أربعون نبيل المالح: مرثية للذات
لم يشأ نبيل المالح (1936 ـــ 2016) أن يرحل من دون أن يقف أمام كاميرا شقيقه محمد علي المالح كي يروي سيرته كسينمائي. الشريط الذي حمل اسم «نبيل» (22 دقيقة) عُرض للمرة الأولى أول من أمس في دمشق، أمام حفنة من أصدقائه في مناسبة مرور أربعين يوماً على غيابه، بمبادرة من منتدى «حركة البناء الوطني»، في التوقيت نفسه مع «مهرجان مواسم السينما العربية» في باريس الذي كرّم المخرج الراحل بعرض فيلمه «كومبارس».
في هذا البورتريه الشخصي، يستعيد صاحب «بقايا صور» محطات من سيرته السينمائية التي اختزلها بأنها مغامرة مستمرة على قول كلمة «لا»، مشبهّاً نفسه بشخصية «بوعلي شاهين» في فيلمه الروائي الأول «الفهد» (1972) لجهة التمرّد والعصيان «أنا الفهد، والفهد أنا». وإذا بنا أمام مرثية للذات محمولة على الحلم والخيبة والأمل، معتبراً أن السينما مشروع حياته. لذلك سعى من دون هوادة إلى أن ينشب أظافره في نسيجها بوصفها حياةً موازية، من دون أن يتوقّف عن إزاحة بقع السواد عن الذاكرة. فالزمن حسب قوله «لديه مزبلة لكل ما هو أسود، ليحلّ البياض وحده في مواجهة ذاكرة القتل والدم والسيوف». أراد المخرج الرائد الذي انطفأ في دبي (24 شباط/ فبراير الماضي) أن يواجه نفسه أمام العدسة لاكتشاف صورته كما هي، والتوغل عميقاً في تفكيك شخصيته الغامضة التي لا يعرفها بدقّة. لكنه سيشير إلى حلمٍ مخبأ وراء ضباب، أو حائط زجاجي، وأن هذا الحلم سيتحقّق حتماً.
شريط «نبيل» عُرض للمرة الأولى أول من أمس في دمشق
هكذا تناوب حضور المخرج مع مقاطع من أفلامه «الفهد»، و«بقايا صور»، و«الكومبارس». بدا كأنه إحدى شخصيات أفلامه في تطلّعها إلى فضاءٍ آخر بلا عسف. في النقاش الذي أعقب عرض الشريط، قال المخرج محمد ملص بأن هذه الأمسية تحيّة إلى روح هذا المعلم، وليست مجلس عزاء... «المعلّم» الذي لم يكفّ يوماً عن أن يرمي نفسه في جحيم السينما، خطوةً وراء خطوة، ليؤسس خطّاً جديداً في السينما السوريّة، وصولاً إلى تحفته «كومبارس»، واضعاً لمسته على أكثر القضايا إشكاليةً بجمالية بصرية متفرّدة، فيما روى المخرج محمد قارصلي ذكرياته مع صاحب «السيد التقدمي» خلال صداقة متينة بدأت منذ نحو ربع قرن، واصفاً إياه بأنه «كان يسابق الغيوم»، نظراً الى ازدحام المشاريع التي كانت تدور في رأسه، بالإضافة إلى هوسه بكل ما هو جديد ومختلف. من جهته، حكى الممثل أديب قدورة عن علاقته بنبيل المالح وكيف أسند إليه دور «بوعلي شاهين» في فيلمه الأول «الفهد»، ثم تعاون معه ثانيةً في «بقايا صور». ما أثار الأسى أن «الفهد» وصل إلى قاعة العرض، متكئاً على عكاز.
خليل صويلح
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد