هل تدخل السعودية حلبة الحرب الأهلية؟
هل تدخل المملكة العربية السعودية مباشرة حلبة الصراع المباشر في العراق؟
السؤال مطروح في ضوء ثلاثة تطورات متلازمة: التوجه الأميركي الى إعادة احياء «التحالف السني» في وجه ما بات يسمى «الهلال الشيعي» الذي تتزعمه ايران على امتداد المنطقة, الثاني الاعداد الاميركي للانسحاب من غرب العراق اي المناطق السنية لمصلحة قوى عربية تشارك في ضبط الوضع الأمني العراقي, والثالث تسارع الخطوات الرامية الى استبدال حكومة نوري المالكي التي أخفقت في احتواء العنف وتحقيق المصالحة الوطنية, واندفاع العراق في اتجاه حرب اهلية مكشوفة بدأت بتدمير وحرق عشرات المساجد.
ديك تشيني نائب الرئيس الاميركي كان قد فتح الموضوع خلال زيارته الأخيرة للرياض عندما طالب بخطة سعودية انقاذية, بالتنسيق مع القاهرة وعمان, لمنع ايران من الهيمنة الكاملة على العراق, ولم تتأخر ردة الفعل السعودية في الظهور. يوم 29 تشرين الثاني €نوفمبر€ الفائت, وبالتزامن مع رحلة الرئيس الاميركي جورج بوش الى العاصمة الاردنية, نشر نواف عبيد المستشار الأمني للحكومة السعودية مقالاً في «واشنطن بوست» قال فيه ان المملكة تستعد لمراجعة سياستها بشأن العراق للتعامل مع تداعيات انسحاب اميركي محتمل, كما انها تدرس خيارات اخرى تتضمن إغراق سوق النفط لاحداث خفض هائل في الاسعار, والحد من قدرة ايران على تمويل الميليشيات الشيعية في العراق. واضاف: ان غض الطرف عن قتل السنة العراقيين سيكون نبذاً للمبادئ التي قامت عليها المملكة, وسيقوّض صدقيتها في العالم السني فضلاً عن انه سوف يشكل تسليماً بأعمال ايران العسكرية في المنطقة.
هذا الكلام الصريح الذي يتزامن مع استعدادات اميركية للانسحاب من المناطق السنية العراقية, يتقاطع مع مضمون دراسة اعدها عبيد نفسه €2€11€2006€ قال فيها «ان الحرب الاميركية على العراق معركة خاسرة, والعنف الذي يعانيه هذا البلد المضطرب سيؤدي بالتأكيد الى تقسيمه على أسس اثنية». وفي محاضرة القاها امام «مؤتمر العلاقات الاميركية العربية» الذي تواصل على مدى يومين في واشنطن, كرر عبيد قوله «ان العنف في العراق يتفاقم, والتمرد الذي يقوده السنة لا يظهر اي مؤشرات على التراجع, والاوضاع تزداد سوءاً بسبب التدخل الايراني, والحكومة العراقية عاجزة عن احلال السلام والاستقرار في البلاد». واضاف ان «كل الدلائل تشير الى ان حرباً اهلية تدور حالياً في العراق, والدولة تتفكك» مشدداً على ان القادة السعوديين حاولوا مواجهة ما وصفه «المفاهيم الاميركية الخاطئة» والممارسات الفاشلة على الساحة العراقية.
مصدر مسؤول لـ«وكالة الانباء السعودية» أوحى يوم الخميس من الاسبوع الفائت بأن ما نشرته «واشنطن بوست» منسوباً الى عبيد ليس له اساس من الصحة, وان ما ذكره لا يعبر عن الموقف السعودي الرسمي, لكن هذا الايحاء لا يقلل شيئاً من اهمية المقال, لأن الاعلام السعودي في مجمله رسمي وليس خاصاً, ولأن آلية عمل المستشارين السعوديين معروفة ولا يمكن في اي حال ان تخرج على التوجهات الحكومية العليا وان تشكل «حالة مستقلة» عن هذه التوجهات.
