الحكومة اللبنانية تطير إلى ما بعد باريس
مضى اثنان وأربعون يوما ويبدو أن الحبل على الجرار.. وكل المعطيات تشي بأن التأليف الحكومي في لبنان يحتاج الى أسبوع سابع وربما ثامن وتاسع، الا اذا أتى »المؤلفون« بمعجزة أو سقط عليهم »الوحي« فجأة... من الخارج وحتماً ليس من الداخل... ولكن لا شيء ينبئ أننا نعيش في زمن المعجزات!
وبينما كان اللبنانيون ينتظرون من يزف إليهم خبر اكتمال عقد حكومة الوحدة الوطنية قبل سفر رئيس جمهوريتهم العتيد الى باريس، بما يمهد لإعادة الالتفات الى قضاياهم التي همشت في السنوات الثلاث الأخيرة، عاد شريط الأمن الى الشاشات التلفزيونية، وهذه المرة من التبانة وجبل محسن في طرابلس، الأمر الذي طرح علامات استفهام كبيرة جداً حول الجهة المستفيدة من تأخير ولادة الحكومة ومن افتعال عقبات حقيقية أو وهمية في طريق تأليفها؟
واللافت للانتباه، أنه بينما كان رئيس كتلة المستقبل النائب سعد الحريري يحاول استخدام نفوذه السياسي بوصفه زعيم الموالاة، لتخفيض السقوف والسقوف المضادة داخل فريق الرابع عشر من آذار نفسه، انبرى رئيس الحكومة المكلف فؤاد السنيورة، الى اتخاذ موقف فاجأ المعارضة، وذلك بإعلانه من أمام بوابة القصر الجمهوري أنه لم يحصل على أسماء الوزراء الذين سمّتهم كلهم حتى الآن، نافياً علمه بأن تكون المعارضة قد سمّت علي قانصو (الحزب القومي) للوزارة.
ولم يكد السنيورة يعلن هذا الموقف، حتى انبرت المعارضة الى ابلاغه اسم علي قانصو عن طريق الرئيس نبيه بري أولاً ومن ثم المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله الحاج حسين الخليل، وكان جواب السنيورة للاثنين واحداً: »أنا ما بمشي بعلي قانصو. أنا مش شرابة خُرج. أعطوني اسماً بديلاً له«.. وجاءه الاسم البديل من بري والخليل: »البديل لعلي قانصو هو علي قانصو يا دولة الرئيس«!
وهكذا وجد رئيس الجمهورية ميشال سليمان نفسه معنياً بأن يهتم بالمشاركة في افتتاح فعاليات مهرجان جبيل، ليل أمس، وأن يتابع تفاصيل المناسبة الاجتماعية التي تخص إحدى كريماته، قبل أن يحزم حقائبه ويتوجه يوم السبت المقبل على متن طائرة خاصة الى باريس للمشاركة في القمة المتوسطية وإجراء لقاءات مع نظيره الفرنسي نيكولا ساركوزي والسوري بشار الأسد وعدد من القادة العرب والأوروبيين.
وحتى ليل أمس كان رئيس الجمهورية يدرس إمكان توجيه رسالة الى المجلس النيابي أو أن يتوجه برسالة مباشرة الى اللبنانيين، عشية رحلته الخارجية الأولى، يصارحهم فيها بما يعتمل في صدره من مشاعر على عتبة منتصف الشهر الثاني لانتخابه، وكيف يضغط الوضع الاقتصادي والاجتماعي على جميع اللبنانيين الذين سئموا من خلافات السياسيين وصاروا يريدون من يهتم بقضاياهم وخبزهم ومائهم وعيشهم الكريم.
وبينما كان رئيس الجمهورية يتابع تفصيلياً، المشاورات الهادفة الى معالجة العقد التي تعترض ولادة الحكومة الأولى للعهد الجديد، كان النائب سعد الحريري يشغل محركاته بعد ساعات قليلة من عودته الى بيروت، حيث أجرى لقاءات مع فريق عمله ثم مع الرئيس المكلف وزار ليلاً قائد »القوات اللبنانية« سمير جعجع في معراب واستقبل رئيس »اللقاء الديموقراطي« النائب وليد جنبلاط ورئيس »التكتل الطرابلسي« الوزير محمد الصفدي والنائب السابق غطاس خوري وعدداً من قيادات الرابع عشر من آذار، ولكن المحصلة لهذه اللقاءات لم تكن في مستوى ما كان يشتهي أن تكون.
فمن جهة، بدا الحريري متفقاً مع الرئيس المكلف على رفض إسناد حقيبة للحزب القومي في الحكومة، »لأن هذه مسألة ما فينا نتحمّلها وهي توازي عودة رستم غزالة الى بيروت«، كما قال أحد المقربين من الحريري، ومن جهة ثانية، استمرت التباينات حول كيفية مقاربة بعض القضايا العالقة التي وعد الحريري بالسعي الى معالجتها بالمفرق... ولكن النتائج لم تكن مشجعة.
