هكذا تصنع الصورة أغنية العصر
عندما يحضر الجسد يتلاشى الصوت، ليصبح أشبه بخلفية - لن يلحظها أحد - للوحة تعرض مفاتن جسدٍ شبه عارٍ. فعندما تتأرجح نيكول سابا وتتمايل داخل المصعد في فيديو كليب «فارس أحلامي»، وتؤدي حركات مثيرة... عندها لا يعود لما تقوله أي أهمية. هذا إن لم نسلّم جدلاً بأن الكثير من كلمات الأغاني «الدارجة» اليوم لا تتمتع بالأصل بأي قيمة بحد ذاتها. إذ بات كافــياً تركيب بضع جملٍ «خفيفة» تراعي السجع في أواخرها، مصحوبة بألحان لا تفوقها قيمة هي الأخرى، حتى يُخلــق المنتج الأسرع إنتاجاً واستهلاكاً هذه الأيام، والذي يسمى «أغنية». فنجاح الأغاني ليس مرتبطاً بكلماتها أو أصوات أصحابها، بل ببراعة المخرج، و«المايك ـ اب أرتيست» ومزيّن الشعر الذين يتعاونون في سبيل صقل وإظهار مواهب الفنانة «الإغرائية».
وحتى لو كانت الكوميديا هي الوسيلة المعتمدة «لإيصال الأغنية للجمهور»، فلا تخلو طبعاً من الإثارة والإيحاءات الجنسية! فالشاب «الجغل» الذي يدور حوله كليب نانسي عجرم الأخير «ماشي حدّي» يشدّ الفتـيات دون أي جهد يذكر، «يذوبهن بعينيه»، ويسترق النظر الى أجسادهن وهن يرتدين ملابس تفضح مفاتنهن وهنّ «يلعبن بالعلكة».
واذا كانت بعض الفنانات يعمدن الى فكّ الأزرار العلوية لقمصانهن أحياناً، وتقصير التنورة في مشاهد أخرى، أو إغداق حركات الدلع والغنج والرقة حسب الحاجة، فإن غيرهن قد أضفن خطاً لا يزحن عنه كما هي حال ميريام فارس.
فميريام ـ ولا نغالي اذا قلنا إنها نســخة شـاكيرا اللبنانية خاصةً بعدما قيل مؤخراً إنها تستعين بمدرب رقص شـاكيرا الخاص(؟) - لم تسأم بعد من تكرار حركات هزّ الخصر والأرداف نفسها منذ «كليباتها» الأولى. هذا ولا يخفى على أحد الهوس بإبراز ردفيها في الفيديو كليب الأخير «ايه اللي بيحصل». وقد اكتفت فيه بالاستعانة بدراجة نارية. فقد تركزّت الكاميرا معظم الوقت على تصوير تقاطيع جسدها اللّين وخاصة أردافها، التي بدت أكبر من حجمها المعتاد وبشكلٍ مبالغ فيه.
واذا كانت الفـنانات يستعـن غالباً بمفاتـنهن الخاصـة ويتنافسن في ما بينهن لإظهار المزيد، فالفنانون الذكور يستعينون بـشابات مثيرات لا شك في مواهبهن كعارضات وراقصات وممثلات وكل ما يتـطلبه الأمر لإيصال الأغنية عبر الفيديو كليب. وهذا بالضبط ما فعله جو أشقر في «غصباً عني رجعتلا» بعدما ضاقت بالمخرج الأفكار لتستقر على «طشطين خشبيين» نُقع العروسان فيهما شبه عاريين، واستحمّا استعداداً «للرجعة».
وقد وفّق أشقر مرة أخرى في «دخل الغنّوج» في جمع ثلّة من عارضات «البيكيني»، يُدهش المشاهد لمستوى الإباحية الذي وصلت اليه فيديوكليباتنا وتماهيها الكلّي أحياناً مع الفيديوكليبات الأجنبية. ويُخيّل للمشاهد كذلك أن ما يشاهده أقرب الى فيلم إباحي منه الى كليب مصوّر.
هذا ولا يخفى دور الفيديو كليب في تعميم ثقافة الـ«لوك»، مع ما يقتضيه الأخير من تغيير من وقت لآخر حتى تبقى الفنانات مثالاً يحتذى به في اتباع آخر صيحات الموضة. وفي الواقع فإن غالبية الشابات العربيات عموماً لا يشبهن هؤلاء الفنانات اللواتي يقتدين بهن، مما قد يخلق لدى الشابات نوعاً من الشعور بالنقص. كما تساهم الفنانات في فرض ثقافة ومعايير محددة للجمال. وقد يصحّ القول إن مجتمعاتنا باتت نسبياً أكثر تقبّلاً لعمليات التجميل. كيف لا؟! وتكاد لا تخلو ملامح أي فنانة من عملية أو اثنتين على الأقل.
ويبدو أن حقل تأثير ثقافة الفيــديو كليب لم يعد مقتصراً على الشـباب. إذ تساهم بعــض الفنانات، كهيفاء وهبي مثلاً، في امتداد تأثيــرها الى الأطفال. وبغض النظر ما اذا كانت أغنية هيفا الأخيرة «بابا فين؟» موجهة للكبار أم الصغار، فهيفا لا تزال هي هي في الكليب. هي هيفا الدلوعة، التي تنام وتصحو بالمكياج، ولا تخلو ملابسـها من الإغراء بــتاتاً. فهل يجوز لفنــانة أقل ما يقال عنها إنها «رمز للإثارة» أن تصير نموذجاً للأطفال أيضاً؟!
يرتمي الجمهور أحياناً في أحضان الكليبات، ويسمح لها باللعب على وتر شهواته وأحلامه... هذا الجمهور نفسه ينفر أحياناً أخرى من صور مبتذلة، استقبلها قبلاً عندما أراد أن يتسلّى ويخفف عن نفسه، فإذا به يرفضها بحجة قيمه الشرقية. فهل لا يزال لهذه القيم نصيب؟ أم أن الجمهور حقاً ضائع بين ما يريد وما يعتقد؟!
علا فاعور
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد