الأهداف غير المعلنة من زيارة أردوغان لمصر
الجمل: تشهد الساحة السياسية المصرية حالياً فعاليات زيارة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، وفي هذا الخصوص تقول المعلومات بأن زيارة أردوغان لمصر تأتي ضمن جولة سوف يزور فيها ليبيا وتونس، فما هي طبيعة هذه الزيارة، وما مدى مصداقية نوايا دبلوماسية أنقرا الشرق أوسطية الجديدة، وإلى مدى سوف تشكل الإدراك المتبادل حول مكانة وطبيعة الدور التركي الجديد في المنطقة؟
* جدول أعمال أردوغان في مصر: توصيف المعلومات الجارية
تحدثت التقارير الجارية عن زيارة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان لمصر باعتبارها الحدث الدبلوماسي الشرق أوسطي الذي اكتسب أهمية فائقة بسبب العديد من الأسباب الداخلية والإقليمية والدولية، وفي هذا الخصوص، أشارت المعلومات إلى بنود جدول أعمال الزيارة على النحو الآتي:
• فترة الزيارة: ثلاثة أيام.
• الوفد المرافق: يضم وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو ـ وزير الاقتصاد التركي زافير ساغلايان ـ إضافة إلى 200 من كبار رجال الأعمال الأتراك.
• اللقاءات: تتضمن لقاء مع رئيس المجلس العسكري المصري الحاكم المشير طنطاوي، رئيس الوزراء المصري عصام شرف، إضافة إلى اللقاء مع رموز وقيادة جماعة الإخوان المسلمين المصرية، وأيضاً لقاء مع شيخ الأزهر، هذا، وكان متوقعاً أن يخاطب أردوغان حشداً جماهيرياً في ميدان التحرير، ولكن تم إلغاء ذلك دون توضيح الأسباب.
هذا، وتقول المعلومات والتسريبات بأن أهداف الزيارة قد ركزت على الآتي:
• زيادة حجم التبادل التجاري المصري ـ التركي، بما يتجاوز الرقم الحالي البالغ قدره 3 مليار دولار إلى 5 مليار دولار.
• زيادة الاستثمارات التركية في مصر، وبالذات في مجالات: النسيج ـ الملابس الجاهزة ـ السياحة ـ الصناعات الغذائية ، الكيماويات ـ إضافة إلى زيادة عدد وحجم وطاقة المناطق الصناعية التركية.
• تشجيع رجال الأعمال المصريين والأتراك على إقامة المشروعات المشتركة بين البلدين بما يشمل مجالات التعدين وصناعة السيارات والطاقة المتجددة والقطارات السريعة والنقل البحري وتدوير النفايات.
• توسيع التعاون في مجالات الإعلام والتعليم والتجارة والصناعة والطاقة والشباب والرياضة وموارد الثروة المعدنية.
بالنسبة للاعتبارات السياسية والاستراتيجية، فقد تناولت المحادثات التركية ـ المصرية القضايا الدولية والإقليمية ذات الاهتمام المشترك، إضافة إلى استعراض التطورات الجارية في منطقة الشرق الأوسط على ضوء حركات الاحتجاج السياسي المستشرية في المنطقة.
* التعاون الاستراتيجي التركي ـ المصري: ماذا يحمل
تحدثت المعلومات عن تفاهم رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان مع رئيس المجلس العسكري المصري المشير طنطاوي لجهة القيام بتشكيل المجلس الأعلى للتعاون الاستراتيجي التركي ـ المصري، والذي سوف يضطلع بمهام إدارة العلاقات الثنائية التركية ـ المصرية على المستوى الاستراتيجي الكلي والجزئي، وفي هذا الخصوص يمكن الإشارة إلى الجوانب الآتية:
• التعاون العسكري التركي ـ المصري: يتميز البلدان بالتبعية التسليحية العسكرية للولايات المتحدة الأمريكية، مع وجود قدر محدود من قدرات التصنيع العسكري الحربي، إضافة إلى أن الجيشان المصري والتركي يعتمدان المذهبية العسكرية الأمريكية، وبالتالي، على الأغلب أن يكون هذا التعاون تحت رعاية واشنطن، والتي سوف تضع في حسبانها مدى تأثير هذا التعاون على أمن إسرائيل.
