على طاولة المصالحة الوطنية: أي مستقبل ينتظر السوريين
الجمل: انتقلت عدوى الاحتجاجات السياسية السورية إلى العديد من المدن والقرى، وتميزت جميعها بالطابع المحدود كمياً لجهة عدد المشاركين ، وعدم وجود الرؤية الموحدة بسبب تباين مكونات المعارضة السورية، إضافة إلى اختلاف الشعارات والمطالب، وبرغم ذلك فما كان لافتاً للنظر والاهتمام الشديد، الطابع المختلف الذي تميزت به فعاليات الاحتجاجات في المنطقة الشمالية المجاورة للحدود التركية: لماذا اختلفت الفعاليات في هذه المنطقة عن الفعاليات الأخرى التي شهدتها المناطق الأخرى وكيف يمكن قراءة وفك شيفرة احتجاجات مثلث جسر الشغور ـ إدلب ـ معرة النعمان؟
* تباين فعاليات الاحتجاجات السياسية السورية
لاحظ جميع الخبراء والمراقبين، أن فعاليات حركة الاحتجاجات السياسية السورية، أصبحت تتسم بمسارين مختلفين على المستوى الداخلي:
• المسار الأول: احتجاجات صغيرة محدودة تحدث بشكل دوري في أيام الجمعة، وتبدأ بخروج المصلين عقب صلاة الجمعة. وسرعان ما تتفرق، وتهتف من خلالها بعض العناصر بعبارات مثل "حرية.. حرية"، "لا إله إلا الله"، والبعض يصل إلى هتاف "الشعب يريد إسقاط النظام".
• المسار الثاني: مجموعات مسلحة متفرقة تقوم بمهاجمة بعض قرى ومناطق المنطقة الشمالية المتاخمة للحدود التركية، وتقوم بتنفيذ الاغتيالات ضد رجال الشرطة والأمن إضافة إلى تدمير وحرق المنشآت العامة، وعلى وجه الخصوص مجمعات المحاكم وأقسام الشرطة وغالبا من دون وجود أي مظاهرات أو شعارات مواكبة، وفقط تكثر الاتصالات الخليوية مع بعض الفضائيات العربية التي تخصصت في التقاط هذا النوع من المحادثات وبثها على مدى الأربعة أشهر الماضية.
القيام برصد ومتابعة فعاليات الاحتجاجات السياسية السورية، مع القيام بتحليل محتوى ومضمون تطورات الأحداث والوقائع الخاصة بهذه الفعاليات يقودنا إلى طرح التساؤلات الاستقصائية الآتية:
• لماذا اختلفت فعاليات مثلث جسر الشغور ـ معرة النعمان ـ إدلب، عن بقية فعاليات الاحتجاجات السياسية السورية؟
• الأطراف الخارجية الإقليمية والدولية التي تدعم هذه الفعاليات هي نفسها ولم تتغير فلما إذاً اختلفت أساليب منهجيات دور الأطراف الثالثة الخارجية وعلى وجه الخصوص في منطقة مثلث جسر الشغور ـ معرة النعمان ـ إدلب عن غيرها من بقية المناطق الأخرى.
المثير للانتباه في مسيرة الاحتجاجات المتدرجة تتمثل في أنه عندما بدا واضحاً أن "نموذج درعا" قد استنفذ صيغته. تم اللجوء إلى "نموذج بانياس ـ حمص"، والذي عندما استنفذ صيغته تم اللجوء إلى نموذج مثلث "جسر الشغور ـ معرة النعمان ـ إدلب"، والذي بدأ وهو يستنفد صيغته. وقبل بضعة أيام برز ما يمكن تسميته بـ"النموذج الحموي"، فهل يا ترى سوف يشكل النموذج الجديد القادم، أم أنه يشكل الارتداد الطبيعي للنموذج الحموي القديم بعد أن فشلت كل النماذج السابقة.
