أدب الرحلات عند العجيلي
عرف المرحوم عبد السلام العجيلي كطبيب بارع حيث كان يداوي مرضاه في عيادتيه اللتين افتتحهما في العاصمة دمشق وفي مدينته الرقة القابعة على اطراف البادية ولم تصرفه تلك المهنة عن الثقافة والادب وقد بلغ فيهما شأناً عظيماً ، فنظم الشعر وكتب القصة والرواية والسيرة الذاتية، وكان يردد دائماً بأن الادب بالنسبة إليه ليس الا متعة وهواية.
بالاضافة الى ممارسته لمهنة الطب، فقد انتخب نائباً في (مجلس النواب السوري ) عن مدينته ( الرقة) وأثناءها تطوع للجهاد في ( جيش الانقاذ) ضد الصهاينة في حرب فلسطين عام 1948، ثم اختير وزيراً في عدد من الوزارات السورية التي تشكلت في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي .
كما عرف د. العجيلي ايضاً كرحالة حيث جاب معظم بلدان العالم ونقل الينا مشاهداته وانطباعاته عن تلك البلدان وحدثنا عن عادات وتقاليد وطرائف شعوبها.
ونتناول في هذه الدراسة أدب الرحلات في تراث الدكتور عبد السلام العجيلي .
من مقدمة وضعها الاستاذ عدنان الداعوق أثناء لقاء أجراه مع الدكتور العجيلي في أواخر السبعينيات من القرن الماضي نشرت على صفحات مجلة الفيصل نقتبس ما يلي :
« يحار المرء بعدئذ، كيف تسنى لهذا الانسان القابع في اقاصي البادية السورية ان يكون جواب الآفاق يعرف عن أزقة كوبنهاغن) كما يعرف ( أزقة دمشق العتيقة) ويعرف مداخل وحارات (باريس) كما يعرف عن مثيلتها في بيروت ويعرف سكان ( الحي اللاتيني ) كما يعرف سكان حلب .
وكذلك يحار المرء كيف تسنى لهذا الانسان ان يعرف هؤلاء البشر كلهم في عواصم الدنيا ، ومتى تعرف عليهم وأين وكيف ...»(1).
متى بدأ د. العجيلي رحلاته
تحدث د. العجيلي اثناء حواره مع الاستاذ الداعوق عن بداية رحلاته قائلاً:
« ولا أملك إلا القول بأن أسفاري الحقيقية بدأت يوم ركبت الباخرة لأول مرة متجهاً الى الغرب ، والى فرنسا وباريس بصورة خاصة، على ان أعمق أحاسيس الأسفار في نفسي وأسماها، تلك التي أهدتني اياها أول رحلة الى اسبانيا والى الأندلس بصورة خاصة»(2).
مساهمة العجيلي في أدب الرحلات
كان للزيارة التي قام بها الاديب العجيلي الى (الأندلس) حيث جاب مدنها التاريخية مثل (قرطبة)و(اشبيلية) اثر في أدب العجيلي، ساهم في اغناء المكتبة العربية بقصص عن أدب الرحلات حيث يقول:
«يالها من أحاسيس تلك التي ملأت جوانب نفسي في تلك الرحلة..والتي أثرت وما تزال تؤثر في مشاعري وتصوري والتي أملت عليّ كثيراً مما كتبته في مؤلفاتي، في كتابي:(حكايات من الرحلات، ودعوة الى السفر، وفي قصص(قناديل اشبيلية) و(فارس من القنطرة) وسوى هذه وتلك ما هو مبثوث في تضاعيف مجموعاتي القصصية ومقالاتي المتعددة ومحاضراتي)3.
التجربة الذاتية في أدب العجيلي
يتحدث الاستاذ بطرس أشقر في مقالته التي نشرت في (جريدة الوطن) عن التجربة الذاتية في أدب عبد السلام العجيلي فيقول:
«رفد الادب بمعرفته المميزة وعلومه وتجاربه التي استمدها من رحلاته في مختلف البلدان، فهو من خلال رحلاته وجولاته التي غطت العالم تقريباً، اقترف معظم التجارب والمغامرات في مختلف البلدان الشيء الذي طبع رواياته وقصصه بروح التجربة البناءة الذاتية الموضوعية معاً، اذ ينطلق من الخاص الى العام الى المغذى البدهي والدرس القارس والتجربة البناءة»(4).
والجدير بالذكر بأن أول مجموعة قصصية عن أدب الرحلات صدرت للعجيلي ضمن كتاب (حكايات من الرحلات) الذي صدر عام 1954 فكان اعلاناً منه على فن جديد في أدبه فيقول الاستاذ محمد كامل الخطيب:
«ليعلن ذلك البعد الشخصي المحبب من شخصية العجيلي، وربما الجانب البدوي ، أعني-الترحال»5.
ماذا قدم د.العجيلي لقراءه?
يستنتج الاستاذ بطرس الاشقر بأن العجيلي قدم لقارئه التجربة الايجابية حيث يقول:
«اذا كان الفكر لا ينفع التجربة فإن عبد السلام العجيلي قدم لقارئه التجربة الايجابية التي تغني القارىء وتفتح آفاقه وتميزه بسلاحها».5
هل قصص أدب الرحلات التي كتبها العجيلي خيالية أم حقيقية?
تساءل الاستاذ الاشقر عن الفرق الذي لمسه بين القصص الأدبية التي كتبها العجيلي أولاً، والقصص التي كتبها في موضوع أدب الرحلات من ناحية اللغة والاسلوب فأجابه د. العجيلي قائلاً:
«ما كتبته في أدب الرحلات ليس قصصاً، انه وقائع حقيقية لم يدخل الادب الا في أسلوب صياغتها، ليس فيها من الخيال إلا الضئيل، احياناً وليس دوماً، ثم إني لا أقصد من كتابتها غاية أو أعرض فكرة، كما هو أمري في كتابة القصص أدب الرحلات نوع مستقل ومتميز بذاته من أنواع الكتابة، ولا أريد لقارئي ان يقرأ كتبي في الاسفار علىأنها قصص وإنما حكايات لوقائع ووصف لمشاهد»6.
آثار د. العجيلي في أدب الرحلات:
لدى اطلاعنا على مؤلفات د.العجيلي التي تناولت أدب الرحلات، تبين لنا بأن معظمها مقالات نشرها في الصحف والمجلات المحلية والعربية، او محاضرات ألقاها على المنابر الثقافية في مناسبات عدة، وقد جمعها العجيلي في كتب وأهمها:
(حكايات من الرحلات: وهو أول مجموعة قصصية التي أصدرها العجيلي في أدب الرحلات وذلك في عام 1954-دعوة الى السفر-خواطر مسافر)- ادفع بالتي هي أحسن- محطات في الحياة).
المراجع:
1- عدنان الداعوق: الكاتب بين الأسلوب والسفر- مجلة الفيصل- السعودية-العدد22 ربيع الآخر 1399هـ/آذار -1979.
2-المصدر السابق
3-المصدر السابق
4-بطرس اشقر: القاص والروائي عبد السلام العجيلي- جريدة نداء الوطن الخميس 16/12/1999.
5-محمد كامل الخطيب: من مقدمته لكتاب المقامات للعجيلي ط2003/ص8
6- بطرس الأشقر: المصدر السابق .
بشارعبد الله منافيخي
المصدر: البعث
إضافة تعليق جديد