود أميركا لتحسين صورتها في العالم الإسلامي.
وفي هذا الإطار قامت رايس بإعادة توزيع الدبلوماسيين الأميركيين حول العالم بهدف زيادة عددهم في العالم الإسلامي.
أما كارين هيوز –وهي مستشارة سابقة للرئيس الأميركي– فجاء تعيينها كمسؤولة عن برامج الدبلوماسية العامة كعلامة على حرص الإدارة على هذه البرامج، وقد أعطت هيوز لبرامج الدبلوماسية العامة مسحة من الاهتمام والحرص على النجاح.
وقد زاد الإنفاق على برامج الدبلوماسية العامة الأميركية بنسبة 21% بين عامي 2004 و2006، وذهبت النسبة الأكبر من هذه الزيادة إلى البرامج الموجهة للعالم الإسلامي.
على الجانب الآخر يوضح التقرير أن جهود أميركا لتحسين صورتها في العالم الإسلامي تواجه تحديات كبيرة لنوعين من الأسباب، النوع الأول خارج عن إرادة القائمين على برامج الدبلوماسية العامة الأميركية وهو أن خططهم ومبادراتهم تحتاج لفترة طويلة من التطبيق قبل أن تؤتي ثمارها.
كما أنهم يدفعون ثمن برامج ورؤى دبلوماسية وضعت في الماضي، ففي أواخر التسعينيات قامت الحكومة الأميركية بتقليل أهمية ودور برامج الدبلوماسية العامة، وذلك بدمج الهيئة الأميركية للمعلومات بالخارجية الأميركية.
وكانت هذه الهيئة ذات خبرة واسعة في مجال الدبلوماسية العامة خلال الحرب الباردة وكانت لديها خطط ورؤى مفصلة، ولكن الإدارات الأميركية السابقة رأت أن انتصار أميركا في الحرب الباردة قلل من الحاجة إلى جهود الهيئة فتم دمجها في وزارة الخارجية وتم التقليل من أهميتها وإضعاف تراثها.
ومن بين هذه التحديات كذلك عدم تمكن الدبلوماسيين الأميركيين من لغات العالم الإسلامي، إذ يشير التقرير إلى أن 30% من مناصب الدبلوماسية العامة في العالم الإسلامي يشغلها موظفون لا يمتلكون القدرات اللغوية المناسبة، كما أن طول مدة بعثات الدبلوماسيين الأميركيين هناك تقل في المتوسط عن طولها في دول العالم الأخرى، مما يضعف قدرة الدبلوماسي الأميركي على فهم ثقافة البلد المسلم الذي يعمل فيه وفهم كيفية التواصل مع شعب ذلك البلد.
كما يشير إلى ضعف إقبال الدبلوماسيين الأميركيين على الخدمة في بلدان العالم الإسلامي مقارنة بدول العالم الأخرى، ويشير أيضا إلى المخاوف الأمنية التي تحول بعض السفارات الأميركية في بعض بلدان العالم إلى قلاع يصعب الوصول إليها بدلا من أن تكون أبوابها مفتوحة ترحب بالجميع.
الجزء الثاني من التحديات التي تواجه برامج الدبلوماسية العامة الأميركية بمتناول أيدي القائمين على تلك البرامج، ولكنهم عجزوا نسبيا عن تحقيقه، وهو جزء يتعلق بخطة تحسين الصورة الأميركية في العالم الإسلامي وعناصرها وأسلوب تطبيقها.
وهنا يشير التقرير إلى أن أي خطة علاقات عامة ودعاية ناجحة لابد أن تتكون من عناصر خمسة رئيسية، وهي: تحديد هدف الإستراتيجية ورسالتها والرسائل الإعلامية التي تريد إيصالها للجمهور المستهدف، وتحديد الجمهور المستهدف بقطاعاته وفئاته المختلفة، وتطوير إستراتيجية مفصلة تحدد سبل الوصول إلى الجمهور المستهدف وإقناعه برسالة الحملة.
يضاف إلى ذلك تطوير خطط مفصلة تضم أهداف الإستراتيجية وجمهورها ورسائلها وتطبيق هذه الخطة بشكل محدد على كل بلد مستهدف، ووجود آلية لمراقبة تطبيق الخطة وتقييمها وتطويرها في المستقبل بناء على هذا التقييم.
