ورشة عمل للجمعية السورية البريطانية حول إعادة تأهيل دمشق القديمة
الجمل ـ حسان عمر القالش : أقامت الجمعية البريطانية السورية بالتعاون مع برنامج تحديث الادارة البلدية الـMAM ورشة عمل طويلة من جلستين, السبت 31-3-2007 ، شارك فيها مجموعة من خبراء حكوميين وغير حكوميين – منظمات – بحضور الدكتور فواز الأخرس رئيس الجمعية البريطانية. وبعد كلمة لرئيس الحكومة المهندس العطري أشار فيها الى "حالة مخاض" تمر بها مدينة دمشق, وعن ضرورة "ايجاد صيغة بين التراث والمعاصرة" , مـرّ بسرعة على تجربة "مدينة أفينيون بفرنسا ومخططات برنار فاغون" والتي نشرت "الجمل" شروحات تفصيلية لها في 29-3-2007.. وأنهى السيد رئيس الوزراء افتتاحه المؤتمر بتساؤل يدخلنا الى متاهات ونقاشات تستدعي مؤتمرات لا مؤتمرا واحدا, تساؤل من واجب الحكومة أن تجيب عليه لا أن تسألنا ايـّاه " ما هو مفهومنا لعملية التطوير؟"..!!.. لتبدأ بعد ذلك الجلسة /المواجهة الأولى بادارة الدكتور الأخرس تحت عنوان "الرؤية المستقبلية للتنمية العمرانية في دمشق" والتي احتكرها الرسميون الحكوميون : وزير الادارة المحلية والبيئة, وزارة السياحة, وزارة الاسكان والتعمير, الشركة العامة للدراسات والاستشارات الفنية, محافظ ريف دمشق, محافظ دمشق والذي كان أبرز المحاضرين خلالها.
ومع كل استعراضات "النيات " وعروض مشاريع الحكومة التي عكسها الكومبيوتر على الشاشة الكبيرة أمامنا, بقي خطابهم على مبدأ "هذا ما نحن عليه الآن, وهذا ما ننوي فعله" وترددت عبارات من مثل "هناك توجهات" و"نحن نفتقر" و"انشاء الله ستنجز في 2010".., وكـّرت سبحة تنظير مخطّطي وكلامي لأزمة السكن العشوائي التي تزنـّر دمشق بأحزمة بؤس وتشوه كانت صحافتنا المحلية والعربية قد رأتها قبل الحكومة ونبهت لها من سنوات, ومن أن من أسباب "التلوث البيئي" وجود الوزارات في داخل المدينة والازداحم الذي تسببه دون ذكر مثلا تقصير وزارة الداخلية ومعها شرطة المرور في ضبط مخالفات السيارات التي تعمل على المازوت – الديزل, ودون ذكر أيضا الى أين وصلت الوعود القديمة للحكومة باستخدام "المازوت الأخضر" الصديق للبيئة.. ومن ثم الى تعداد رقمي لأزمة المياه ومن أن دمشق وريفها تروى من حوض مائي واحد, وأيضا الى أن " هناك حاجة ماسة للوحدات السكنية والمساحات الخضراء" والكلام هنا للسيد محافظ العاصمة, جاءت اجابة غير مباشرة عليه من الدكتور فواز الأخرس من أن هناك كلام دائم عن الحفاظ على المساحة الخضراء لكنه في كل مرة يزور فيها سوريا يرى هذه المساحة ومعها غوطة دمشق تصغر شيئا فشيئا..
وبدا أن أجواء التحمية وحدّة النقاش قد بدأت " على الخفيف" مع انتهاء الجلسة /الجولة الأولى تحضيرا للثانية, عندما بدأت أسئلة الحضور عن: ماهي الاستراتيجيات والخطط المعتمدة في دمشق, وعن "التشويه البصري" الذي يغزو المدينة, وكان سؤال لأحد أبناء "ساروجة" الذي قال بأن "في دمشق القديمة أحياء يمشي فيها المواطن والسائح تشكل واحة من الهدوء وراحة البال" وسأل " هل هناك مشروع يحث الناس على ترميم وتجميل هذه الواحات؟".
ومن ضمن الاجابات كان من المستغرب قيام أحد "الحضور" بالاجابة عن المحافظة معرفا عن نفسه بأنه ممثل عن شركة "تيركون" حيث بدا وكأنه أحد "متعهدي" المحافظة عندما قاطعه د.أخرس طالبا منه أن يطرح سؤالا, ليبدأ بعدها السيد المحافظ بالكلام عن أن "الواقع درسناه بشكل منطقي (!!) وعملي تماما ووضعنا حلول اسعافية لابد من اتخاذها.." وأنه يقول دائما " حل الموضوع خير من تركه..نحن بكل بساطة ممكن أن ندير ظهورنا..والمواطن في هذه المدينة هو الذي سيدفع الثمن..لذلك من واجبنا..أن نواجه كل هذه التراكمات.." وكأن كلامه هذا يلخص ببساطة ما سماه الزميل وعد المهنا في مداخلته ورأيه بنهج الحكومة في مدينة دمشق بـ"سياسة أو ثقافة البلدوزر"..
