أوجلان يوصي الاكراد بالانضواء ضمن الدول القائمة

26-06-2007

أوجلان يوصي الاكراد بالانضواء ضمن الدول القائمة

عاد الصراع بين الجيش التركي ومقاتلي حزب العمال الكردستاني إلى الواجهة في الفترة الأخيرة بعد أن تراجع وكاد يختفي إثر اعتقال زعيم الحزب عبدالله أوجلان عام 1999.

ويدور في تركيا سجال طويل بين الحكومة والجيش حول إمكان اللجوء إلى اجتياز الحدود مع كردستان العراق لضرب مواقع الحزب التي يقيم فيها قادته وكوادره في مواقع جبلية حصينة. وليس جلياً بعد ما إذا كانت الغلبة ستعقد لخيار التدخل العسكري أم لحل آخر.

وفي وجه هذا الاحتمال تلجأ الأوساط الكردية إلى ترديد مقولات ثابتة من قبيل أن الأكراد في تركيا مضطهدون وأن على تركيا أن تحل القضية الكردية بالحوار وأن السياسة التركية إزاء الأكراد تتسم بالعنصرية وما شابه ذلك.

وهذه أحكام صحيحة بالطبع. غير أن كل هذا لا علاقة له بالموضوع. فالأمر يتعلق بوضع حد لما تعتبره تركيا عمليات إرهابية تنطلق من قواعد خارج حدودها وتستهدف أمنها. وقد أفصحت القيادة التركية مراراً عن شعورها بالإحباط من عدم استجابة حكومة إقليم كردستان العراق، وكذلك القوات الأميركية، لمطلبها في ضرورة طرد مقاتلي الحزب العمالي الذين زادوا من وتيرة هجماتهم المسلحة.

ومع سقوط المزيد من القتلى من الجنود الأتراك، فضلاً عن المدنيين، فإن الضغوط على الحكومة التركية تزداد لوضع حد لهذا التدهور الذي يعيد إلى الأذهان ما كان عليه الحال قبل اعتقال زعيم الحزب. آنذاك كان عبدالله أوجلان يقيم في دمشق وكان مقاتلوه يتدربون في معسكرات خاصة في منطقة البقاع اللبناني الذي كان خاضعاً للجيش السوري. وعلى مدى أكثر من عشر سنوات قتل في تركيا ما يقارب ثلاثين ألف شخص في صراع دموي بين الجيش والحزب. وحين خرجت المواجهات عن المألوف وبلغت مدى خطيراً هدد الجيش التركي بضرب سورية ما لم تعمد السلطات هناك إلى طرد زعيم الحزب الكردي وإغلاق معسكراته. كان التهديد التركي قاطعاً لم يترك للسلطات السورية خياراً آخر سوى الإذعان للأمر.

ويبدو أن السيناريو نفسه قد يتكرر في كردستان العراق. غير أن تبدلات حاسمة طرأت على المشهد منذ اعتقال أوجلان. فقد تبدلت سحنة الطرفين المتصارعين مثلما تغيرت الأحوال في المحيط الإقليمي وفي العالم.

تحسنت إلى حد ما معاملة الحكومة التركية للأكراد. فقد رُفع الحظر عن اللغة الكردية، كما صار في وسع الأكراد الدخول إلى البرلمان، وتنشط أحزاب كردية تتمتع بالشرعية. ومثل هذه الأمور تعد خطوات مهمة في تركيا في طريق مقاربة المسألة الكردية.

ومن جهته تخلى الحزب الكردي عن شعاراته السابقة الداعية إلى إقامة دولة كردية. ويكرر زعيم الحزب من سجنه في جزيرة إيمرالي استعداده لإقناع رفاقه بالتخلي عن السلاح والدخول في كنف الدولة التركية إذا ما صدر عفو عام عنهم وعنه. وأقصى ما يصبو إليه أنصاره الآن هو تحسين شروط اعتقاله وصولاً إلى إطلاق سراحه.

ويقوم أقارب أوجلان ومحاموه بزيارته كل أسبوع. وتسمح له إدارة السجن بنقل رسائل مطولة تتضمن توجيهات لرفاقه الذين يعتبرونها بمثابة وصايا مقدسة. وفي آخر رسالة له، منشورة في مواقع الحزب على الإنترنت، يصر أوجلان على أنه ينبذ النزوع القومي الكردي ويسعى للحفاظ على وحدة تركيا. بل إنه ينتقد الساسة الأتراك لأنهم ساعدوا جلال الطالباني ومسعود البارزاني وأن مساعدتهم تلك أدت إلى قيام دولة شبه مستقلة في كردستان العراق الأمر الذي يشكل في رأيه خطراً على الأمن التركي.

