أولمرت يصادق على توسيع أعمال الجيش في غزة
صادق رئيس الحكومة الإسرائيلية إيهود أولمرت، أمس، على خطة الجيش لتوسيع عملياته في قطاع غزة والعودة إلى الاجتياحات البرية، بهدف تكثيف الضغط على الفلسطينيين للإفراج عن الجندي الأسير ووقف إطلاق الصواريخ.
وتأتي هذه المصادقة في ظل حركة سياسية عربية واسعة ترمي إلى منع الخلاف الفلسطيني حول سبل معالجة الأزمة من التفاقم. وكان الرئيس الفلسطيني محمود عباس (ابو مازن) قد أعرب عن إحباطه من استمرار الوضع القائم وحذر من أنه على وشك اتخاذ قرار خطير. كما أن حركة حماس التي لم ترق لها مواقف الرئاسة مؤخرا، هددت بالانسحاب من لجنة الحوار بعد مذكرة ابو مازن باعتبار رئيس الدائرة السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية فاروق القدومي وزير خارجية فلسطين.
وأشارت وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى أنه بعد يومين
من "الهدنة" البرية التي تم استغلالها من أجل "إنعاش" قوات الاحتلال، تقررت العودة إلى أسلوب الاجتياحات. وقالت إن العملية الجديدة في غزة سوف تدمج بين فعل القوات البرية والبحرية والجوية التي ستنفذ هجوماً أشد اتساعاً من كل ما سبقه وفي العديد من القطاعات دفعة واحدة. وسربت مصادر قيادة الجبهة الجنوبية معلومات تفيد بأن الهجوم الجديد يشكل تصعيداً جوهرياً في الضغط على الفلسطينيين، معتبرة أن الهجوم سوف "يفاجئ الفلسطينيين كثيراً" والهدف هو "المساس بأكبر عدد ممكن من المخربين".
وشدد مراسلون عسكريون على أن تصعيد الحملة العسكرية جاء في أعقاب الإدراك بأن الضغط الميداني الذي مورس حتى اليوم، لم يحقق الغايات الرئيسية التي رصدت له. فهو لم يوقف صواريخ القسام ولم يجبر الفلسطينيين على إعادة الجندي الأسير جلعاد شاليت من دون قيد أو شرط. وتأمل القيادة الإسرائيلية أن يشكل الضغط الجديد دافعاً للفلسطينيين للتجاوب مع المطالب الإسرائيلية.
خلافات فلسطينية
وفي الوقت الذي تشير فيه استطلاعات الرأي إلى وجود ما يشبه الإجماع الشعبي حول وجوب عدم الإفراج عن الجندي الأسير من دون مقابل، هناك خلاف في الوسط السياسي الفلسطيني. فالرئاسة طالبت من اللحظة الأولى بالإفراج عن الأسير، في حين دعت الحكومة إلى التفاوض من أجل مبادلته. وفيما طلب وزير الداخلية سعيد صيام من أجهزة الأمن الفلسطينية التصدي للعدوان الإسرائيلي، أعلن أبو مازن أن هذا الأمر "كأنه لم يكن". وأخيراً جاء تسريب أمر مذكرة رئاسية للممثليات والمنظمات العربية والدولية باعتماد القدومي بصفته الأصلية وزيراً لخارجية دولة فلسطين.
واعتبرت حركة حماس أن هذه التصرفات "مناكفة" لها واشتكت من أن ابو مازن يحرّض الدول العربية وغيرها على قيادة الحركة في دمشق وعلى سوريا. وقاد هذا الاعتبار إلى نشوء خلافات ونوع من القطيعة بين أبو مازن وقيادة حماس في الخارج، برغم "التهدئة" التي رافقت اتفاق الطرفين على وثيقة الأسرى المعدلة.
ويعتقد مسؤولون فلسطينيون أن هذه القطيعة وجملة ظروف إسرائيلية وعربية ودولية، قادت ابو مازن إلى نوع من الإحباط أفصح عنه قبل بضعة أيام عندما كان "حبيساً" في غزة في حديث له مع بعض أعضاء "خلية الأزمة". وقال أبو مازن لبعض أعضاء هذه الخلية، التي تضم ممثلين عن فتح وحماس والجبهتين الشعبية والديموقراطية وروحي فتوح وزياد أبو عمرو ومصطفى البرغوثي، ان الوضع لم يعد يطاق بالنسبة إليه. فلا الحكومة الفلسطينية في وارد التجاوب مع متطلبات الوضع الإقليمي والدولي ولا الفصائل الفلسطينية مستعدة لفهم حراجة الظرف.
وشدد على أن الإسرائيليين يسيئون إليه كلما تحدثوا عن أنهم يعملون من أجل تعزيز وضعه، فيما يحاولون فعلياً إضعافه. وعن الأميركيين، قال انهم يطلقون الوعود ويتحدثون بكلام مقبول ولكنهم لا يفعلون شيئاً من أجل وقف العدوان. أما الوضع العربي "فحدث ولا حرج" حيث ان العرب باتوا بحاجة لموافقة أميركية من أجل تقديم أية مساعدة للفلسطينيين.
وخلص أبو مازن إلى أنه صار "قرفاً" من هذا الوضع الذي لا يستطيع فيه أن يفعل شيئاً مما يتمناه، وألمح إلى أنه على وشك اتخاذ قرار خطير عنى للسامعين نيته في الاستقالة. وأشار له بعض الحضور بأن وضعه الآن يختلف عن السابق وأنه "ليس من حقك الحرد الآن".