• التعاون الاقتصادي التركي ـ المصري: يتشابه البلدان في كافة الأنشطة الصناعية والتجارية والسياحية والزراعية، مع ملاحظة أن تركيا هي الأكثر تطوراً بالنسبة لمصر.
• التعاون السياسي التركي ـ المصري: ظلت تركيا ومصر، خلال الحقب الماضية الأكثر ارتباطاً بتوجهات السياسة الخارجية الأمريكية الشرق أوسطية، إضافة إلى ارتباطها بالمزيد من الاتفاقيات السياسية والعسكرية والاقتصادية والأمنية مع إسرائيل، وبالتالي، فإن التعاون العسكري التركي ـ المصري، سوف يكون بطريقة أو بأخرى مرتبطاً بتوجهات واشنطن ومن وراءها إسرائيل.
حتى الآن، لم تظهر أي تفاصيل توضح طبيعة وقوام هذا المجلس وكيفية أدائه، وآليات عمله واختصاصات ولايته، وهل ستكون له طبيعة تنفيذية أم طبيعة استشارية، وإلى حين ظهور التفاصيل يكون من الممكن والمتاح معرفة شكل وسيناريو التعاون الاستراتيجي المصري ـ التركي.
* دبلوماسية أردوغان في مصر: إشكالية الحمل الكاذب
تحدث العديد من الخبراء والمحللين السياسيين المصريين والأتراك عن جدوى زيارة رئيس الوزراء التركي أردوغان والوفد الكبير الحجم المرافق له إلى مصر، وفي هذا الخصوص، فقد تتباين وجهات النظر، والتي ركزت على النقاط الآتية:
• أن إقامة المجلس الأعلى للتعاون الاستراتيجي المصري ـ التركي، هو أمر سابق لأوانه، فالمطلوب أولاً حوار تركي ـ مصري، والمطلوب ثانياً إقامة علاقات ثنائية قوية متطورة تشمل مختلف المجالات، ثم بعد ذلك، تظهر آفاق إقامة الشراكة الاستراتيجية بموجب اتفاقيات تؤدي إلى التعاون الاستراتيجي بمعناه المعروف والمتداول بواسطة خبراء العلاقات الدولية، وفي هذا الخصوص، ما حدث الآن وسوف يحدث خلال الفترة القادمة هو مجرد تفعيل لعلاقات اقتصادية ثنائية تركز على تجارة الملابس والمنسوجات والمواد الغذائية، إضافة إلى السياحة.
• إن المجلس العسكري المصري الحاكم، ورئيسه المشير طنطاوي، سوف لن يكونا موجودين بعد إجراء الانتخابات العامة المصرية المحدد عقدها بعد حوالي الشهرين، وبالتالي، فإن القرار النهائي والاضطلاع بعمليات تنفيذ الاتفاقيات وتطوير العلاقات الثنائية سوف يكون ضمن ولاية الرئيس المصري الجديد والبرلمان المصري الجديد.
• إن الاقتصاد المصري ظل لفترة طويلة يعاني من ضغوط أزمات الفساد، والديون، وتدهور القدرات الشرائية إضافة إلى تزايد معدلات الفقر والبطالة والتضخم، وبالتالي، فإن قدرة الاقتصاد المصري لجهة الانخراط في مبادلات تجارية متوازنة مع الاقتصاد التركي سوف تكون محدودة، وتشير التوقعات إلى أن المبادلات التجارية المصرية ـ التركية التي وصل معدلها إلى 3 مليار دولار خلال العام الماضي سوف تنخفض بقدر كبير، وبالتالي، يبرز السؤال المحرج القائل: كيف يمكن رفع هذه المعدلات خلال هذا العام لتصل إلى 5 مليارات دولار؟
• يحتاج الاقتصاد المصري إلى المزيد والمزيد من الدعم لكي يتعافى ويصبح قادراً على الإيفاء بالتزاماته الداخلية والخارجية، وبالمقابل، فإن الاقتصاد التركي برغم أنه في حالة جيدة فإنه ليس بالحجم والقدرة الكافية لجهة القيام بتقديم التنازلات والمزايا الاقتصادية والتجارية الكافية لدعم وإسناد الاقتصاد المصري، والذي يحتاج إلى مبالغ تعادل ما يقرب من نصف حجم الاقتصاد الكلي التركي وبكلمات أخرى، إذا كان حجم الناتج المحلي الإجمالي التركي في حدود 500 مليار دولار. فإن إنقاذ اقتصاد مصر يحتاج إلى 250 مليار دولار كمساعدات وتدفقات رأس مال مباشرة وغير مباشرة على الأقل. وهو مبلغ لن يستطيع لا الاتحاد الأوروبي ولا أمريكا ولا حتى دول الخليج مجتمعة تقديمه. ناهيك عن تركيا.
• ظلت أنقرا تتباهى دائماً بمشاعر الوجاهة المتعلقة بقيادة ونفوذ تركيا في الشرق الأوسط، ونفس الشيء، فقد ظلت القاهرة أكثر تباهياً بمشاعر الوجاهة المتعلقة بدور مصر القائد في الشرق الأوسط، والآن، من سيقود الشرق الأوسط، أنقرا، أم القاهرة؟ وتقول الإجابة أن التطورات الإقليمية والدولية الجارية قد أبطلت قيادة الطرفين عملياً. فأنقرا ما زالت غير قادرة على احتواء خطر عمليات حزب العمال الكردستاني، وغير قادرة على إخراج القوات الأرمنية من أراضي حليفتها أذربيجان، وغير قادرة على الحصول على اعتذار رمزي من إسرائيل، أما القاهرة، فينتظرها الكثير الكثير لكي تصبح قادرة على محاربة الفقر والبطالة وتوفير الغذاء والطعام لثمانين مليون مصري.
على أساس اعتبارات المفاضلة والتحليل المقارن بين أهداف زيارة أردوغان للقاهرة في جوانبها المعلنة وغير المعلنة، يتضح لنا، أن أردوغان قد سعى من أجل تحقيق الأهداف غير المعلنة الآتية:
• السعي لبناء الروابط والعلاقات مع جماعة الإخوان المسلمين المصرية، وذلك لضمان وجود "ذراع تركي" داخل الساحة السياسية المصرية.
• إضعاف الروابط المصرية ـ الإيرانية، وذلك على أساس اعتبارات أن تقوية الروابط المصرية ـ التركية، سوف يؤدي إلى جعل القاهرة تقف إلى جانب أنقرا في حالة توتر علاقات خط طهران ـ أنقرا.
• إضعاف النفوذ السعودي في مصر، فزيارة أردوغان لمصر جاءت في وقت توترت فيه العلاقات المصرية ـ السعودية، بسبب غضب الرأي العام المصري إزاء محاولات التدخل السعودي الساعية لإعاقة إجراءات محاكمة الرئيس المصري السابق حسني مبارك.
تقول بعض التفسيرات بأن زيارة أردوغان لمصر، هدفت إلى وضع القوى الإسلامية المصرية تحت سيطرة ونفوذ أنقرا، بما يتيح لاحقاً قيام أنقرا بالسيطرة على توجهات الإسلاميين المصريين، وتهدئة غضبهم وحنقهم المتزايد ضد أمريكا، والتي هي حليفة أنقرا.
وفي هذا الخصوص، فقد برزت بوضوح عمليات الاسترضاء والترحيب الكبير الذي أبدته عناصر جماعة الإخوان المسلمين المصرية، والذين احتشدوا في الأزهر وهم ينشدون أمام الزعيم الإسلامي التركي أردوغان: اسطنبول.. يا اسطنبول.. القاهرة معاكِ على طول.
الجمل ـ قسم الدراسات والترجمة
التعليقات
الحساب
هل يجتمع ديكان على مزبلة واحدة؟
إضافة تعليق جديد