وبناء على العناصر السابقة يبدأ التقرير في نقد جهود الدبلوماسية العامة الأميركية القائمة بشكل مفصل، فعلى مستوى هدف الإستراتيجية ورسالتها يقول إن مسؤولي الدبلوماسية العامة بالبعثات الأميركية في العالم الإسلامي لم تصلهم من واشنطن إستراتيجيات ذات أهداف محددة واضحة، فعادة ما يطلب منهم الحرص على تحسين صورة أميركا والتواصل مع أبناء الشعوب المسلمة بشكل عام دون توضيح المقصود بذلك.
فيما يتعلق بالجمهور المستهدف ينصح التقرير بالتركيز في جهود الدبلوماسية العامة على الوصول إلى صناع الرأي العام بالعالم الإسلامي نظرا لضعف الموارد وعدم القدرة على القيام بحملات منظمة تهدف إلى الوصول إلى قطاعات واسعة من الشعوب المسلمة.
ويشتكي من أن البعثات الدبلوماسية الأميركية ليست لديها دراسات كافية تساعدها على تحديد صناع الرأي العام وفئاتهم المختلفة في البلدان المسلمة.
وفيما يتعلق بالخطط المفصلة يقول إن مسؤولي برامج الدبلوماسية العامة بالسفارات الأميركية في العالم الإسلامي لا يملكون خطط علاقات عامة ودعاية وإعلام مفصلة توضح لهم كيفية التعامل مع صناع الرأي العام بالدول الإسلامية لتحسين مواقفهم تجاه الولايات المتحدة.
ويضيف معدو التقرير أنهم عندما سألوا الدبلوماسيين العاملين بالسفارة الأميركية في نيجيريا عن وجود مثل هذه الخطط أعطوهم ما لديهم، وهي خطة مكونة من صفحتين تشرح هدف الحملة وأساليبها وميزانيتها.
ويفتقر الدبلوماسيون الأميركيون على أرض الواقع للبحث العلمي المفصل الذي يساعدهم على فهم الرأي العام بالعالم الإسلامي وأسباب عدائه للولايات المتحدة والعوامل المؤثرة على نظرتهم لأميركا.
كما يفتقر الدبلوماسيون الأميركيون إلى خطط علاقات عامة مفصلة لكل دولة، مما يمكنهم من فهم ما تعنيه الإستراتيجية الأميركية العامة لتحسين صورة أميركا في العالم بالنسبة للبلد المحدد الذي يعملون فيه.
أخيرا هناك حاجة إلى تشجيع ثقافة تقييم وقياس جهود الدبلوماسية العامة بما يمكن من تقييم هذه الجهود بشكل متواصل حتى يتم تعديلها وتطويرها وفقا لما يجد من أمور وما يظهر من تحديات على أرض الواقع.
الاختلاف أو الاتفاق مع أهداف برامج الدبلوماسية الأميركية العامة وأساليبها وقناعات القائمين عليها لا ينبغي أن يمنع القارئ من تقدير ما يتم على هذا الصعيد وحرص بعض الجهات الأميركية على إنجاح تلك البرامج من خلال جهود عملية وعلمية منظمة.
ونهاية النهاية قد يجد القارئ نفسه مضطرا إلى سؤال نفسه سؤالا هاما وهو لماذا لا يستفيد المسؤولون والمعنيون بالعالم الإسلامي من التقرير في تنظيم حملة مقابلة لتحسين صورة الإسلام والمسلمين في أميركا؟
وهل يستطيع العالم الإسلامي إنتاج تقرير مشابه يقيم جهود تحسين صورة الإسلام والمسلمين في الولايات المتحدة؟
- العنوان: الدبلوماسية الأميركية العامة
- المؤلف: مكتب المحاسبة الأميركية
- عدد الصفحات: 65
- الناشر: مكتب المحاسبة الأميركي، واشنطن
- الطبعة: 3 مايو 2006
علاء بيومي
المصدر : الجزيرة
إضافة تعليق جديد