استثمار نداء الطبيعة

أخبرني صديقي «أبو سلّوم» أنه لن يفكر بالسفر إلى قريته مرّة أخرى في القريب العاجل، ما لم يتم تدارك الظروف اللا إنسانية التي عايش تفاصيلها خلال رحلته الأخيرة، فبعد وصوله إلى البرامكة ظلَّ ينتظر سرفيس «مزة جبل- كراجات» أكثر من نصف ساعة من دون جدوى، وزاد من استيائه الحقائب الكبيرة، وأولاده الثلاثة «سلّوم، وسليم، وسليمان»، وطبعاً «أم سلّوم» الممتعضة من هذه السفرة قبل أن تبدأ، واصفةً كل سفراتها مع زوجها بأنها أشبه بـ«السيران الذي فيه كترة غبرة وقلة واجب».

وكي لا يطول انتظارهم أكثر، استقلّ «تكسي» راضخاً لسائقها الذي «لطش» منه 1500 ليرة، والتي لم تكن نكبته الوحيدة، فمنظر باصات النقل الداخلي المُنتظرة ركابها تحت جسر الرئيس ترك في حلقه غصّة وشتائم كبيرة لمنظمي خطوط النقل العام في دمشق, وما إن وصل «أبو سلّوم» مع عائلته وأتمّ حجوزات البولمان، حتى «انحشك» سليمان الصغير، وبالمعيّة والغيرة تضامَنَ معه أخواه، وبعدما استدلّ الأب على دورات المياه العمومية، وقضى أولاده حاجتهم، طالبه العامل هناك بثلاثمئة ليرة، دفعها مُضطراً، برغم انعدام أي مظهر من مظاهر النظافة التي تستحق ذاك المبلغ، لكن صديقي بَلَعَ استياءه، ضاحكاً في سرِّه للفكرة التي راودته، بأنه حتى «نداء الطبيعة» ارتفع متوازياً مع ارتفاعات الدولار، يقابلها العقلية التي ارتأت أنه لا ضرورة نهائياً لمكان يستريح فيه المسافرون ريثما يحين وقت رحلتهم، كـ«كافيتريا» مثلاً أو «قاعة انتظار» تقيهم برد الشتاء وحر الصيف، وحتى تكتمل بهجة «أبو سلُّوم» جاع أطفاله وطالبوه بشيء يأكلونه، فلم يجد في ذاك المكان النائي سوى بضع «بسكويتات» اشتراها من الكشك المُجاور للحمامات، ليكتشف أن صاحبه هو ذاته ذاك العامل، ففكَّر أن الاستثمار في الخدمات بات أفضل بألف مرة من أي استثمار آخر، ما دام الإنسان مُهْمَلاً وفي آخر أولويات المعنيين، ولعلّ تصميم كراجات البولمات بصيغته الأخيرة، وخدماته أفضل مثال على ذلك.

تشرين _بديع صنيج