* السلطة والمعارضة: إشكالية ثنائية التصعيد المدمر ـ التصعيد البناء
تشير المعطيات الجارية طوال الأشهر الماضية إلى بروز ظاهرة الصراع اللامتماثل بين طرفين، هما:
• السلطات السورية، وتراهن على التصعيد البناء من خلال طرح رهان الالتزام بالحوار والتفاهم وإجراء الإصلاحات الوطنية المطلوبة.
• المعارضة السورية، وتراهن على التصعيد المدمر من خلال طرح رهان الالتزام بتسيير المواكب الاحتجاجية.
المفارقة الماثلة للعيان تتمثل في الآتي:
• بدأت عملية التصعيد البناء، بشكل عملي من خلال إصدار القرارات التي نفذت المطالب العاجلة مثل إلغاء قانون الطوارئ وإصدار قرارات العفو العام، إضافة إلى تشكيل هيئة الحوار الوطني، وفي نفس الوقت تشكيل اللجان التي ظلت وما زالت أكثر انهماكاً في إعداد قانون الأحزاب وقانون الانتخابات وقانون الإعلام بما يلبي طموحات التحولات الجديدة.
• بدأت عملية التصعيد المدمر بشكل عملي، وبرغم محدودية هذا التصعيد وصغر حجمه، فإن طاقة الاستمرار والزخم ما تزال موجودة ومستمرة.
ثنائية التصعيد البناء والتصعيد المدمر، تقودنا مباشرةً إلى النقاط الاستنتاجية الآتية:
• العوامل التي تشكل مجرى التصعيد: تعاملت السلطات السورية هذه المرة بقدر كبير من التسامح والانفتاح إزاء الأمر، مقارنة بما كان يتم في الماضي من تعامل مع احتجاجات المعارضة. وبرغم ذلك، فقد ظلت المعارضة أكثر اهتماماً بمسار التمادي في الاحتجاجات.
• العوامل التي تشكل محفزات التصعيد: تسعى السلطات السورية بشكل دائم لجهة التأكيد على قناعتها الذاتية بضرورة إجراء الإصلاحات والتحولات، خاصة أن ملف الإصلاحات والتحولات قد تم التطرق له منذ بضع سنوات، وبالمقابل تسعى المعارضة السورية بشكل دائم لجهة التأكيد على قناعتها الذاتية بعدم جدوى هذه الإصلاحات.
تشير عملية تحليل المواقف إلى أن المحفز الرئيسي لتمادي المعارضة في محاولات دفع زخم الاحتجاجات، هو محفز يكمن في تأثير عامل الأطراف الثالثة الخارجية، والتي سعت بكل وضوح إلى دعم فعاليات المعارضة السورية عن طريق الدعم المالي ـ الدعم الإعلامي ـ الدعم الدبلوماسي، وبعد فشل الأطراف الثالثة الخارجية في محاولات تدويل ملف الاحتجاجات السورية بواسطة مجلس الأمن الدولي، كان من المتوقع أن تسعى السلطات السورية إلى استغلال الفرصة، واستغلال هذا الفشل كغطاء لجهة القيام بتوجيه ضربة قاسية بالقدر الذي يكفي لإنهاء فعاليات احتجاجات المعارضة دفعة واحدة، ولكن شيئاً من هذا القبيل لم يحدث.