ويطرح أوجلان تصوره لحل المسألة الكردية على الشكل التالي: «الحل الذي أرتأيه هو الآتي: حصول الأكراد على حقوقهم الثقافية في كل دولة يعيشون فيها من دون المساس بحدود تلك الدولة وبالشكل الذي يعزز الوحدة الوطنية، يجب أن يتمكنوا من التعبير عن أنفسهم بواسطة ثقافتهم ولغتهم، كما تجب إزالة المعوقات التي تسد طريق تنظيمهم سياسياً، وهذا الحل ليس لأجل الأكراد وحدهم، بل إنه حل يمكن تطبيقه في كل الشرق الأوسط والبلقان».

وهو يتوجه إلى الساسة الأتراك بقوله: «إن سياساتكم هي السبب في الوصول إلى هذه الحالة، أنتم من قمتم بدعم شمال العراق ومساندته. أنتم من أنجبتم شمال العراق، كنتم القابلة في ولادته».

وأياً كان السبب الذي يقف وراء تصعيد الحزب العمالي لهجماته فإنها تقود إلى تحريض الجيش التركي على اجتياح كردستان العراق باعتبار أن القيادة العسكرية والكوادر العليا للحزب تقيم هناك. يعزز هذا التفسير ما جاء في تقرير معهد هدسون الأميركي. وفحوى التقرير إيجاد وضع عصيب من أجل تقويض كيان إقليم كردستان العراق شبه المستقل. وبالنسبة للساسة الأتراك وكذلك لقادة الجيش فإن الخطورة لا تنبع من حزب العمال الكردستاني بل من الموقع الذي بات أكراد العراق يتمتعون به في الخريطة السياسية الجديدة للعراق.

يشير المهتمون في الشأن الكردي في تركيا إلى إن مفتاح حل مسألة حزب العمال الكردستاني يكمن في الداخل التركي. وذهب في هذا المنحى رئيس الوزراء التركي رجب أردوغان.

ووجود قادة وكوادر الحزب العمالي في معاقل بكردستان العراق ليــــس أمراً ســـرياً. ولا يتردد هؤلاء في استقبال الصحافيين وعقد المؤتمرات الصحافية والتلويح بخاق الويلات لتركيا.

وما من شك في أن كل هذا يعطي تركيا الحجة المناسبة للتدخل في كردستان العراق. وتقاعس الحكومة العراقية وكذلك حكومة إقليم كردستان العراق في طرد هؤلاء المقاتلين هو إخلال واضح بالاتفاقات الدولية التي تدعو إلى احترام الحدود وسيادة الدول الأخرى. وإذا كان المسؤولون العراقيون يشكون من لجوء حكومات مجاورة إلى فتح حدودها أمام تسرب عناصر إرهابية للقيام بأعمال القتل والتخريب في العراق فإن هذا يضع على كاهلهم مسؤولية ألا يفعلوا الشيء ذاته إزاء الدول الأخرى. ومسؤولية حكومة إقليم كردستان في هذا الباب مضاعفة. هؤلاء المقاتلون يتخذون من أرض الإقليم معقلاً لهم. ولا يمكن التذرع بالقول إن الحكومة التركية تمارس سياسة شوفينية إزاء أكراد تركيا فلا يمكن لنا أن نفتح حدودنا لإيواء معارضين مسلحين للدول المجاورة لمجرد أن سياسة هذه الدول لا تروق لنا. وإذا كان مقبولاً أن نترك المجال مفتوحاً لمقاتلي حزب العمال الكردستاني لكي يقيموا قواعدهم ومقراتهم ويخزنون أسلحتهم وعتادهم ثم ينطلقون للقيام بعمليات في تركيا فقد ينهض من يطالب بفعل الشيء ذاته إزاء سورية وإيران، بل ربما السعودية والكويت... الخ.

استخدام المنظمات السلاح وإيصال الرسائل المميتة لعبة خطيرة. إنها اللعبة التي تتفنن في استعمالها بعض الحكومات الشمولية في المنطقة. إن سلوكاً كهذا ليس جديراً بأن يحتذى. وبالنسبة الى كردستان العراق، حيث ينهض الناس من تحت أنقاض سنين طويلة من الحروب والقتل، فإن الأمر أشبه برغبة في العودة إلى الدمار والانتحار.

نزار آغري

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...