التحولات النوعية الجديدة في المسرح الأفغاني

19-01-2010

التحولات النوعية الجديدة في المسرح الأفغاني

الجمل: شنت حركة طالبان الأفغانية هجوما جريئا داخل العاصمة كابول, استهدفت هذه المرة, ليس مجرد إلحاق الأضرار بالمنشآت والأفراد, وإنما العديد من الأبعاد الإضافية المتعلقة بقدرات خصوم طالبان, المادية والرمزية, فما هي تداعيات هذا الهجوم, وما هو سيناريو الصراع الأفغاني في مرحلة ما بعد الهجوم؟
التطورات الميدانية الجديدة:
مع إطلالة صباح يوم أمس الاثنين تمكنت مجموعة من الانتحاريين التابعة لحركة طالبان الباكستانية من الدخول إلى عمق العاصمة السياسية كابول, وعلى حد وصف المراقبين والخبراء, فإن المنطقة التي استهدفها الهجوم تمثل على أساس كل الاعتبارات ما يمكن وصفه بـ «المنطقة الخضراء الأفغانية». وذلك لجهة التماثل والتطابق الأمني-العسكري-السياسي بينها وبين "المنطقة الخضراء العراقية". هذا وقد استطاعت عناصر حركة طالبان الأفغانية صباح يوم الأمس من شن الهجوم ضد العديد من المنشآت السياسية الرسمية, ومن أبرزها:
•البنك المركزي الأفغاني.أفغانستان
•وزارة العدل الأفغانية.
•وزارة التعدين.
•المقر الإداري الرئاسي.
•المراكز التجارية الرئيسية.
•بعض الدوائر الحكومية الرسمية.
•بعض المناطق والمباني المجاورة للقصر الرئاسي.
أكدت المعلومات والتقارير التي استندت على إفادات شهود عيان, بأن 20 عنصر مسلح من حركة طالبان قد تمكنوا من التسلل إلى داخل وسط العاصمة الأفغانية كابول, وكانوا يستقلون عربات مدرعة إضافة إلى سيارة إسعاف, واستطاعوا التفرق والتوزع في داخل منطقة وسط كابول حيث المنشآت والمباني الحساسة, ثم بعد ذلك بدأوا هجومهم الذي تضمن القيام بعمليات إطلاق نار كثيفة, واستخدام القذائف, ثم تفجير السيارات, ثم تنفيذ العديد من التفجيرات الانتحارية.
التطورات الميدانية التي جرت بالأمس تميزت بارتباطها بتطورات ميدانية أخرى في المناطق المجاورة للعاصمة الأفغانية كابول, فقد تمكنت حركة طالبان من نشر عناصرها وقدراتها العسكرية الأخرى, بما أدى إلى إغلاق معظم الطرق التي تربط العاصمة كابول بالمناطق الأفغانية, إضافة إلى جعل الطرق السالكة الأخرى, أكثر خطورة, بحيث لم يعد المرور عبرها سهلا وإنما يتطلب استخدام الأفواج العسكرية المسلحة.
التحولات النوعية الجديدة في المسرح الأفغاني:
تشير تداعيات هجوم طالبان الأخير على العاصمة كابول إلى انتقال العمليات الحربية إلى مستوى نوعي جديد, سوف يترتب عليه تغيير توازنات القوى في جبهة الحرب النفسية, وجبهة الحرب العسكرية, ويمكن الإشارة إلى ذلك على النحو الآتي:
•جبهة المواجهة: خلال فترة ما قبل الهجوم على العاصمة كابول, كانت المواجهة تتم ضمن خطوط جغرافية-عسكرية واضحة, وتحديدا في مناطق الحدود الأفغانية-الباكستانية, وبعض المناطق الريفية, إضافة إلى بعض الممرات الجبلية ذات الأهمية الحيوية بالنسبة لحركة القوات ومرور الإمدادات, ولكن, بعد عملية الاقتحام المسلح الأخيرة للعاصمة كابول, فإن خطوط المواجهة لم تعد تتسم بالتحديد الجغرافي-العسكري, وإنما أصبحت أكثر سيولة, وعلى وجه الخصوص لجهة عدم التحديد, وبالتالي, فإن طالبان تستطيع الهجوم وتنفيذ العمليات ليس في المناطق الريفية النائية والممرات الجبلية, وإنما داخل المباني الحكومية الرسمية الموجودة داخل وسط العاصمة كابول الحساس.الملا محمد عمر
•السبق الاستراتيجي: خلال فترة ما قبل هجوم طالبان الأخير على العاصمة كابول, ظل تحليل الأداء السلوكي الحربي الخاص بالمسرح الأفغاني يشير إلى قيام القوات الأميركية وقوات حلف الناتو والقوات الأخرى الحليفة, بتنفيذ العمليات والهجوم جوا وبرا ضد مناطق تمركز طالبان, وبالمقابل ظلت حركة طالبان تقوم إما بالدفاع عن النفس, أو بالعمليات العسكرية التعرضية التي تهدف إلى إعاقة حركة خصومها في المسرح الحربي الأفغاني, ولكن بعد هذه العملية, فإن الأداء السلوكي للقوات الأميركية, وقوات حلف الناتو وحلفائها يجب أن يتغير باتجاه المزيد من التركيز على العمليات الدفاعية ليس داخل المدن وحسب, وإنما داخل المباني الحكومية نفسها, وذلك لأن حركة طالبان أصبحت أكثر قدرة على الإمساك بزمام المبادرة والسيطرة العملياتية الحربية, عن طريق استخدام المجموعات الصغيرة, والتغلغل تحت غطاء من السرية, ثم توجيه الضربات, وتحقيق المفاجأة العنيفة.