* المعارضة السياسية السورية: إلى أين؟
بدت منهجية المعارضة السورية في إدارة الصراع أكثر وضوحاً، وعلى وجه الخصوص في الاعتبارات المتعلقة بالآتي:
• خط التصعيد النفسي ـ الاجتماعي: ونلاحظ وجود الظواهر الآتية في أداء المعارضة السلوكي: - تغييب الخطاب العقلي المنطقي بحيث لم ينجح أي طرف معارض في تقديم أطروحة أو برنامج سياسي مقنع وواضح المعالم والبنود ـ تغييب قضايا الصراع إذ حتى الآن لم ينجح أي طرف معارض في تقديم قضايا الصراع بشكل مرتب وواضح ومقنع ـ توظيف عقلية الحصار حيث ما زال خطاب المعارضة يركز على تصوير المحتجين باعتبارهم مجموعات تقبع تحت محاصرة قوى الأمن والجيش ـ الضغط باتجاه تقويض شرعية الدولة، فحتى الآن، لا توجد معطيات تؤكد بأن شرعية دمشق قد تراجعت ، وذلك بشهادة العديد من الأجانب الذين زاروا سوريا خلال الأسابيع الماضية ـ الضغط باتجاه تقويض صفة المواطنة، وحتى الآن ما زال العديد من رموز المعارضة يسعى باتجاه نشر فعاليات الكراهية الطائفية. وذلك بدليل عمليات القتل التي أخذت طابع التطهير العرقي ضد بعض الطوائف في منطقة جسر الشغور وجبل الزاوية ـ الضغط باتجاه توظيف مفهوم دم الضحية، وحتى الآن، ما زلنا نلاحظ الحلقة الدائرية الشريرة التي تبدأ بدفع عدد قليل من الأفراد للخروج في احتجاجات الجمعة، وعند سقوط أي ضحية، يتم توظيف مشاعر الثأر والانتقام في عملية تصعيد التعبئة لموكب الجمعة التالية، وهكذا ..
• خط التصعيد الإعلامي ـ السياسي: ونلاحظ وجود الظواهر الآتية في أداء المعارضة السلوكي: السعي للتجاوب السريع المتزايد مع فعاليات إعلام خصوم سوريا، وبكلمات أخرى فإن الإعلام الإسرائيلي والأمريكي والفرنسي والبريطاني يسعى باتجاه تقويض مكانة سوريا أرضاً وبلداً وشعباً، وبالتالي فإن ما يقدمه هذا الإعلام من خدمات لن يكون من أجل دعم المعارضة بقدر ماهو دعم يقوم على مبدأ فرق تسد، طالما أن دعم طرف سوري ضد طرف سوري آخر سوف يؤدي إلى إضعاف الطرفين. وإضافة لذلك نلاحظ سعي المعارضة الخارجية لجهة التقويض الاستباقي لجهود الحوار والإصلاح التي بدأت مسيرتها في الداخل، ويبدو هذا الاتجاه المتعصب خالٍ من أي مبررات منطقية، بدليل تصريحات رموز المعارضة الخارجية، والتي لم تنجح حتى الآن في تقديم أي رأي مقنع، سوى وصف الإصلاحات بعدم الجدية. أو بأنها جاءت متأخرة، إضافة إلى التشكيك في مصداقية رموز المعارضة الداخلية الذين سعوا للمشاركة في الحوار وبينهم مفكرين وزعماء أحزاب سورية اشتهرت بمعارضتها للسلطات على مدى فترة طويلة من الزمن.
خرجت دمشق من مصيدة القوى الكبرى العالمية الحليفة لإسرائيل، وبرغم ذلك، ما زالت دمشق تواجه مخاطر الاستقطابات العدائية الداخلية، والتي إن سعت المعارضة إلى التمادي في إشعالها، ورفض الحوار، فإن النتيجة الحتمية الوحيدة سوف تكون خسارة جميع الأطراف، بما يعني بالضرورة خسارة سوريا، وهي الخسارة التي لا يرغب في حدوثها أحد، طالما أن نيرانها سوف لن تتوقف ضمن حدود سوريا. وبرغم خلفيات العناد والعداء المتمادي، فإن الخيار الأفضل هو جلوس الجميع على طاولة الحوار والتفاهم، وفقط لفترة قصيرة محدودة، لكي يتضح لكل طرف مدى مصداقية أو عدم مصداقية الطرف الآخر، وبعدها من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر.
الجمل ـ قسم الدراسات والترجمة
التعليقات
سيدي الكريم لاتنسى ذكر
انا اوافقك الراي فالاعلام
أكيد
أكدت المعارضة المتمثلة بهيئة
الى ميرو اللادقاني
اولا هذه دراسة مترجمة وليست
أنا ممن يتابعون بقرب شديد
مارأيكم ؟
شعب بدو كل طايفة دولة و كل
إضافة تعليق جديد