جمهورية الأطفال الفاضلة
مثل دمعة تهطل من عين الله كذلك هو الإنسان.. ومازال البشر يهطلون من سماء الربّ ليرووا الحياة, فتأخذ النطفة خاصية الهواء الذي تمرّ عبره والتراب الذي تتفاعل معه, وتسافر الدمعة – النطفة عبر مسالك عديدة فتلج نسغ نبتةٍ أو عروق بشرٍ أو حيوان, وعبر كل هذه الرحلات تتشكل بذرة الذاكرة قبلما تخرج من فرج الحياة المؤنث، ليتعهدها ذئاب الأسرة والطائفة والعشيرة ورجال الدين والمدرسون والإذاعة والتلفزيون والإنترنيت والحزبيون، فيبرمجونها لتغدو كآلة من المخالب والقواطع والأنياب, ويطلقونها نحو غابة الحياة المفخخة بالذواكر المتفجرة.. وبعد أربعة عقود تجف دمعة الرب في قلب الإنسان ولا يبقى منه غير الشيطان.. "كل إنسان فوق الأربعين وغد ": كذلك كنت أقول قبل أن أبلغ الأربعين.. والآن وأنا في الخمسين رفعت سن السفالة إلى الستين, وعندما أبلغ الستين سوف أرفع الأوغاد إلى سن السبعين.. والحقيقة فإن مجرد قبول الفرد الإندغام والتماهي مع قوانين جماعته وأنيابها يجعل منه وغداً وينهي مشروع الإله في داخله, ولهذا دعوت منذ عقدين من السنين إلى استعادة الإنسان لألوهته عبر الحفاظ على طفولته, لكي يوازن بين الإله والشيطان بداخله كما في كل آيةٍ قرآنية تبدأ بالموازنة بين "أعوذ" و "بسم" حيث نقطة الباء هي دمعة الرب وسرها المخفي تحت عين الشمس..
الحكمة مما تقدم: ألتقي برئيس حكومة أو وزير أو مستشار أو مدير مثلما ألتقي زعيم حزب أو عضواً في حزب معارض, فلا أصنفه تبعاً للدائرة التي يقف فيها, وإنما أرصد أولاً بقايا الطفل فيه, فإذا لم أجد شيئاً, أنفض يدي منه وأعرّي الوحش فيه, فينصدم أولاً قبل أن يهاجمني, ثم, عندما تنبذه أو تستغني عنه دائرته, يتذكرني في مراجعاته لنفسه بعد طول ملله, ولهذا أحظى اليوم بكثير من الأصدقاء الذين كانوا أعداء, وينقلب العديد من الأصدقاء إلى صف الأعداء, لذلك لم أكن يوماً جاداً في عداوتي لشخص بعينه, وإنما كنت أكره السيء فيه, فأنتقدهم حتى أرى الشيء الجيد فيهم, حيث الوطن المشتهى هو مجموع الأشياء الجيدة عند مواطنيه, وسوريا هي مجموع مواطنيها وليس جبالها وأنهارها وبواديها.. فهل وصلت الفكرة؟
هامش: قال الإمام عليّ: أحبب صديقك هوناً لعله يكون عدوك يوماًما
وأكره عدوك هوناً لعله يكون صديقك يوماًما
نبيل صالح
التعليقات
رائع يانبيل
قتل الطفولة
لاتعذلهم يا أستاذ نبيل
دمعة
إضافة تعليق جديد