ورقة بحثية لمعهد واشنطن حول الحدث السوري في خطاب أوباما
الجمل: تحدث الرئيس الأمريكي باراك أوباما مساء الخميس 19 أيار (مايو) 2011م عن التحولات الشرق أوسطية الجارية، موضحاً موقف الإدارة الأمريكية إزاءها، وعلى وجه الخصوص الحدث السوري، وبسبب مركزية دمشق في التفاعلات الجيو ـ سياسية الشرق أوسطية، فقد سارعت جماعات اللوبي الإسرائيلي إلى إبداء قدر كبير من الاهتمام إزاء موقف الإدارة الأمريكية من دمشق، فما هي خطوط إدراك جماعة اللوبي الإسرائيلي إزاء ما ورد في خطاب الرئيس أوباما، وما هي النوايا الجديدة التي برزت في أوساط هذه الجماعة إزاء ملف الحدث السوري؟
* مقاربة معهد واشنطن نموذجاً: توصيف المعطيات والمعلومات
نشر معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، ورقة الرصد السياسي رقم 1809، التي خصصها لمقاربة موقف الإدارة الأمريكية الأخير إزاء الحدث السوري، وفي هذا الخصوص نشير إلى أبرز النقاط الأساسية الواردة ي ورقة الرصد السياسي، على النحو الآتي:
• قيام الإدارة الأمريكية بإعلان فرض العقوبات الجديدة ضد دمشق، هو حدث يمثل نقطة البداية لجهة إزالة الضبابية التي ظلت تغطي حقيقة السياسة الأمريكية إزاء سوريا.
• انشغل الزعماء الأمريكيون وبقية زعماء العالم، بحركة الاحتجاجات الشرق أوسطية الجارية، وقد أدت التجاذبات المتوترة بين الإدراك القائم على القيم الأخلاقية والإدراك القائم على المصالح الاستراتيجية إلى التأثير بقوة على عملية صنع القرار في واشنطن وفي العواصم الدولية الكبرى، وعلى وجه الخصوص إزاء ملف الحدث السوري.
• موقف الإدارة الأمريكية الذي تضمن وضع خيارين أمام دمشق، هو موقف متردد، ويعبر عن عجز الإدارة الأمريكية الحالية إزاء التصعيد وخوض المواجهة مع دمشق.
* السياق
وتضمن النقاط الآتية:
• حديث الإدارة الأمريكية القائل بأنه لا يوجد معيار واحد يمكن تطبيقه على الجميع فيما يتعلق بالموقف الجاري حالياً في الشرق الأوسط، هو حديث يشير بكل وضوح إلى أن الإدارة الأمريكية ترغب في التعامل مع كل حالة على حدة.
• يقوم منظور الإدارة الأمريكية على فكرة أن كل حركة احتجاجات شرق أوسطية، تتضمن قدراً من الخصوصية والتعقيدات والتشابكات التي تميزها عن الحالات الأخرى.
• تعاملت إدارة أوباما مع ملف الاحتجاجات المصرية، وفق عملية صنع قرار أمريكي، استندت على خيار الالتزام بالقرار الذي يستند على المعايير الأخلاقية، لجهة احترام رغبة الشعب المصري. واستبعدت إدارة أوباما القرار الذي يستند على معايير المصالح الاستراتيجية، وبكلمات أخرى لقد تخلت إدارة أوباما عن مصالح أمريكا الاستراتيجية التي كان يمثلها نظام الرئيس المصري السابق حسني مبارك.
• تعاملت إدارة أوباما على أساس اعتبارات المصالح الاستراتيجية إزاء ملف اليمن وملف البحرين. ولم تسع إلى التعامل على أساس الاعتبارات الأخلاقية على غرار ما فعلت مع القاهرة.
• توجد العديد من التخمينات التي تلعب دوراً رئيسياً في تشكيل توجهات السياسة الأمريكية والغربية، وذلك على النحو الذي جعل توجهات هذه السياسة تتأرجح بين الخيارات الدبلوماسية القائمة على عملية صنع القرار المستند على المعيار الأخلاقي القيمي، والخيارات الدبلوماسية القائمة على عملية صنع القرار المستند على معيار المصالح الاستراتيجية.
* الاستثناء السوري
وتضمن النقاط الآتية:
• وجدت حركة الاحتجاجات السورية اهتماماً أمريكياً وغربياً وعالمياً ضخماً وهائل الحجم.
• سعت أمريكا والأطراف الغربية لجهة التدقيق في البحث عن الوسائل الفاعلة لجهة دعم وتقوية فعالية حركة الاحتجاجات السورية.
• سوريا لا تمثل حالة تتضمن تضارباً واضحاً بين المصالح الاستراتيجية، والقيم.
• اختارت سوريا أن تتحالف مع إيران، وبالتالي فهي تقف ضمن المعسكر المعادي للمصالح الاستراتيجية الأمريكية والغربية.
• ظلت سوريا أكثر اهتماماً بدعم طهران، وحزب الله اللبناني، وحركة حماس الفلسطينية، وجميعهم يندرجون ضمن المعسكر المعادي للمصالح الأمريكية والغربية في الشرق الأوسط.
• ظلت سوريا أكثر اهتماماً بتطوير البرامج السرية التي تتيح لدمشق الحصول على أسلحة الدمار الشامل.
هذا، ونلاحظ أن الورقة قد سعت إلى توضيح يفيد لجهة أن سوريا معادية للمصالح الأمريكية والغربية الأوروبية، وبالتالي كان يفترض أن تسعى الإدارة الأمريكية إلى التعامل مع دمشق على أساس اعتبار الخيار الدبلوماسي القيمي ـ على غرار ما تعاملت به واشنطن مع حسني مبارك ـ وبالتالي، فإن تعامل الإدارة الأمريكية مع سوريا على أساس وضع دمشق أمام خيارين هو أمر استثنائي.
