«مرة أخرى» الحائز جائزة أفضل فيلم في مهرجان دمشق

12-11-2009

«مرة أخرى» الحائز جائزة أفضل فيلم في مهرجان دمشق

حاز فيلم «مرة أخرى»، التجربة الأولى للمخرج جود سعيد في الفيلم الطويل، جائزتين في مهرجان دمشق السينمائي؛ جائزة أفضل فيلم عربي، إلى جانب جائزة لجنة التحكيم الخاصة. ولم تتجاوز الأفلام العربية في مسابقة الفيلم الطويل سبعة أفلام هي السوري «بوابة الجنة» لماهر كدو، والمغربي «الدار السوداء» لنور الدين لخماري، والجزائري «مصطفى بن بو لعيد» لأحمد راشدي، والمصريان «واحد صفر» لكاملة أبو ذكري، و«المسافر» لأحمد ماهر، بالإضافة إلى التونسي «ثلاثون» للفاضل الجزيري. مشهد من الفيلم
في «مرة أخرى» يحكي جود سعيد حكاية مستلهمة من وضعه الشخصي كابن ضابط سوري سابق في لبنان، وهو قد كتب بنفسه سيناريو الفيلم، ما يعيدنا مجدداً إلى موجة سينما المؤلف في سوريا، خصوصاً أن المخرج قد عمل من قبل على موضوعة لبنان - سوريا، وهو ينوي، كما يقول، أن يتابع البحث في هذه العلاقة الشائكة.
العلاقة بين لبنان وسوريا في الفيلم لا توارب، تدخل فوراً من باب العسكر، فمسوّغ التطرّق إلى هذه العلاقة وجود ضابط كبير وعائلته في لبنان، وما الفيلم إلا سيرة هذه العائلة. يبدأ الفيلم على وقع أحداث العام 1982 حيث الاجتياح الإسرائيلي للبنان، وفي الخلفية نشرة أخبار تحكي عن التصدي السوري، كما تصدي المقاومة الوطنية. حينذاك كان مجد، وهذا هو اسم بطل الفيلم، ابن الضابط، لا يزال طفلاً، لكن الحكاية تُحكى في زمنين بشكل متناوب، ما بين عامي 82 وحرب تموز 2006، حيث ان مجد (قيس الشيخ نجيب) شاب مدير لقسم المعلوماتية في أحد البنوك.
مجد يقع بغرام المديرة الجديدة لفرع البنك في المزة، التي يصادف أنها لبنانية (تؤديها اللبنانية بياريت قطريب)، رغم أنه «بيتنكرز من اللبنانيين» كما تقول عنه إحدى الشخصيات، والسبب نراه في بداية الفيلم حيث تقتل أمه وهما معاً في السيارة على يد قناص يحمل سلاحاً إسرائيلياً، وقد كان الأب هو المقصود. أما هي فمن الواضح أنها أرغمت على العمل في سوريا، ومن الواضح أيضاً أن لسوريا علاقة بمقتل أبيها. لكل منهما إذاً ثأر مع الآخر، أو مع ما يمثله الآخر. وهذا ما يفسر فقدان الذاكرة، فقد الشاب ذاكرته بعد أن نجا من حادث إطلاقه النار على رأسه وظل طويلاً في غيبوبة إلى أن أفاق منها بلا ذاكرة (هنا يعلّق الأب الضابط: «وبلاها هالذاكرة»، وفي مرة أخرى يقول: أتمنى أن ينصفنا الزمن، ويغفر لنا الناس.. اعتراف واضح بما ارتُكب هناك). يقول الشاب السوري لحبيبته اللبنانية مع نهايات الفيلم: لا أتذكر شيئاً من أمي، كنت صغيراً حين ماتت. وتقول اللبنانية لحبيبها السوري: لا أتذكر شيئاً من أبي، كنت صغيرة حين مات. هناك إذاً علاقة حب محمّلة بالرموز، ليست مجرد قصة حب عادية، وربما كان الفيلم برمته يكمن في رمزية هذه الحكاية، أو لعلها نوع من الأنسنة لعلاقات السياسة والعسكر.
الشاب مجد، ومديرة البنك جويس، اللذان بدآ خصمين، قادتهما الخصومة إلى حكاية حب جميلة، وبعد مشاجرات وتلصص تنتهي الحكاية أثناء حرب تموز 2006، حين تطلب جويس من مجد، الذي ما زال مسلحاً بالسلطة كلّها وراءه، بأن يوصلها إلى لبنان حيث أمها وابنتها في انتظارها، يأخذها إلى جسر خشبي على الحدود في غاية الرومانسية، من المستبعد أن يكون موجوداً في الواقع، تمضي هي في مشهد شاعري عبر الجسر إلى بلدها، ويبقى هو معلقاً في منتصف المسافة، هو الذي تنوس هويته أصلاً بين بلدين.