غير أن متابعين فلسطينيين لمزاج ابو مازن يعتقدون أنه ما كان ليقول هذا الكلام أمام أعضاء خلية الأزمة، لولا شعوره بأنه يقف أمام طريق مسدود. ويضيفون أنه في الغالب قد يكون ألمح لهذه النية في حديثه مع رؤساء وملوك عرب وأجانب، مشيرين إلى أن هذا التهديد بالاستقالة حرك عدداً من الخطوات.
فإسرائيل التي كانت قد أعلنت على لسان عدد من وزرائها أنها لن تسمح لأبو مازن بمغادرة غزة "إلا إذا كان يمسك بيده الجندي الأسير"، عادت وسمحت له ولعدد من القيادات الفلسطينية بالخروج إلى رام الله. كما أن أولمرت الذي كان يتجنب الإشارة لأبو مازن، صار يكثر في مقابلاته الأخيرة من الحديث عن أنه يرفض التفاوض مع حماس وسيتفاوض مع الرئيس الفلسطيني.
غير أن ما عزز التكهنات بأن هذا هو الحال، تلك "الزيارة الطارئة" للعاصمة الأردنية للاجتماع مع رئيس الحكومة معروف البخيت أمس الاول ثم مع الملك الأردني عبد الله أمس.
وكان لافتاً ان ابو مازن قال لدى عودته الى رام الله من عمان، ان "كل هذه الأعمال التي تقوم بها قوات الاحتلال ضد شعبنا بربرية" مضيفاً "يجب أن يتوقف استهداف المدنين والمؤسسات المدنية". وأوضح انه تبادل مع الملك الاردني "وجهات النظر حول كيفية الخروج من هذا المأزق". وقال "نرجو الله أن يعيننا وإخواننا في الأردن وغيرهم في الدول العربية لمساعدتنا على الخروج من هذه الأزمة".
وذكرت وكالة الانباء السعودية (واس) أن ابو مازن أجرى اتصالا هاتفيا امس بالملك السعودي، بحثا خلاله "تطورات الاوضاع في الاراضي الفلسطينية".
وأشار مصدر فلسطيني إلى أن ابو مازن بات في الآونة الأخيرة يخفي اتصالاته عن عدد من مقربيه في الرئاسة.
وإضافة إلى كل ذلك، ثمة أهمية للبيان الذي صدر عن اجتماع مجلس الوزراء السعودي أمس الأول والذي ركز على "وحدة القرار الفلسطيني وبقائه في أيدٍ فلسطينية" وضرورة الابتعاد عن "المناورات السياسية" ذات الطبيعة الذاتية. وشدد المصدر الفلسطيني على أن الحركة السياسية العربية الجارية اليوم ترتكز في جانب منها، على الأقل، على الخشية من إقدام ابو مازن على تقديم استقالته.
ورأت بعض الجهات الفلسطينية أنه برغم أن ظاهر زيارة المبعوثين، تيسير خالد وعبد الله الحوراني، لدمشق هو البحث في قضية الجندي الأسير، إلا أن باطنها هو الوضع المتدهور. ويحمل الرجلان رسالة يحاولان توضيحها للجميع وهي أن الوضع يزداد سوءاً وأن استمرار الحصار والتجويع قد يقود إلى نكبة جديدة.
وبحسب المعلومات ، فإن لقاءات المبعوثين مع الفصائل الفلسطينية في دمشق كانت باردة وغير مجدية. بل ان بعض من التقاهما سألهما بنوع من المناكفة عن سبب سماح إسرائيل لهما بالخروج من غزة برغم الحصار المفروض على أهلها.
وانسحب ممثل حماس في لجنة الحوار في غزة من اللجنة احتجاجاً على مذكرة ابو مازن بشأن تكريس القدومي أمام المحافل الدولية وزيراً لخارجية دولة فلسطين. وناقشت بعض الفصائل حماس بعدم أحقيتها في هذا الموقف، برغم إيمانها بأن توقيت الإعلان عن هذا القرار خاطئ. وقالت ان القدومي أصلا هو وزير الخارجية بقرار من المجلس الوطني وأن الوزير المناظر في السلطة هو وزير الشؤون الخارجية.
وكان معروفاً أن هناك تقاسماً للصلاحيات بين المنصبين، بحيث يبقى تمثيل فلسطين في المحافل الدولية لوزير الخارجية في حين ينحصر دور وزير الشؤون الخارجية في علاقات السلطة الثنائية مع الدول المانحة. وعلمت "السفير" أن المذكرة موضع الخلاف قديمة وتعود إلى شهر آذار الفائت، ولكن إطلاع أحد المواقع الالكترونية عليها ونشرها هو ما سبب الخلاف الحالي.
تجدر الإشارة إلى أن الصحافة الإسرائيلية كانت قد تناولت قبل حوالى أسبوع، الورطة التي يمكن أن تجد إسرائيل نفسها فيها إذا أقدم أبو مازن على الاستقالة. وكتب عكيفا ألدار في "هآرتس" أنه "لو أقدم رئيس الوزراء إيهود أولمرت على سؤال الأطراف المعنية عن احتمالات قيام أبو مازن بإعادة حركة فتح للحكم على ظهر الدبابات الإسرائيلية، لما صادق على هذه العملية. ولو تم سؤال أصحاب المشورة والمعرفة قبل ذلك لحذروا صناع القرار من الخطر الوشيك المتمثل بضجر أبو مازن من أداء دور الولد الطيب وقيامه بإعادة مفاتيح ما تبقى من مكاتب السلطة لإسرائيل".
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد