إيران القنبلة واستقالة الأمم
الاحتمالات التي يطرحها الكتاب الفرنسي «إيران، القنبلة، استقالة الأمم» تكاد تجعل الخيار العسكري الأميركي شبه حتمي ضد إيران، ويشير للمرة الأولى إلى قدرة طهران على تطوير برنامجها النووي حتى الحصول على القنبلة.
ومؤلفة الكتاب، الذي يقع في 135 صفحة، هي الباحثة الفرنسية تيريز ديلبيش التابعة لمركز دراسات العلاقات الدولية، والتي نشرت حتى الآن بضعة مؤلفات حول «الإرث النووي» و«سياسة الفوضى» و«الحرب المثالية» وغيرها من القضايا الدولية التي مكنتها من الحصول على عدد من الجوائز.
وإذ تستهل الكاتبة بحثها هذا بجملة من الأسئلة حول ماذا تريد إيران وكيف يمكن للعالم التعامل معها، فإنها تخالف القائلين بأن ثمة صراعا وتباينات في هرم السلطة الإيرانية. تقول ان «من غير المفيد المراهنة على صراع داخلي في دائرة السلطة... ذلك أن هاشمي رفسنجاني نفسه (الرئيس الإيراني السابق)، الذي اعتبر طويلا مناصرا للانفتاح على الاقتصاد العالمي، كان تحرك باسم النظام في جولة إلى الخليج، لا بل إنه استخدم خطابا متشددا جدا في آب 2005».
وتسعى الباحثة الفرنسية للقول إن مكنونات التجارب النووية الإيرانية ليست معروفة تماما، ذلك أن المفتشين الدوليين لم ينجحوا في الوصول إلى المواقع العسكرية، أو هم وصلوا إليها متأخرين بعدما كان النظام الإيراني أزال كل أثر، فهو مثلا محا كليا 6 أبنية من موقع واحد قبل وصول المراقبين في نيسان 2004».
وتضيف الكاتبة «نعلم أيضا أن إيران تمتلك قدرة تكنولوجية عالية في مجال الصواريخ الباليستية وتعلمت الكثير من كوريا الشمالية، وقد أجرت تجارب دقيقة على رأس صاروخ شهاب 3 بغية تحميله بمواد ممنوعة، ثم إن التعاون الكوري الشمالي والباكستاني مع طهران لا يزال حتى العام الحالي غامضا تماما بالنسبة للمراقبين، فالمواد التي استُوردت من باكستان هي أكثر أهمية وتنوعا مما قيل حتى الآن».
وتشير الكاتبة، في ما يشبه اليقين، إلى أن التعاون الإيراني مع الصين لا يزال هو الآخر كثير الغموض، خصوصا بعدما تبيّن من حالات سابقة مثلا في ليبيا وغيرها، أن بعض المشتريات التي كانت تتم باسم كوريا الشمالية إنما كانت صينية المصدر.
وتكشف الكاتبة عن الكثير من الأسلحة التي اشترتها إيران من الصين، وبينها مثلا 60 صاروخا مضادا للسفن يصل مداها إلى أكثر من 120 كيلومترا وقادرة على تهديد السفن التجارية والعسكرية، إضافة إلى الصواريخ العابرة للقارات «سيلكورم»، التي تم تطويرها مع الغواصات المشتراة من روسيا والمعروفة باسم «كيلو 4»، وكذلك الأمر بالنسبة للرادارات العالية الدقة أو التكنولوجيا المتطورة جدا التي اشترتها الصين من الولايات المتحدة والتي ربما بيعت الى إيران.
والاخطر من هذا، أن الصين ساعدت إيران، بحسب الكاتبة نفسها، في مجال الطاقة الباليستية من خلال بيعها تقنيات التوجيه عن بعد، وثمة اتهامات تساق ضد بكين بأنها استخدمت كوريا الشمالية لإيصال هذه الطاقة إلى طهران.
وبعد استعراضها جزءاً من القدرات الإيرانية العالية الدقة، فإن الكاتبة الفرنسية تنتقل إلى المرحلة الأكثر حساسية لتؤكد أن طهران «شارفت على امتلاك كميات من مادة UF6 الضرورية لتصنيع القنبلة النووية وذلك منذ آب 2005».
تؤكد ديلبيش أن النقاش دقيق وسط الإدارة الأميركية حيال الخيارات الواجب اعتمادها، وإذا كانت الاتجاهات صبت حتى الآن في سياق البحث عن مخارج دبلوماسية والاعتماد على الوساطة الأوروبية، إلا أن واشنطن قد تجد نفسها في نهاية المطاف مضطرة لعمل عسكري ستكون نتائجه في أسوأ الأحوال أفضل من السماح لإيران بامتلاك السلاح النووي.
وتشير الكاتبة إلى المخاطر التي يمكن أن تترتب على مغامرة عسكرية كهذه، وبينها مثلا القدرات الإيرانية التي تبقى كبيرة حتى ولو أنها عاجزة عن النصر، وبينها أيضا احتمالات ردود الفعل من قبل حزب الله والتيارات الأصولية الأخرى وصواريخ «شهاب 3» التي يصل مداها إلى إسرائيل، ولكنها ترى أن من غير الجائز ترك إيران تتمتع بعامل الوقت خصوصا أن هذا الوقت يلعب لمصلحتها حاليا.
أما إسرائيل، التي تقيم منذ بداية الأزمة الإيرانية علاقات وطيدة حول هذا الملف مع واشنطن وباريس وبرلين ولندن وموسكو، التي تسمح لها بتبادل المعلومات الدقيقة، فإنها قد تغير خطها وتعتمد الخيار العسكري.
وتقول الكاتبة «إن هذا الخيار يفترض احتمالات عديدة، ومنها مثلا ما يتعلق بالقدرات التقنية الإسرائيلية وغطائها السياسي، ذلك انه حتى ولو أن العملية العسكرية الإسرائيلية ستكون أكثر خطورة وصعوبة من تلك التي نفذتها لضرب المفاعل النووي العراقي في العام ,1981 فإن الحلول جاهزة شرط توفير الوسائل الجوية والاستعداد لعملية قد تستغرق بضعة أسابيع، فليس من الضروري تدمير كل المنشآت النووية الإيرانية الموزعة بشكل كبير على الأراضي الإيرانية، وإنما الأكثر حساسية وخطورة والمتعلقة مثلا بمراكز السلطة في إيران. أما الاحتمال الثاني فيرتبط بانعكاسات هذه الضربة الإسرائيلية على الأوضاع الإقليمية... ولذلك فإن الإسرائيليين لا يزالون يفضلون حتى الآن أن تبادر أميركا إلى عمل عسكري إذا تم اعتماد مثل هذا الخيار».
واللافت في كتاب ديلبيش شبه قناعتها بأن العمل العسكري ضد إيران بات حتميا ما لم يتخلّ النظام الإيراني كلياً عن برنامجه، ذلك أن القناعة الأميركية والأوروبية تقول ان هذا النظام يوظف الوقت والمفاوضات المتقطعة مع الغرب بغية الانتهاء من تطوير برنامجه النووي.
سامي كليب
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد