أخطار «الشرعنة» الأميركية للمستوطنات
يكفي تصريح واحد من الإدارة الأميركية حول مسألة من المسائل الفلسطينية الحسّاسة، كالقدس والاستيطان، حتى تغرق الوكالات ووسائل الإعلام باستهجان ادعاءات البيت الأبيض الذي لا يملك أيّ صفة أو مرجعية دولية أصلاً في إضفاء الشرعية أو سحبها أو الاعتراف بكيانات جديدة. لكن، بعيداً عن قانونية تصريحات واشنطن الأخيرة في موضوع الاستيطان في الضفة المحتلة، ثمة أسئلة موازية هي في الحقيقة أهم وأخطر من الدعم الأميركي لإسرائيل، تتمحور حول واقع الاستيطان وما تبقى من فلسطين. واقعٌ تكشفه الأرقام الصادمة لعدد المستوطنات والبؤر الاستيطانية وسكانها، عدا ما سرقته المواقع العسكرية والجدار العازل. كلّ ذلك ليس وليد المصادفة، بل استمر منذ حرب 1967، ولم توقفه اتفاقات السلام مع دول الطوق، والتي استهدفت عزل مصر والأردن عن القضية الفلسطينية، وتحوير طبيعة الصراع إلى «حدود وجيرة وتفاهمات وترتيبات دبلوماسية». هكذا، استمر التفاوض باسم «أوسلو» مع تنسيق أمني وملاحقة أيّ عمل مقاوم منظّم في الضفة المحتلة على يد أمن السلطة الفلسطينية المدرّب أميركياً، في حين استمر الاستيطان علناً وبوتيرة متسارعة.
في الأيام الماضية، اقتصر الردّ الفلسطيني والعربي على إعلان «شرعية المستوطنات» على التعبير عن الصدمة، إلى جانب موقف هزيل بلا أيّ وسيلة ضغط حتى ولو في صورة اجتماعات عاجلة أو ما شابه. هشاشة يبدو انتقادها أمراً طبيعياً، على الرغم من أن إطلالة سريعة على وضع الاستيطان تظهر أن الواقع الذي فرضه الاحتلال هو مصدر قوة الإعلان الأميركي، لا قرار دونالد ترامب في حدّ ذاته. الأرقام الرسمية الصادرة عن «جهاز الإحصاء الفلسطيني» تفيد بأن عدد المستعمرات (التسمية الرسمية لدى السلطة للمستوطنات) يبلغ 150 (منها ثمانٍ بُنيت بعد توقيع «أوسلو»)، يقطنها 653,621 مستوطناً موزعين على 11 محافظة في الضفة. ومن بين تلك المستوطنات، تتبع نحو 125 لمجلس «يشغ» (اختصار بالعبرية لـ«يهودا، شمرون، غزة»)، الذي يسعى إلى جعل الاستيطان على رأس سلّم أولويات إسرائيل، وانتزاع ميزانيات هائلة لتشجيع الحركة الاستيطانية، مع أن «المجتمع المحلي» الصهيوني يعمل بصورة مستقلة عن الدولة في قطاع الاستيطان. وبينما تمثل ما تسمى المستوطنات الزراعية نحو 17% من نسبة المستوطنات في الضفة، تمثل «مستوطنات الحضر» نحو 40%، وهي التي يقطنها 90% من المستوطنين، أكثر من نصفهم في القدس فقط.
بالانتقال إلى محافظة القدس، تنتشر 26 مستوطنة مأهولة في منطقتَي «J1» و«J2» ويقطنها 306,529 مستوطناً. وتلي القدس محافظة رام الله والبيرة التي شُيّدت على أراضيها 26 مستوطنة بعدد مستوطنين أقلّ (129,201). أما محافظة طولكرم (شمال)، فهي الأقلّ في عدد المستوطنات (3)، فيما النسبة الأدنى من المستوطنين تُسجَّل في طوباس (2272). والجدير ذكره، هنا، أنه لا علاقة لعدد المستوطنات بعدد المستوطنين؛ ففي الأغوار وأريحا مثلاً، ثمة 17 مستوطنة يشغلها 6732. وتتقاطع هذه الأرقام الرسمية الصادرة لسنة 2018، والمندرجة في إطار «قاعدة بيانات الاستعمار ومصادرة الأراضي»، مع أرقام «مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي» (2003 - 2017)، و«معهد القدس للدراسات الإسرائيلية» (2018).
كذلك، تظهر الإحصاءات أن عدد البؤر الاستيطانية (ليست بحجم مستوطنة) في الضفة يبلغ 116، في حين أن مساحة مناطق النفوذ للمواقع الاستيطانية في 2016 تبلغ 540 كلم2، ومساحة المناطق المغلقة عسكرياً في العام نفسه 1016 كلم2. ومنذ ذلك الوقت حتى 2017، انضم 641,218 مستوطناً إلى أراضي الضفة بعدما كان عددهم 12,403 في 1972.
الأخبار
إضافة تعليق جديد