واهمية اشارة عبيد الى «المراجعة السعودية» للوضع في انها تأتي في لحظة انعطاف اميركي حقيقي في التعامل مع الازمة العراقية, تبلورت في ضوء توصيات لجنة بيكر هاميلتون وفوز الديمقراطيين في انتخابات الكونغرس.وعشية لقاء بوش المالكي في العاصمة الاردنية, سجل المراقبون ثلاثة مستجدات على مستوى الحركة السنية في العراق, يمكن عرضها على الشكل الآتي:
دعوة جماعة «الجيش الاسلامي» في العراق السنة الى الجهاد ضد الميليشيات الشيعية في «معركة المصير, في اعقاب موجة العنف المتفاقمة. وقد جاء في بيان بهذا المعنى على موقع اسلامي رئيسي «بغداد مدينتكم ومدينة آبائكم فلا تتركوها للغرباء يتمكنون منها ويطردونكم. انها معركة مصيرية فاما ان نكون او لا نكون».
تصريحات الجنرال بيتر بيس رئيس هيئة الاركان الاميركية المشتركة التي لوَّح فيها بسحب القوات الاميركية من محافظة الأنبار المضطربة ونقلها الى بغداد.
تقاطع التصريحات السنية على ضرورة الانسحاب من العملية السياسية €الحكومة والبرلمان€ مما يؤشر الى ضياع الفرصة الاخيرة لاعادة ترتيب البيت العراقي الداخلي, واستكمال خطوات المصالحة الوطنية.
هذا الحراك السني الذي تزامن مع وصول جورج بوش الى عمان اقترن بمشاورات اردنية حثيثة تطوع لها العاهل الاردني الملك عبد الله الثاني شملت عدداً من القيادات السنية والشيعية, في الوقت الذي رجحت مصادر عراقية رفيعة المستوى حصول تغييرات واضحة في المشهد العراقي السياسي والأمني خلال الاسابيع المقبلة. وفي معلومات «الكفاح العربي» ان لقاء بوش المالكي تمحور حول نقطتين اساسيتين:
إحداث تغيير في الممارسات الاميركية, على ضوء تقرير بيكر هاميلتون, لجهة اشراك دول الجوار €سوريا وايران تحديداً€ في المساعدة على ضبط الوضع الامني, مع العمل على نقل المسؤوليات الامنية تدريجاً من القوات الاميركية الى القوات الامنية العراقية.
التوجه الى تشكيل حكومة عسكرية تعطي الجيش العراقي السابق وقياداته فرصة جديدة للانخراط في بناء العراق الجديد, اذا فشلت الحكومة الحالية في مواجهة الميليشيات وتطهير القوات العسكرية من العناصر التي تعمل لحساب قوى مذهبية معروفة.
هذان التوجهان اللذان يقول بوش انهما سيوصلان الى «الانتصار النهائي» يفترض ان يوضعا موضع التنفيذ في خلال اسابيع, فيتم نقل خمسة وسبعين الف جندي اميركي من المدن العراقية الى داخل العراق, ونشر قوى الأمن العراقية في هذه المدن, في الوقت الذي يتم استكمال تجهيز الجيش العراقي بالمعدات اللازمة. وفي هذا السياق يمكن فهم تصريحات المالكي بعد لقاء بوش بأنه «يريد حل المشكلة وإعادة توحيد البلاد» بالتعاون مع دول الجوار على اساس «عدم التدخل في الشؤون العراقية».
في غضون ذلك سرّبت مصادر اعلامية اسرائيلية ان الرئيس بوش الذي جدّد دعم المالكي يبحث عن بديل له ويفضل ان يكون رئيس الحكومة الجديد مسؤولاً عسكرياً سابقاً من انصار صدام حسين. وقالت صحيفة «يديعوت احرونوت» العبرية نقلاً عن مبعوثها الى الاردن الذي غطى زيارة بوش ان الادارة الاميركية تسعى الى ازاحة رئيس الوزراء لأنه لا يعمل بتصميم كاف على قمع الارهاب في بلاده. الولايات المتحدة تسعى الى تغيير المالكي برئيس وزراء ذي خلفية عسكرية, وهي تدير منذ الآن الاتصالات السرية مع عدد من المرشحين للمنصب.
وافادت المصادر ان العلاقات المتوترة بين الادارة وبين المالكي, والتي احتدمت في اعقاب العمليات التفجيرية في العراق والتي حصدت نحو سبعة آلاف شخص في الشهرين الماضيين, وصلت الى شفا الانهيار. واضافت الصحيفة ان الرئيس بوش, الذي هبط بعد الظهر في اول زيارة له في العاصمة الاردنية, كان يفترض ان يلتقي بالمالكي في وجبة عشاء مشتركة مع الملك عبد الله. لكن في الوقت الذي كان يفترض ان تبدأ فيه الوليمة, صدر فجأة بيان الالغاء. وشرح المضيفون الاردنيون بداية بأن اللقاء الغي لأسباب فنية, بسبب تأخير طرأ على الرحلة الجوية التي جلبت بوش من لاتفيا, لكن سرعان ما تبين السبب الحقيقي: لقد قرر المالكي مقاطعة الوليمة احتجاجاً على تقرير انتقادي ضده وضعه ستيف هيدلي, المستشار الكبير لشؤون الامن القومي الاميركي. التقرير السري الذي كشفت عنه النقاب «نيويورك تايمز» كان وضع قبل ثلاثة اسابيع, بعد عودة هيدلي من بغداد, وقضى المستشار في تقريره بأن «الماكي ضعيف, فهو يطلق الوعود ولكنه لا يعتزم مكافحة الارهاب في العراق».
وفي اعقاب الغاء الوليمة, اعلن البيت الابيض أن بوش قرر تقصير اللقاء المقرر له اليوم مع المالكي. وتم الايحاء بأن اللقاء بين الرجلين سيكون متوتراً: بوش سيطلب من المالكي ان يقدم له خطة لمكافحة الارهاب, وان يحدد جدولاً زمنياً لتشكيل حكومة جديدة تعيد الهدوء وتتسلم المسؤولية الامنية من يد الجيش الاميركي. وفي ختام اللقاء سيغادر بوش المنطقة.
معلومات «يديعوت احرونوت» ربطتها مصادر أمنية بسلسلة مؤشرات بالغة الدلالة على ان حكومة المالكي باتت محشورة في الزاوية وهي تواجه بعد ستة اشهر على تشكيلها اخطار الانهيار. في هذا الاطار كشف نائب رئيس الوزراء العراقي سلام الزوبعي ان المالكي اتخذ قراراً يوم السبت من الاسبوع الفائت بحل الاجهزة العسكرية والامنية العراقية وإعادة بنائها على أسس مهنية سليمة. وقال «ان من اسباب تفاقم الاوضاع وانفلاتها هو تهاون الحكومة في وجه جرائم الميليشيات وفرق الموت والعناصر الاجرامية الضالة التي توغلت في اجهزة الدفاع والداخلية في مرحلة سابقة وعدم اتخاذ الاجراءات اللازمة لكبحها». واضاف نائب رئيس الحكومة للشؤون الامنية والخدمية عن «كتلة التوافق العراقية»: هددنا في اجتماع المجلس السياسي للأمن الوطني بالانسحاب من الحكومة ما لم تعط لنا كامل الصلاحيات المنصوص عليها في اتفاق الاطراف والكتل السياسية عندما تشكلت حكومة الوحدة الوطنية ووصف الزوبعي اجتماع المجلس السياسي الاخير بأنه «اتسم بالصراحة ا لتامة والمكاشفة الحقيقية وطرح كل طرف ما لديه من حقوق مهضومة من قبل الطرف الآخر». واعترف الزوبعي بأن كتلة التوافق العراقية تمارس الحكومة ضدها سياسة الاقصاء والتهميش ومحاولة ابعادها عن اخذ دورها الحقيقي في خلق التوازن «وهو ما نجم عنه هذا الخرق والانفلات الذي انكشف امام العالم بأسره من قبل الميليشيات المسيرة من قبل اطراف خارجية وافسد على الحكومة مشروعها الوطني».
من جانب آخر دعا عدنان الدليمي زعيم كتلة التوافق العراقية الكيانات السياسية الى التروي وضبط النفس والتحلي بالحكمة لحفظ ارواح العراقيين, وشدد على ان الحل الوحيد للعبور من الازمة الامنية الحالية ومسلسل العنف يتطلب حل اجهزة وزارتي الدفاع والداخلية فوراً متهماً عناصرها بأنها تمارس القتل الطائفي في وضح النهار وتتحدى حظر التجوال الذي فرضته الحكومة. واكد ان الاحتلال هو السبب الرئيسي في استمرار العنف في العراق.
وقال «لديهم كل الامكانات العسكرية والسياسية لمعالجة الوضع», مقترحاً ان تقوض قوات الاحتلال «دور الميليشيات وتسحب السلاح من العصابات الاجرامية التي حملت السلاح باسم الجيش والشرطة واخذت تقتل المواطنين على أسس طائفية». واتهم الحكومة بأنها كانت السبب في كل تلك المصائب التي تحل بالعراقيين. وقال: البرلمان: ليس في يده حل سوى تقديم الاستشارة للحكومة, والحكومة تتصرف باسلوب انفرادي. والبرلمان طالب الحكومة باقرار قانون التجنيد الاجباري ولكن ليس من مجيب من جانب حكومة المالكي.
وفي انتظار عودة التيار الصدري عن تعليق عضويته في البرلمان والحكومة احتجاجاً على لقاء المالكي مع بوش, نسبت وسائل الاعلام الى زعيم كتلة الائتلاف الشيعي عبد العزيز الحكيم تصريحات يحذر فيها بأن «السنة سيكونون الخاسر الاكبر» من حرب طائفية في العراق, الامر الذي حّرك الاعلام السعودي الرسمي في اتجاه الدعوة الى دور «سعودي مصري» مشترك لانقاذ السنة في العراق. هذه الدعوة تلاقت على غير موعد مع تصريحات اميركية رسمية في الايام الاخيرة تتحدث عن ضرورة اعداد «قوات عربية» للتدخل في العراق على ان يكون الدعم الاميركي لوجستياً في نهاية المطاف. وذهبت هذه التصريحات الى حد تعيين الاردن مقراً لتدريب هذه «القوات المساندة».
في هذا السياق يمكن التوقف عن دراسة استراتيجية وضعها «مركز الدراسات الاستراتيجية الدولية CSIS€ تحمل توقيع انطوني كوردسمان رئيس المركز ونواف عبيد €المستشار الامني السعودي€ نشرت في أيار €مايو€ الفائت, في إطار مشروع عرف باسم «السعودية تدخل القرن الحادي والعشرين», وهو مشروع يراجع التيارات التي تسود المملكة والتي من شأنها ان تحدد مستقبلها وتأثير ذلك على استقرار منطقة الخليج. وفي هذا الاطار ترصد الدراسة خمسة اخطار €ابرزها الوضع العراقي€ على مستوى التعاون الامني, والاخطار الاربعة الاخرى هي:
تحسين مستوى التعاون في مجال مكافحة «الارهاب», وتعتبر الدراسة ان المملكة لم تبذل جهوداً كافية لتحقيق التقدم وعلى الولايات المتحدة ممارسة ضغوط هادئة لتحقيق الاصلاح ولأن تعيد النظر في نهجها في ما يتعلق بالقضايا الاسلامية التي تتبناها خارج حدود المملكة.
التوتر الشعبي بين البلدين وصل الى نقطة يتزايد معها العداء السعودي ضد الولايات المتحدة بما يغذي «الارهاب» والتطرف, ولذا لا بد وان تمد الولايات المتحدة يد المساعدة والعون للمعتدلين في العالم العربي والاسلامي.
الصراع العربي الاسرائيلي من شأنه ان يخلق توتراً اكبر, وهذا امر يجب ان يتعايش معه كلا البلدين.
تقرر الدراسة بأن السعودية ما زالت تنفق بين 18 24 مليار دولار على التسلح, وان التقديرات تشير الى ان السعودية اشترت بما قيمته 6.6 مليارات دولار اسلحة من الولايات المتحدة في الفترة بين 1995 و1998, ووقعت اتفاقيات شراء اسلحة بما قيمته 4.1 مليارات دولار, واذا كانت هذه الارقام صحيحة يقول كوردسمان, فانها ارقام كبيرة جداً وهي تشير الى ان الجهود الامنية السعودية ذات تكلفة كبيرة جداً حتى انها لتشكل خطراً على الأمن السعودي, ويتطلب الامر ان تحث الولايات المتحدة السعودية على ان تركز جهودها على الأمن الداخلي.
وفي ما يتصل بالعراق تحديداً يمكن القول ان الولايات المتحدة تتجه بقوة الى الاستعانة بدول الجوار في معالجة الشأن الأمني ومحاولة احتوائه, لكن المملكة تحسب لامكانية الانسحاب الاميركي من العراق €على طريقة فيتنام€ حسابات خاصة وتعتبر نفسها مؤتمنة على حماية السنة العراقيين, كما تعتبر ان أمن الخليج هي مسؤولية الخليجيين اولاً, وقراءة مقالات نواف عبيد الأخيرة ذات دلالة مباشرة في هذا السياق
المصدر: الكفاح العربي
إضافة تعليق جديد