فالوزير جنبلاط أخذ، حسب مصادر في الرابع عشر من آذار، على الحريري أن سوء إدارة فريق الموالاة لملف التأليف الحكومي، جعل المعارضة، وتحديداً ميشال عون، يحصد ما يريد من حقائب وبالتالي تم نقل المشكلة الى داخل فريق الموالاة، بينما كان يمكن أن تدار الأمور بطريقة مختلفة وبدينامية أسرع، معدداً في الوقت نفسه مطالبه ومنها أن تسند الأشغال للوزير غازي العريضي وأن يتم تثبيت الوزير الكاثوليكي نعمة طعمة في المهجرين.
وبدا واضحاً أن جنبلاط يرفع سقف مطالبه لتثبيت الوزير طعمة، الأمر الذي جعل الوزير ميشال فرعون (تيار المستقبل) يتفادى الإجابة على اتصالات المهتمين بمتابعة قضية توزيره، مما أوحى بأن الوجهة العامة هي استبعاده مع ما يمكن أن يؤدي إليه قرار كهذا، من تداعيات على صعيد المعركة الانتخابية المقبلة.
أما الوزير الصفدي، فقد ظل متمسكاً بحقيبة الأشغال، خاصة في ظل حراجة ودقة التوازنات القائمة في الشارع الطرابلسي اليوم، فيما أبلغ قائد »القوات« النائب الحريري أن »القوات« متمسكة بأن تكون حقيبة العدل من
نصيبها، آخذاً على الحريري وعلى رئيس الحكومة المكلف أنهما لا يراعيان حقيقة أن مصدر الأكثرية التي يراهنان عليها في الانتخابات المقبلة، هي الساحة المسيحية وأي تخلّ أو إضعاف لموقعنا يعني توجيه دعوة مفتوحة للمسيحيين للحاق بميشال عون وبالتالي فتح الأبواب أمامه من أجل اكتساح الأقضية المسيحية.
وقد عبر الحريري عن تفهمه لحساسية الوضع المسيحي، وشدد على عدم إفساح المجال أمام من يريد أن يصطاد في الماء العكر، وقال من معراب والسرايا إن »كل الكلام عن وجود تعقيدات وخلافات وعقد وحقائب ومشاكل (ضمن الموالاة)، فهذه أمور مضخمة ولا أساس لها، ونحن في قوى ١٤ آذار دائماً قوى متفاهمة مع بعضها وإن شاء الله في أسرع وقت ممكن كل الكلام الذي تسمعونه بالنسبة لمشاكل أو عقد أو غير ذلك سيكون من الماضي«. ورأى »أن كل هذه الأمور ستحل خلال يومين«.
لكن مصادر »القوات« و»المستقبل« لم تجزم بحصول توافق بين الحريري وجعجع، وقالت إن التشاور مستمر وكل شيء قابل للنقاش والأجواء ايجابية جداً من دون الاتفاق على صيغة محددة، علما أن أوساطاً بارزة في الموالاة، سألت »طالما أن »القوات« مهتمة بالجو المسيحي من اين نبشت اسم ابراهيم النجار للعدلية؟ وما هو المردود الانتخابي لخيار كهذا؟ بينما كان يمكن الإتيان بوزير عدلية من كسروان على سبيل المثال لا الحصر«!
أما رئيس الحكومة المكلف، فقد كانت له أكثر من محطة تشاور ابرزها في القصر الجمهوري، وثانيها عبر الهاتف مع رئيس مجلس النواب، وهو أعرب عن أمله بتشكيل الحكومة قبل سفر رئيس الجمهورية إلى فرنسا. وقال من بعبدا للصحافيين إنه »لا علم لي بمسألة توزير السيد (علي) قانصو، ولم أتسلم من أي احد بشكل رسمي أي اقتراحات اخرى، وهناك اسمان لم أتسلمهما«.
وعلمت »السفير« أن بري وبعد الكلام المسائي للسنيورة من بعبدا، أجرى اتصالا بالرئيس المكلف، مستوضحاً كلامه. وابلغه ما مفاده »لقد سبق وأبلغتك بالاسماء كلها، وقمت بتدوينها خطياً في مفكرتك وأنا دونتها أيضا، وفي اي حال، ومنعاً لأي التباس، أعود وأبلغك بالأسماء ذاتها بالنيابة عن »حزب الله«، اي محمد فنيش للعمل، علي قانصو لوزارة الشباب والرياضة وطلال ارسلان«.
ورد السنيورة على بري أنه تعمد أن يقول إنه لم يتبلغ حتى تعيد المعارضة النظر في قرارها (تسمية قانصو)... فقد أبلغتك في حينه أنني متحفظ، وفي كل الأحوال دع »حزب الله« يبلغني قراره مباشرة.
وبعد أخذ ورد بين الاثنين، قال بري للسنيورة إن »حزب الله« سيبلغه بالأسماء رسمياً، وبعد وقت قصير من هذا الاتصال، أجرى المعاون السياسي للأمين العام لـ»حزب الله« الحاج حسين الخليل اتصالاً برئيس الحكومة المكلف، وقال له »دولة الرئيس أبلغناك أنا والحاج وفيق صفا يوم السبت الماضي أن الرئيس نبيه بري سيبلغك بأسماء من يرشحهم »حزب الله«.. وهكذا كان عندما قمت دولتك بزيارة عين التينة. وقد أبلغنا الرئيس بري أنه أبلغك بالأسماء الثلاثة وفي كل الأحوال ومنعاً لأي التباس، أكرر الأسماء (فنيش وقانصو وأرسلان)«.
ورد رئيس الحكومة المكلف على الخليل أنه يرفض توزير قانصو وانه لا يمكن أن يسير باقتراح كهذا، مردداً أكثر من مرة أنه من حقه كرئيس حكومة مكلف أن يكون له رأيه بالوزراء المقترحين من الجميع... ورد عليه الخليل متمسكاً الاقتراح ومردداً على مسمعه أكثر من مرة »خير إن شاء الله يا دولة الرئيس«.
وفهم من أوساط السنيورة، ان المسألة أكثر من تحفظ على قانصو، مشيرة الى ان الرئيس المكلف لا يستطيع التعايش معه، بالنظر الى ما يمثل الحزب القومي ودوره مؤخراً وفي الفترة الماضية، وأيضاً نظراً للتاريخ السلبي المشترك بين السنيورة وقانصو، وخصوصاً أيام كانا ضمن وزارة واحدة. وقالت الأوساط نفسها إن السنيورة ابلغ تحفظه، او بالأحرى رفضه إشراك قانصو في الحكومة، لكل من رئيس الجمهورية ميشال سليمان وكذلك للرئيس بري وقيادة »حزب الله«. وعكست هذه الأوساط أجواء مفادها ان السنيورة »لا يستطيع ان يمشي بحكومة فيها علي قانصو«.
وأكدت الأوساط نفسها ان لا عقد مستعصية في جانب الموالاة، وحسب نتائج اتصالات الرئيس المكلف، لم تعد هناك عقد كبيرة ضمن فريق ١٤ آذار، »فقد أمكن تذليل معظمها... والمتبقية لن تتحول الى مشاكل مستعصية ولكن تحتاج الى وقت ربما لا يتعدى اليومين أو ثلاثة أيام«.
إلا أن مصادر قيادية بارزة في المعارضة وصفت إثارة قضية توزير قانصو، بأنها محاولة واضحة لتغطية الخلافات داخل الموالاة، وفي الوقت نفسه، تعبّر عن نَفَس سياسي موجود في السرايا الكبيرة، حول عدم استعجال تأليف الحكومة قبل توجه الرئيس السوري بشار الأسد الى فرنسا.
ووضعت المصادر نفسها، لجوء السنيورة إلى وضع »فيتو« على توزير قانصو في خانة تقصّد افتعال مشكلة جديدة من خلال رمي المسؤولية التعطلية على المعارضة، فيما قالت أوساط مقربة من الرئيس بري إن هذا الأمر يشكل محاولة لنسف اتفاق الدوحة ومنطق تشكيل حكومة وحدة ومصالحة وطنية، يسمي فيها الأطراف من يمثلهم دون تدخل او »فيتو« من الطرف الآخر، فاتفاق الدوحة قال بتسمية ١١ وزيراً للمعارضة و١٦ وزيراً للموالاة، ولم يحدد الحزب أو الطائفة أو المنطقة أو العرق أو الهوية أو اللون السياسي للوزراء.
وأكدت المصادر القيادية في المعارضة، أن الكرة تبقى في ملعب الموالاة، في ظل إصرار »حزب الله« على تسمية حصته الثلاثية (فنيش وقانصو وارسلان). ومن هنا تبدي المصادر خشيتها من مماطلة كأن هناك محاولة للخروج على اتفاق الدوحة، وبالتالي جعل الأمور مفتوحة على شتى الاحتمالات.
وعلم أن اتصالاً هاتفياً جرى، أمس، بين رئيسي الجمهورية والمجلس النيابي تخلله حديث حول ضرورة ولادة الحكومة قبل سفر الرئيس سليمان الى فرنسا في ١٢ الجاري، ما يضع الجميع أمام المشاركة في تذليل العقد. وعلم ان الرئيس سليمان كان أكثر من متحمس للتعجيل بالحكومة، سيما أن الفراغ الحكومي بات يرتد بنتائج غير مرضية، على معنويات عهد رئاسي لم ينطلق بعد.
إضافة تعليق جديد