«آخر خمس عشرة ثانية»:الفرجـة تتفـوق علـى الحـوار

27-11-2010

«آخر خمس عشرة ثانية»:الفرجـة تتفـوق علـى الحـوار

لم يكن «فضاء الثقافات المتعددة»، التجمع المسرحي الكندي، ليجد أفضل من شخصية المخرج السوري العالمي مصطفى العقاد رمزاً لحوار بين الثقافات، فضلاً عن كونه ضحية للإرهاب الأعمى الذي يحمل لواء الإسلام ثم يأخذ في طريقه أحد أبرز من حملوا على عاتقهم تحسين صورة الإسلام عبر وسائط ولغة الغرب، بل بأكثرها رواجاً، بوسائط السينما الهوليودية.
ولقد اختار العرض، الذي حمل اسم «آخر خمس عشرة ثانية» أن يبني لقاء مفترضاً بين شخصية العقاد، الذي قضى في حادث تفجير إرهابي في العاصمة الأردنية عمان في العام 2005، وبين قاتله الذي فجر المكان بحزام ناسف. اللقاء المسرحي الافتراضي يجري في الثواني الأخيرة من حياة الرجلين، تلك التي يقال إن المرء يرى فيها حياته كلها تمرّ في عينيه كشريط سريع.
وهنا فإن العرض (من إخراج الكندي اللبناني مجدي بو مطر) يستعمل هذه الزمن الخاطف لعرض شريط مسرحي يستعيد حياة القاتل والضحية. يستعيد سيرة العقاد منذ خروجه من بلده سوريا لا يلوي سوى على بضعة دولارات، إلى عمله في سلسلة أفلام «الهالوين» كوسيلة لا بد منها من أجل مشاريعه السينمائية المقبلة. والعرض هنا لا يعفي العقاد من مسؤولية ما، عبر عنها المخرج صراحة حين قال «إن الكل يتحمل مسؤولية مقتل العــــقاد، حتى أفــلام الرعب والعنف التي عــملها العقاد نفـــسه».
ويتابع العرض سيرة العقاد وصولاً إلى ترتيب لقاء مع ابنته في أحد فنادق عمان، وصولاً إلى حفل زفافها، ثم تسلل الإرهابي ونسف المكان.
كذلك تسرد المسرحية نشأة الإرهابي العراقي، كيف ولد ولم يتسن له أن يرى والده الذي قتل في الحرب، ثم سجنه على يد نظام صدام، وبعدها على يد القوات الأميركية، ثم انخراطه في مجموعة مجهولة صار بعدها يشيح عن أمه فلا يقبلها، كـما حرم وجود جهاز التلفزيون في المنزل، وصولاً إلى زواجه من ساجدة الريشاوي وتزنيرها بحزام ناسف.
وفي صياغة الحكايتين يحسب للعرض أنه بنى كلاً منهما فقط بإعادة تركيب وترتيب المفردات والعناصر ذاتها، فمن الواضح أن البيئة التي أنتجت العقاد هي التي أنتجت قاتله، فكتاب القرآن متداول بينهما، والقصص التي تشكل مخيلة ووجدان كل منهما هي ذاتها. كذلك فإن العرض جعل الممثلين أنفسهم مرة يؤدون أدوار أقارب العقاد ومرة أقارب قاتله. فالممثلة السورية ندى الحمصي لعبت دور والدة العقاد، ومن ثم جدة القاتل (من دون أن تبدل ملابسها مثلاً)، ولعبت آن ماري دونوفان دوري زوجة العقاد ووالدة الإرهابي، كما لعبت بام باتيل دور ريما ابنة العقاد ودور ساجدة.
الحكاية نفسها
كل ذلك وصولاً إلى حكاية صلاح الدين الأيوبي التي ترويها جدة الإرهابي، ليتبناها كل من القاتل والقتيل بطريقته، فالقاتل لا يرى في صلاح الدين سوى مدمّر، بينما هو للعقاد فيلم آخر قادم عن صورة الإسلام السمح والمتوازن، تماماً كما تقدمه جدة الإرهابي في حكايتها.
أما ختام العرض فسيكون حفل زفاف ريما، في مشهد عائلي حميم، تكون ذروته حين تصطف العائلة من أجل صورة تذكارية، فيما القاتل في الخلف يحاول التسلل إلى الصورة. وما نجاحه في الدخول إلى الصورة سوى نسف لها. إنه مشهد جميل وعميق في التعبير عن معنى ذلك التفجير الإرهابي.
أحداث العرض تجري في عمان، وفي عمق الخشبة كنا نشاهد الغسيل المنشور على الحبال، الذي يوحي ببيوت عمان الجبلية المتجاورة، ولكن المخرج أرادها كما يبدو كمعنى حميم ومعبر عن الحياة. وفي قلب العرض حضرت مفردة الغسيل والملابس مرات عدة خصوصاً في مشهد نساء ينشرن الغسيل على السطوح. المفردة تحتمل الاشتغال أكثر هنا، وإذا ربطناها مع التفجير فإن المشاهد المتبقية عادة من حوادث التفجير، وهي ما يتبقى عند وصول الكاميرا، فإن ما يبقى كومة من الملابس والمزق والأحذية، كل ذلك الحــضور البشــري ببذخه أو حيويته لن يصبح سوى كومة ملابس.
يمكن القول أخيراً إن العرض، وهو ناطق بالانكليزية، استطاع أن يكون بمتناول الجمهور لا بسبب لغته المبسطة وحسب، بل بسبب الاشتـغال على عنـــاصر محض فرجوية، حضر الإيماء، والحـــركة المــسرحية المدروسة، وكذلك التمثيل المبدع والمؤثـــر.
يُذكر أن العرض تأليف جماعي طوّره غاري كيركهام، ولعب دور العقاد فيه اللبناني بديع أبو شقرا، ودور الإرهابي تريفور كوب، تصميم الإضاءة جينيفر هيمينيس، والأزياء شيري تايمز التي صممت الديكور أيضاً بالاشتراك مع بيل تشيزني. أما الموسيقا فهي لنيك ستورينغ.
كذلك فإن جولة العرض في عمان ودمشق وبيروت تمّت برعاية مؤسسة «المورد الثقافي»، ومهرجان المسرح الأردني، ومديرية المسارح والموسيقا في دمشق، ومسرح دوار شمس في بيروت.

راشد عيسى

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...