الحسكة: ضغوط كردية لإكمال «الفدرلة».. ومفاوضات «تحت النار»

20-08-2016

الحسكة: ضغوط كردية لإكمال «الفدرلة».. ومفاوضات «تحت النار»

في مطلع العام 2016، وخلال مؤتمر صحافي لمندوب سوريا الدائم في الأمم المتحدة ورئيس وفد دمشق التفاوضي إلى جنيف بشار الجعفري، خرج الديبلوماسي السوري بتصريح أثار موجة من ردود الأفعال حول «الطموحات الكردية بإنشاء كيان خاص بهم في سوريا». ردّ الجعفري حينها بأن هذه الطموحات «هي مجرد أوهام» وأنه على «كل شخص يفكر بتقسيم سوريا، ومع كل احترامي أن يتناول حبة بنادول، وعليه أن يتخلص من هذه الأوهام».
كان التصريح حينها صادماً. بعد ثمانية أشهر فقط على هذا التصريح وبعد أن تمكنت القوات الكردية من التمدد في المناطق الشرقية والشمالية الشرقية على حساب تنظيم «داعش» والسيطرة على مناطق على الشريط الحدودي مع تركيا، قاطعة بذلك «خطوط أنقرة الحمراء» بالسيطرة على منبج، جاء الصدام الأخير بين الأكراد والجيش السوري في مدينة الحسكة كتحصيل حاصل لجميع التطورات الأخيرة، والتي تهدف الى تشكيل كيان كردي مستقل داخل الأراضي السورية ضمن نظام «الفيدرالية»، ليبرز من جديد الردّ السوري الصادم عبر شنّ غارات على مواقع كردية في الحسكة.
ما سبق هو خلاصة سلسلة تصريحات عسكرية وحكومية سورية في مدينة الحسكة، أكدت  أن سبب الاشتباكات الحالية في الحسكة يعود إلى المشروع الذي يطمح الأكراد إلى تنفيذه. وذكر مصدر مطلع أنه ومع ارتفاع مستوى الحساسية بين القوات الكردية وقوات الدفاع الوطني في المدينة الأسبوع الماضي، تقدم الأكراد بطلب للقاء مسؤول قيادي سوري للتوصل إلى اتفاق. ورد المسؤول السوري حينها بأن محافظ الحسكة يمثل الرئيس بشار الأسد في المحافظة، وبأنه مخوّل للجلوس على طاولة المفاوضات ولا حاجة لمسؤولين آخرين. واجتمع محافظ الحسكة محمد زعال العلي مع الوفد الكردي، تقدم الوفد بورقة تتضمن 11 بنداً يمكن تلخيصها بثلاثة أمور «حل قوات الدفاع الوطني وجميع التشكيلات الأخرى الرديفة للجيش السوري في الحسكة بما فيها قوات الدفاع الذاتي، وسحب جميع القطع العسكرية الموجودة (4 قطع عسكرية موجودة في الحسكة) وتسليم المقار الأمنية وقيادة الشرطة، بالإضافة إلى الاعتراف بالفيدرالية الكردية مقابل تقديم ضمانات بعدم الانفصال، وبالحفاظ على المقرات الحكومية السورية وتسيير شؤون المدينة»، ردّ المحافظ بالرفض بشكل نهائي على جميع هذه المقترحات لينتهي الاجتماع بخروج الوفد غاضباً، وفق المصدر.
ساعات قليلة على انتهاء الاجتماع بدأ بعدها الأكراد بشنّ هجمات على نقاط الجيش السوري وقطع الطريق على إحدى القطع العسكرية بهدف محاصرتها، ردّت دمشق فوراً بقصف ثلاثة مقار كردية بينها أحد مقار التجنيد التابعة لقوات الأسايش (قوات الأمن الداخلي التابعة لحزب الاتحاد الديموقراطي الكردي).
الردّ السوري القاسي قوبل فوراً باتصالات كردية مع القيادات الأمنية في دمشق، وطلب هدنة ووقف للأعمال القتالية، وطلب لقاء على مستويات عليا، تم تشكيل وفد كردي وهو يزور دمشق في الوقت الحالي.
على الرغم من وجود الوفد الكردي في دمشق، تابعت قوات «الأسايش» الكردية شنّ هجمات على مواقع الجيش السوري وقوات الدفاع الوطني، وأغارت الطائرات الحربية السورية من جديد على مواقع للأكراد، صباحاً، وعصر الجمعة، ومع حلول المساء. ويؤكد مصدر عسكري سوري أن الأكراد لم يتمكنوا من تحقيق أي تقدم في مدينة الحسكة رغم الزخم الإعلامي المرافق لهجماتهم، مشدداً على أن قوات الجيش السوري وقوات الدفاع الوطني ما زالت في مكانها.
وخرج بيان رسمي صادر عن الجيش السوري مساء الجمعة ليؤكد استمرار العمليات العسكرية ضد «الأسايش» محمّلا «الأسايش وحدهم مسؤولية هذه السلوكيات» بعد أن قاموا «بتطويق الحسكة واستهداف مواقع الجيش والمدنيين بالدبابات»، عازلا بذلك بقية الأحزاب والقوى السياسية الكردية من دائرة الاتهام. كذلك ربط بيان الجيش السوري بين»الأسايش» و«حزب العمال الكردستاني»، مؤكداً «استمرار عمليات التصدي لهذه الاعتداءات»، ما يعني أن العملية التفاوضية فشلت في شقها المتعلق بـ «الأسايش» تحديداً، مع ترك الباب مفتوحاً لاستكمال التفاوض مع بقية الأحزاب والقوى السياسية الكردية.
بيان الجيش السوري الذي عزل «الأسايش» عن بقية المكونات العسكرية الكردية، يتقاطع مع تصريح لمصدر كردي أشار إلى أن من يقود العمليات على الأرض هم قياديون أكراد قادمون من جبل قنديل، وهم متعصبون ويريدون استكمال المشروع الفيدرالي بأسرع وقت، خصوصاً مع ارتفاع منسوب الحساسية العربية ـ الكردية في الحسكة، وارتباطها بشق تاريخي يعود إلى العام 2004. ويأتي البيان الذي أصدره «المجلس الوطني الكردي» المطالب بوقف فوري لجميع عمليات الاقتتال ليظهر حقيقة الخلاف الكردي ـ الكردي السياسي، وفيما يتعلق بالحسكة بشكل خاص. وقال «المجلس» في بيانه الذي أصدره الجمعة « نطالب بالوقف الفوري للقتال بين جميع الأطراف وندعو الشعب الكردي في الحسكة إلى الصمود قدر المستطاع، وعدم ترك الديار وإفراغ المناطق الكردية»، وتابع «ندعو إلى وحدة الموقف والصف، مع التأكيد على الدخول الفوري لبيشمركة كردستان (قوات روج) بعد التنسيق والترتيب مع الجهات المعنية للدفاع عن جميع مكونات المنطقة من عرب وكرد وكلدو آشور السريان، ضد القوى الظلامية والإرهاب للحد من صلف النظام وعنجهيته تجاه مكونات المنطقة قديماً وحديثاً».
بالتزامن مع وجود الوفد الكردي في دمشق، توجه وفد عشائري من مدينة الحسكة إلى قيادة القوات الكردية في مدينة عامودا، ضمن محاولات للتوصل إلى اتفاق ينهي التوتر في مدينة الحسكة، خصوصا أن هذه الاشتباكات تسببت بمعاناة إنسانية لمئات العائلات التي نزحت من أحيائها، بالإضافة إلى الضحايا الذين سقطوا جرّاء الاشتباكات والقصف.
في هذا السياق، يرى الباحث والأكاديمي محمد صالح الفتيح أن «مسيرة المفاوضات حتى الآن كانت تنتهي بأن يحصل الأكراد على بعض المكتسبات في تفاصيل ميدانية وخدمية ومالية، مثل تغيير مواقع حواجز وإطلاق سراح موقوفين وصولاً إلى استمرار الحكومة السورية بدفع رواتب الموظفين في المناطق التي تسيطر عليها الآن قوات سوريا الديمقراطية». وتابع «حصل في السابق أن طرح الأكراد شروطاً عالية وتراجعوا عن بعضها، وهذا أسلوب تفاوضي معروف، ولكن الخط البياني العام يظهر أن الأكراد كانوا الرابح الأكبر، أما دمشق فبحسب ما يبدو كانت تشتري الوقت باعتبار أن العديد من المكاسب التي انتزعها الأكراد هي مكاسب ميدانية وخدمية، أي غير سياسية، لكن لم يتم استثمار هذا الوقت بشكل فعال، وتحديداً عبر تجنيد قوات موالية في محافظة الحسكة، وإحياء التكتلات العشائرية العربية الموالية التي كانت السبب الرئيس في اخماد الانتفاضة الكردية في أذار 2004. اليوم ينتقل الأكراد إلى مطالب سياسية ذات سقف مرتفع والمرجح أن ترفضها دمشق ولكن تبقى خيارات دمشق البديلة غير واضحة تماماً».
صمت روسي  وتدخل أميركي محدود
 مع استمرار التوتر في الحسكة، تبقى حركة الطيران في مطار القامشلي المحاذي طبيعية، كما تعيش المدينة حياة هادئة بعيدة عن أية توترات، خصوصاً مع تواجد لخبراء عسكريين روس في مطار القامشلي مقرون بصمت من موسكو تجاه هذه التطورات، في حين ردت الولايات المتحدة بتدخل محدود «لضمان عدم استهداف مواقع تواجد القوات الاميركية». ونقلت «سي إن إن» عن مسؤول في وزارة الدفاع الأميركية قوله ان» الغارات السورية غير عادية ووقعت على مقربة من أماكن تواجد قوات أميركية»، مشيراً إلى 300 عنصر من القوات الخاصة التابعة للجيش الأميركي في سوريا موجودة هناك لتقديم الدعم لقوات «سوريا الديموقراطية».
وفي وقت ربط فيه بعض المحللين بين التحركات الكردية الأخيرة ومساعي واشنطن في سوريا، رأى الباحث السوري الفتيح أنه «لا معلومات تؤكد أن التحرك الكردي جاء بطلب أميركي، ولكن في التحليل من الواضح أن مسار الأحداث، التوجه نحو التهدئة في أعقاب اليوم الأول من القصف الجوي والأنباء عن زيارة ريدور خليل لدمشق الناطق باسم قوات سوريا الديموقراطية، ثم العودة إلى التصعيد وخروج تصريحات نارية من ريدور خليل نفسه، تدفع للاعتقاد بأن هناك من يدفع باتجاه التصعيد وأن احتواء الأمر عبر اتفاق تهدئة جديد قد يكون صعباً هذه المرة».

علاء حلبي

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...