لكن الشخصية التي تسيطر على أجواء الفيلم، إلى جانب قصة الحب هذه، شخصية الأب (أداها جوني كوموفيتش، وهو ليس ممثلاً بالأساس)، الضابط الكبير، وقد أراده الفيلم نوعاً من الفارس المحارب، الذي يبدي قسوة تتطلبها شخصية العسكري، لكنه لا ينسى أن يخبئ ابتسامة لنفسه حين يأتيه خبر استيقاظ ولده من الغيبوبة. هو نوع من المحارب الذي يجد نفسه في الحرب لا في السلم، يقول: سيقتلني هذا الهدوء. وهو يقصد هدوء ما بعد الحرب في لبنان. وما عبثه بالمسدس إلا توطئة لانتحار لم يتأخر كثيراً.
مسرحية رحبانية
حين أخذ الفيلم عنوان «مرة أخرى»، أراد أن يقول إن سوريا التي تمد اليد للمساعدة في حروب لبنان، كما في اجتياح 1982، عادت مرة أخرى العام 2006 لتمد يد العون، وإن كان هذه المرة عبر الناس لا السلطة، وبذلك يقدم الفيلم نفسه كما لو كان فيلم دعاية سياسيا، والعنوان لا يترك لبساً ولا تأويلاً، ولا ندري كم سيرضى سينمائي أن يساق فيلمه في غرض من هذا النوع. بل يصل الأمر إلى حدّ استخدام نشرات الأخبار في الخلفية لبعض التلميحات السياسية، كخبر عن لقاء جنبلاط لمسؤول سوري، استبقاه على الغداء، وصرّح بعدها أن العلاقة مع سوريا مصيرية. أو ظهور الأمين العام لحزب الله في أحد خطاباته أثناء الحرب على شاشة في مقهى.
وفي المقابل وجهت انتقادات لحال البلد عبر عبارات متناثرة هنا وهناك على لسان مختلف الشخصيات؛ تقول اللبنانية جويس لشقيقتها: أحس بنفسي كأنني أعيش مسرحية من تأليف الأخوين رحباني. وهي تقصد أن الحياة هنا نسخة عن الحياة هناك، كانت تتحدث وعلى وجهها علامات التذمر، أو حين يعلّق مجد وهو يراقص حبيبته في سهرة: لا أحد برجوازيا هنا إلا البنت التي تعزف البيانو.
لكن الفيلم يظلم نفسه حين يغوص في السياسة، فهو يقدم مشهدية مشغولة بعناية وصبر، وفي بعض الأحيان إلى حدّ الترف، مثل تلك اللقطة التي تنقطع فيها الكهرباء عن مشهد، فيدخل الفانوس إلى الغرفة ليقدم إضاءة مختلفة عما سبق، لم يكن للأمر ضرورة درامية إلى هذا الحدّ، ومن الواضح أن ثمة ولعاً بتكوين الصورة والضوء (مديرة التصوير جود كوراني)، كذلك الأمر في مشهد الختام عند عبور الجسر في الليل، وتلك اللقطة للّذين يعبرون النهر وهم يحملون الفوانيس، واللقطة قد تكون أقرب إلى الشعر من الواقع. كذلك فإن توزيع العابرين للنهر في هذه اللقطة يذكّر بالعناية التي أولاها الإخراج عموماً للميزانسين، كما لو كنا أمام تشكيلات مسرحية. فقد كان المخرج مولعاً أيضاً برسم حركة الشخصيات في كل مشهد.
على المستوى السينمائي اعتُبر الفيلم واعداً بسينمائيّ سوري جديد ومختلف، بل بجيل سينمائي شاب ذي ذائقة جديدة. لكن إذا كانت أفلام السينمائيين السوريين البارزين عانت صراعاً مريراً مع الرقابة، هي التي أنتجت في ظل المؤسسة العامة للسينما نفسها التي أنتجت «مرة أخرى»، وظلّ بعضها ممنوعاً من العرض الجماهيري حتى اللحظة، كفيلم أسامة محمد «نجوم النهار»، فإن هذا الفيلم يبدو كأن الرقابة بالذات هي من أنتجه، خصوصاً حين يوظف نفسه للدعاية السياسية.
(شارك في التمثيل عبد اللطيف عبد الحميد، عبد الحكيم قطيفان، كندة علوش، فادي صبيح، آنجو ريحان جمال شقير مجد رياض. ووضع الموسيقى نديم مشلاوي).

راشد عيسى

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...