التحولات النوعية الجديدة في المسرح الحربي الأفغاني, سوف تتضمن قدرا كبيرا من تزايد حالات الشكوك واللايقين, إضافة إلى تداخل وتقاطع خطوط المواجهة, إن لم يكن إلغاءها بالكامل, فلا حركات عسكرية متقاربة طالما أن الحركات المتباعدة أصبحت هي السائدة, ونفس الشيء لا حركات عسكرية متباعدة, طالما أن الحركات العسكرية المتقاربة هي السائدة, ونفس الشيء بالنسبة لخطوط الحركات العسكرية الداخلية والخارجية, وبكلمات أخرى, تستطيع الآن حركة طالبان تنفيذ الحركات المتباعدة في مناطق الشمال والجنوب والشرق والغرب الأفغاني, ولكنها في نفس الوقت تقوم "بشكل مباغت" بتنفيذ حركات متقاربة سريعة وتوجيه الضربات المفاجئة, بما يتيح لحركة طالبان تحقيق الالتفاف التكتيكي السريع على الخطوط الداخلية, ضمن انقلاب سريع على حركة خطوطها الخارجية.
التداعيات السياسية لعملية كابول:
تقول المعلومات, بأن هجوم حركة طالبان ضد العاصمة كابول كان يتزامن مع وجود المبعوث الأميركي الخاص لشبه القارة الهندية, ريتشارك هولدروك, ولكنه وبسبب سفره المفاجئ فقد كان الفاصل بينه وبين لحظة وقوع الهجوم بضعة ساعات.
أبرز التداعيات السياسية لعملية كابول تتمثل في الآتي:
•تعزيز قدرة طالبان في كسب تأييد السكان المحليين في العاصمة كابول وبقية المدن الكبيرة, إضافة إلى ردعهم من مغبة دعم حكومة كارازاي المنصبة أميركيا.
•إضعاف موقف الرئيس كارازاي, وحكومته وبرلمانه الجديد, بما يطلق إشارة إلى الرأي العام العالمي والمحلي, مفادها أن نظام حامد كارازاي المنصب أميركيا لم يعد يمتلك القدرة على القيام بأي شيء, بما في ذلك تولي مهام الدفاع عن وسط العاصمة كابول حيث توجد منشآت النظام الأساسية.
•تصعيد الخلافات داخل الولايات المتحدة, وعلى وجه الخصوص بين معسكر القائلين بأن الحرب الأفغانية تمض لصالح القوات الأميركية, ومعسكر القائلين بأن كسب أميركا لهذه الحرب غير ممكن من الناحية العسكرية والسياسية.
•تصعيد الخلافات بين أميركا وبلدان حلف الناتو, وعلى وجه الخصوص الخلافات الدائرة بسبب مطالبة بعض بلدان حلف الناتو إزاء ضرورة أن يتم وضع جدول زمني لسحب قوات الناتو من المسرح الأفغاني.
•تصعيد الخلافات داخل بلدان حلف الناتو المشاركة في الحرب, وعلى وجه الخصوص بين شرائح الرأي العام الرافضة للحرب والحكومات التي تزعم بإمكانية تحقيق النجاح من خلال استمرار التواجد في أفغانستان.
•تقويض بنود جدول أعمال إعادة إعمار أفغانستان, وذلك لأن تكثيف الهجمات ضد العاصمة كابول, سوف يجعل المانحين يمتنعون عن تقديم الدعم المالي لبرامج إعادة الإعمار.
درجت حركة طالبان على تصعيد عملياتها العسكرية خلال فترة فصل الصيف ووقف هذه العمليات خلال فصل الشتاء الأفغاني الذي يتميز بالبرد القارص والثلوج الكثيفة, ولكن, هذه المرة فقد هاجمت طالبان في قمة فصل الشتاء, وتأسيسا على ذلك, فإن المزيد من الهجمات والعمليات العسكرية الشتوية معناه بالنسبة لواشنطن وبلدان الناتو المزيد من النفقات والخسائر, الأمر الذي بلا شك سوف يضيف أكثر فأكثر إلى ضغوط ميزانياتها المرهقة أصلا بفعل تأثيرات الأزمة المالية, وأيضا الضغوط على حكوماتها بواسطة الرأي العام الذي أصبح أكثر معارضة لمخططات توسيع وتصعيد مشروع الحرب ضد الإرهاب.
استمر هجوم طالبان ضد العاصمة كابول من ساعات الصباح الباكر, وحتى الرابعة مساءا. وتقول المعلومات بأن أولى ردود الفعل الأميركية تمثلت في بروز بعض الأصوات الأميركية, التي أكدت بان هجوم طالبان المباغت هو دليل على قيام الإدارة الأميركية والبنتاغون والجنرال ماكريستال قائد القوات الأميركية في أفغانستان بتضليل الكونغرس والرأي العام الأميركي والعالمي بأن الأوضاع قد بدأت تتحسن في أفغانستان, وطالبت هذه الأصوات بوقف عملية إرسال ال30 ألف جندي أميركي الإضافيين لأفغانستان, إضافة إلى ضرورة وضع جدول زمني للانسحاب إضافة إلى ضرورة السعي من أجل التفاوض مع حركة طالبان, طالما أنها ليس تنظيم القاعدة المعني بمشروع الحرب الأميركية ضد الإرهاب.

 


الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...