* النظريات التفسيرية
سعت الورقة إلى التطرق إلى النظريات التفسيرية عن طريق توصيف نوعين من الحجج والبراهين، ويمكن أن نشير إلى ذلك على النحو الآتي:
• أولاً: توصيف وتقويم مقاربة الإدارة الأمريكية إزاء دمشق: وتضمنت الآتي:
ـ إن الإدارة الأمريكية تعرف بشكل واضح دمشق الحالية، ومدى قدرتها المؤكدة لجهة القيام بتحقيق استقرار الشرق الأوسط، وبالتالي فإن صعود أي بديل لدمشق الحالية سوف يصعب معه التكهن بحجم ونوعية المخاطر المحتملة الحدوث.
ـ حركة الإخوان المسلمين هي الأكثر والأوفر نشاطاً في الساحة السياسية السورية حالياً، وصعود هذه الحركة معناه القضاء على دمشق المدنية ـ العلمانية واستبدالها بدمشق الأصولية ـ السنية، وهو أمر غير مقبول بالنسبة لواشنطن والغرب.
ـ انهيار دمشق معناه اندلاع نيران العنف السياسي الطائفي، والذي سوف يحول الشرق الأوسط إلى ساحة حريق هائلة النيران بما سوف يتخطى حدود سوريا إلى بقية المناطق الأخرى.
ـ انهيار دمشق معناه أن ترسانة الأسلحة السورية سوف تقع في يد الفصائل والميليشيات المسلحة والتي سوف لن تتردد في استخدام هذه الترسانة، بما في ذلك الأسلحة الكيميائية.
• ثانياً: توصيف مقاربة اللوبي الإسرائيلي لموقف الإدارة الأمريكية إزاء دمشق: وتضمنت الآتي:
ـ نظرت الإدارة الأمريكية إلى دمشق باعتبارها عنصر استقرار في المنطقة، وتجاهلت أن دمشق تقف إلى جانب طهران وحزب الله وحركة حماس وبقية فصائل المقاومة الفلسطينية.
ـ نظرت الإدارة الأمريكية إلى جماعة الإخوان المسلمين السورية باعتبارها سوف تسعى إلى إقامة دولة أصولية سنية، ولكن الإدارة الأمريكية تجاهلت أن الدولة السنية هذه سوف تكون خصماً لطهران وحزب الله اللبناني.
ـ تخوفت الإدارة الأمريكية من احتمالات اندلاع حرب أهلية طائفية، وتجاهلت أن هذه الحرب إن اندلعت، فإنه من الصعب أن تنتقل عدواها إلى المناطق المجاورة، إضافة إلى أنها سوف تجعل حزب الله وطهران أكثر اهتماماً بالتورط فيها بدلاً من استهداف واشنطن وحلفاءها في المنطقة.
ـ تخوفت الإدارة الأمريكية من احتمالات وقوع ترسانة الأسلحة السورية، وعلى وجه الخصوص الأسلحة الكيميائية في يد العناصر المتطرفة، وتجاهلت الإدارة الأمريكية أن هذه العناصر لن تستطيع استخدام هذا النوع من الأسلحة، لأنها لا تمتلك الخبرة أو الدراية الكافية لجهة استخدامها.
هذا، ونلاحظ أن النظريات التفسيرية التي سعت الورقة إلى توصيفها، قد تم إعدادها وترتيبها، وفقاً لضرورات منظور التحليل السياسي المقارن المتحيز، وبكلمات أخرى، فقد رتبت الورقة منظور الإدارة الأمريكية بشكل استباقي ضمن خطوط ونقاط يسهل الرد عليها.
* الاستمرار في الضغوط على دمشق: خيار اللوبي الإسرائيلي
تم إعداد ورقة الرصد السياسي بواسطة الخبيرين، الجنرال الإسرائيلي عاموس يالدين رئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية السابق، وروبرت ساتلوف الذي يتولى منصب المدير التنفيذي في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى التابع للوبي الإسرائيلي، ونلاحظ أن ورقة الرصد السياسي قد خلصت إلى ضرورة أن تمضي واشنطن في انتهاج خيار تكثيف وتشديد الضغوط على دمشق، وبررت ذلك على النحو الآتي:
• حركة الاحتجاجات الأخيرة، برغم فشلها، فإنها تشكل فرصة نادرة لواشنطن لجهة القيام بدعم المعارضة السورية.
• على الإدارة الأمريكية أن تستمر في استهداف دمشق عن طريق الضغوط الاقتصادية، والضغوط السياسية والدبلوماسية، إضافة إلى استخدام المزيد من التصريحات المتشددة ضد دمشق.
وتحدثت ورقة الرصد السياسي في أسطرها الأخيرة، موجهة الانتقادات ضد بعض الدولة العربية والأوروبية الغربية، لجهة أنهم تبنوا مواقفاً خلافية متعارضة إزاء دمشق خلال الأسابيع الماضية، وذلك بما جعل من الصعب على الإدارة الأمريكية القيام باتخاذ موقف متشدد إزاء دمشق، وما كان مثيراً للاهتمام تمثل في أن ورقة الرصد السياسي التي نشرها معهد واشنطن قد طالبت الإدارة الأمريكية بضرورة تكثيف الضغوط وعدم استثناء أي طرف بما في ذلك "التجار الدمشقيين" الذين لم ينضموا إلى الاحتجاجات!
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
التعليقات
في اعتقادي
إضافة تعليق جديد