وأكد المحافظ على " لا شفقة" الحكومة بقوله "لا يجب علينا أن نترك قلب العاصمة بهذا الشكل" مع أن هذا الشكل نفسه هو من رسوم وتصميم اهمال تراكمي عبر سنين للمحافظة والحكومة, وأنهى الكلام بعبارات تحذيرية قال فيها "لانريد أن نباشر بالتطبيق فيقولوا حرام..التطبيق حاسم" وكأن العملية ببساطة الضغط على زر الازالة – delete كما نفعل في حواسيبنا عندما لا يعجبنا ما نراه..فـ"دمشق" التي قدموها كانت أقرب الى برنامج حاسوبي من خطوط وأرقام لا من روح وذاكرة.
وبعد استراحة قصيرة ما بين الجلستين بدأت الجلسة الثانية تحت عنوان "حالة دراسية – مشروع التطوير العمراني والمروري في شارع الملك فيصل" لتكون أكثر حرارة ومحاورة من الأولى, فكانت كلمة لـ"ندى الحسن ريكا" ممثلة منظمة اليونيسكو قالت فيها " واجبي اليوم أن أذكركم بمتطلبات اتفاقية التراث العالمي وبالمواثيق العالمية للحفاظ على التراث" وفي رد وتعليق على كلام لرئيس الحكومة قالت بأن "الكفاءات اللازمة موجودة في سوريا" ودعت الجميع للعمل سويا "حتى نتجنب أن تسجل دمشق على لائحة التراث العالمي المهدد بالخطر", وعلا صوت تصفيق حاد من الحضور.
لكنها لم تكن الا البداية للدفاع عن مظلومية المدينة القديمة, ففي كلمة "جامعة دمشق – كلية الهندسة المعمارية" بدا وكأن المعماريين والخبراء كانوا ينتظرون اهتمام العامة والمسؤولين لإبداء الرأي, فالدكتور طلال عقيلي بدأ من حيث انتهى كلام ممثل محافظة دمشق بأنه كما أن المحافظة عرضت صورا تثبت وجهة نظرها فهم – الجامعة – باستطاعتهم أيضا أن يعرضوا صورهم, وتحدث بشكل علمي عن المشروع ورأى أن ".. هنا الخطورة عزل دمشق ضمن السور عن نسيجها الطبيعي وامتداداته نحن نرى فيه "مقتل" مدينة دمشق القديمة و الأدهى من ذلك أننا نريد أن نبرز السور من قال أن السور في تاريخ دمشق قاطبة كان بارزا للعيان من بعيد .. حتى في المرحلة الرومانية كان هناك أبنية فوق السور والدليل هروب القديس بولس عبر أبنيته ..فلماذا كشف السور.." وتوجه بعدها بكلام في العمق قائلا "..المهم أن هذا التراكم المعماري والعمراني لمدينة دمشق القديمة التراثية هو الذي نستقي منه جـلّ عناصر هوية دمشق والا من أين نستقي هويتها؟ هل نستقيها من حي المالكي, أبو رمانة, أومشروع دمر أو غيرها؟ هل بسبب هذه الأحياء الحديثة سجلت دمشق على لائحة التراث العالمي أم بسبب هذا التراكم التاريخي الفريد من نوعه بين مدن العالم قاطبة والذي يشكل حي العقيبة وشارع الملك فيصل جزءا لا يتجزء منه؟..".
وأتى دور أهالي شارع الملك فيصل ليتحدثوا عن الآثار الكارثية لهذا المشروع عليهم خاصة وعلى الوطن المهددة عاصمته الثقافية التراثية بالزوال بحجج أزمة المرور والتحديث العمراني, فتكلم الممهندس محمد عرفان الطباع عنهم كلمة رجل واحد وموقف واحد عبر عنه نيابة عن أهالي وتجار المنطقة بأنهم لن يتركوا منطقتهم وهم أصحابها الحقيقيين مهما كان البديل, ومن أنهم مستعدين لأي تعاون ومساهمة في اعادة احياء رونق هذا المكان التاريخي كما سبق وأن فعلوا في 1993, هذا الكلام المطوّل قدمه أهالي شارع الملك فيصل وتم شرحه عبر برنامج عرض الكتروني presentation كان الأشد تأثيرا من بين جميع العروض الأخرى ومشفعا بصور واحصائيات ومقترحات لحلول بديلة, وبذلك قدم تجار وأهالي المنطقة أنفسهم التقديم المشرق المعبر عن وحدة موقفهم ورأيهم, وهي ليست المرة الأولى, وذلك عكس ما أوحت به صحيفة "الوطن" المحلية المستقلة التي لم تستقل عن نهج الحكومة والمحافظة بأن الأهالي ليسوا متفقين على رأي واحد (الوطن 26-3-2007)..
وكان ختام ورشة العمل هذه بكلام د.فواز الأخرس مثلجا للصدر ومدعاة للاطمئنان, حيث وعد في دردشة مع الصحافة بأن تقام ورشات عمل أخرى حول هذه القضية وأنه يرى أن نأخذ أولا برأي اليونيسكو بالمشروع, وكان أكثر كلامه نفاذا وتأثيرا قوله بأن" هذا اليوم هو ثان أكثر يوم أتعلم فيه بحياتي" وتساءل بعدها " ماهي الفوائد التي سنحصل عليها من هذا المشروع مقارنة مع الخسائر الكبيرة, فنحن سنخسر دمشق القديمة كعاصمة للتراث العالمي".
الجمل
إضافة تعليق جديد