اكتشاف نقد ذهبي للاسكندر المقدوني في جبلة
لقى أثرية فريدة ومتميزة مكتشفة في مدافن الجبيبات بجبلة تنضم الى قافلة الكنوز والنفائس الأثرية التي تطالعنا بها البعثات التنقيبية العاملة على امتداد أرض مهد الحضارات سورية.
فماذا عن هذا الكشف الأثري الجديد وأهميته التاريخية الذي أعلن عنه الباحث /مسعود بدوي/ ,رئيس شعبة التنقيب بدائرة آثار جبلة, في لقائه مع المهتمين مؤخرا في جمعية العاديات -فرع جبلة وكان اللقاء تحت عنوان : (مكتشفات أثرية جديدة في مدافن الجبيبات)?!
بدأ الباحث بدوي بالقول: تقع مدافن الجبيبات في الجهة الشمالية الغربية من مدينة جبلة, حيث تبدأ من منطقة جب الطاحون والتي هي على بعد خمسين مترا شمال غرب مبنى نقابة المعلمين وحتى خليج الرميلة, وهي بطول 1600 م وعرض حوالي 200 م , وقد بدأت أعمال التنقيب فيها منذ عام ,1977 وبشكل عام كانت عبارة عن حفريات طارئة نتيجة القيام بأعمال إنشائية في المنطقة. وبلغ عدد المدافن المنقب عنها 145 مدفنا جماعيا وقبرا فرديا. وتتصف مدافن هذه المنطقة بأنها محفورة في الصخر وهي خالية من العناصر الزخرفية كمدافن تدمر أو مدافن جنوب سورية المعاصرة لها.
حتى الآن تم تحديد ثلاثة أنماط من الدفن في هذه المدافن: فالنمط الأول عبارة عن مدافن جماعية ذات مداخل بشكل بئر ونسبتها 19%.
والنمط الثاني عبارة عن مدافن جماعية ذات مداخل بشكل درج ونسبتها 23%, والنمط الثالث فهو قبور فردية نسبتها 58%.
وعن توضع القبور في هذه المدافن, فإنه في بداية العصر الهلنيستي (نهاية القرن الرابع قبل الميلاد) كان الدفن يتم ضمن قبور فردية محفورة في الصخر متوضعة بشكل منتظم وبتوجه (شرق-غرب), والرأس دائما باتجاه الشرق, حيث كانت تغطى بثلاث أو أربع بلاطات حجرية وفقا لحجم البلاطة . وفي بداية القرن الثالث قبل الميلاد بدأ الدفن على شكل مدافن جماعية وغالبا كانت مداخلها تأخذ شكل بئر أو ممر, ومن ثم في نهاية العصر الهلنيستي ظهرت المدافن ذات المداخل على شكل درج, لتظهر بعدها المعازب العرضية.
على العموم لم تعرف أنماط الدفن في جبلة خلال العصر الهلنيستي التوابيت الفخارية, ولكن إن تم الكشف عن مثلها خلال هذه الفترة, فستكون من أنماط توابيت منطقة عمريت والتي تأخذ شكل آدمي ,لأن الدفن كان يتم ضمن القبر ومباشرة على الأرض.
يتابع الباحث بدوي حديثه قائلا: لقد حصلنا على مجموعة متفرقة ومتنوعة من الأثاث الجنائزي في المدافن التي ظهرت في منطقة الجبيبات الغربية والتي تم الكشف عنها أثناء حفر اساسات بناء سكني يقع على بعد حوالي 150 م شمال مدرسة سعد بن أبي وقاص, والتي تمت أعمال التنقيب فيها خلال شهر شباط لعام 2005 م , وعلى الرغم من نهب وتخريب هذه المدافن منذ مدة إلا أنها قد أمدتنا بعدد لا بأس به من الأثاث الجنائزي ونذكر منها على سبيل المثال: تم العثور على سرج فخارية تعود للعصر الروماني حملت هذه السرج عناصر زخرفية متنوعة تشمل جميع نواحي الحياة, وهي ذات مصادر متنوعة من قبرص وشمال افريقيا واليونان وايطاليا, وعلى سرج فخارية تعود للعصر الهلنيستي, وهي مصنوعة بالقالب أو الدولاب وذات مصادر مختلفة من جزيرة رودوس, وإفسوس(شمال غرب تركيا),ومن اليونان(دلفي), وعلى دمية لامرأة عارية الصدر (عشتار) مصنوعة من الطين المشوي وتعود للفترة الفارسية (الفترة الفينيقية المتأخرة), وعلى مجموعة من الأزرار المصنوعة من الخشب, ومجموعة كبيرة من رؤوس المغازل المصنوعة من حجر السياتيت, وكذلك عثر على مجموعة من القطع المصنوعة من عجينة الزجاج المختلفة الألوان كالأبيض والأخضر والأزرق والبني المحمر, وتأخذ شكل زر كانت تستخدم لتزيين الملابس علما أنه للمرة الأولى يتم العثور على مثل هذه القطع في مدافن جبلة.. وغيره من اللقى.
وأيضا تم العثور على بعض اللقى الهامة والمتميزة ضمن الأثاث الجنائزي المكتشف في المدافن المذكورة سابقا. فقد عثرعلى نقد ذهبي يعود للإسكندر المقدوني, والذي يعتبر من القطع القليلة والنادرة في العالم , بالإضافة الى بعض النقود الفضية والتي تعود للإسكندر وهي من سك نقود أرواد. وعثر على إناء فخاري صغير على شكل حصان يعود للقرن الأول قبل الميلاد, وفي الغالب كان يستخدم من أجل إملاء الزيت للسرج الفخارية وهو من القطع القليلة والنادرة في منطقة شرق المتوسط , ومثل هذا النمط من الأواني موجود في متحف دمشق ومتحف عمان.
وكذلك عثر على عقد مؤلف من بعض الخرزات المصنوعة من الزجاج والفضة والعقيق,وعلى ختم مسطح من العقيق بلون أحمر مائل للبني كان ضمن مجموعة الخرزات ,وعلى هذا الختم كتابة مؤابية تخص الاله كاموش, وهو الاله الرئيسي لبلاد مؤاب وهذه البلاد حاليا منطقة عمان في الأردن, ويعود هذا الختم لنهاية القرن الثامن قبل الميلاد وبداية القرن السابع قبل الميلاد (أي عمره 2700 سنة) وللمرة الأولى في سورية يتم اكتشاف مثل هذا الختم كنمط كتابي علما أنه عثر على ما يشابهه في مدافن أم أذينة في الأردن!!!.
وختم الباحث بدوي المحاضرة قائلا: من المعروف لدى الناس أن مدافن منطقة الجبيبات بجبلة تعود للفترة الفينيقية, ولكن من خلال المكتشفات الأثرية والتي تم العثور عليها في هذه المدافن تبين أن بداية الدفن في هذه المنطقة كان منذ النصف الأخير من القرن الرابع قبل الميلاد( بداية العصر الهلنيستي) ,وحتى القرن الرابع الميلادي (نهاية العصر الروماني), بالرغم من وجود بعض القطع الأثرية والتي تعود لنهاية القرن الثامن وحتى الرابع قبل الميلاد (العصر الفينيقي).
ونأمل أن تقدم مدافن منطقة جبلة مستقبلا معلومات عن أسماء الأشخاص المتوفين أو أسماء العائلات المالكة لهذه المدافن ,والعثور على توابيت حجرية للاجابة على تساؤلات عديدة عن طقوس الدفن في منطقة جبلة.
لينا ريّا
المصدر: الثورة
إضافة تعليق جديد