مستقبل الصحافة الخاصة الورقية والالكترونية السورية لا يعرف من يرسمه
أقر في سوريا في العام 2001 قانون المطبوعات الرقم خمسون الذي أتاح للدوريات الخاصة إمكان الظهور بعد حظر دام حوالى الثلاثين عاما, وتفيد وثائق وزارة الإعلام أنه منذ تاريخ صدور المرسوم الجديد وحتى يومنا هذا تم الترخيص لمئة وواحد وخمسون مطبوعة خاصة, أُوقف عن الصدور منها ثلاث وخمسين مطبوعة بموجب مخالفتها أحكام القانون, وهناك مئة وخمس وسبعون طلب ترخيص قيد الدراسة, وهذا يعني أن المشهد الإعلامي السوري لم يعد يقتصر على الجهات الرسمية فقط, بل تلّون بما لا يقل عن ثمان وتسعين مطبوعة خاصة صدرت خلال السنوات الست الأخيرة, وهي مطبوعات تتنوع ما بين الجرائد والمجلات الورقية أو الإلكترونية, وتتوزع ما بين الإصدارات الشهرية أو الأسبوعية أو اليومية, أغلبها يأخذ صفة الدوريات الاجتماعية المنوعة, وبعضها يختص في مجالات محددة كالاقتصاد والسياسة والطب والمعلوماتية.
وبديهي في ظل هذا التنوع يجد القارئ السوري نفسه في أكشاك البيع وعلى صفحات الإنترنت أمام قائمة واسعة من العناوين الجديدة التي تطاول مختلف الاهتمامات, فعلى سبيل المثال لا الحصر لدينا من الدوريات المختصة بشؤون الاقتصاد: «بورصات وأسواق» مجلة أسبوعية صدرت في العام 2004, و«الاقتصادية» صحيفة أسبوعية صدرت في العام 2006 و«المال» مجلة شهرية في العام 2004, ولدينا «شام» مجلة شهرية مختصة بالشؤون المعلوماتية منذ العام 2003, و«شباب لك» مجلة شهرية منوعة مختصة بالشؤون الشبابية, و«عالم الصحة» مجلة شهرية تعنى بالثقافة الصحية, وكمثال على المجلات الأسبوعية المختصة بالشؤون الاجتماعية القانونية نأخذ «سالب موجب» €2005€ ومن المجلات الثقافية والفنية نأخذ «الأصيل», «وردة» و«جهينة» ومن المجلات الأسبوعية السياسية المنوعة «أبيض أسود», ومن الجرائد اليومية «بلدنا» و«الوطن» ومن الدوريات الإلكترونية «كلنا شركاء في الوطن» و«الجمل بما حمل».
وإذا كانت تلك نماذج محدودة عن تنوع العناوين الصادرة, فهناك الكثير من التساؤلات التي يثيرها هذا التنوع, فماذا عن المضمون, وما هي أوجه الاختلاف والتشابه بين الدوريات الرسمية والدوريات الخاصة؟ ما هو مستقبل الصحافة الخاصة؟ وما هي آفاق تطورها, وما هي المعوقات التي تحد من حركتها؟ هل استطاعت أن تترك بصمتها المميزة في المشهد الإعلامي السوري؟ هل أفرزت هويتها وأرضت القارئ؟!
هذه الأسئلة وغيرها مما تحمل في طياتها أحكام القيمة تواجه في المرحلة الراهنة يوميات المهتمين بالشأن الإعلامي في سوريا صناعا كانوا أم قراء, وبهذا الخصوص التقت «الكفاح العربي» ببعض العاملين في الصحافة السورية الخاصة في سلسلة من الحوارات تبدأ مع السيد أيمن عبد النور رئيس تحرير النشرة الإلكترونية اليومية «كلنا شركاء في الوطن», وعبد النور من مواليد دمشق 1964, تخرج في جامعة دمشق العام 1986 بشهادة بكالوريوس هندسة مدنية, درس الاقتصاد, وعمل بوصفه خبيرا في كثير من المشاريع, ألقى العديد من المحاضرات, وكتب أكثر من خمسين بحثاً في مواضيع اقتصادية مختلفة نُشرت في الصحف المحلية والعربية والأجنبية, وهو يرأس مجلس إدارة جمعية الصحفيين السوريين المستقلين, وهي جمعية قيد التأسيس, وفيما يأتي تفاصيل الحوار معه الذي تم عبر البريد الإلكتروني:
€ لماذا كان الانخراط في النطاق الإعلامي, هل هي المصادفات, أم الرغبة في تطوير الأداء الصحفي وإيصال رسالة ما, أم ماذا؟
انطلقت «كلنا شركاء في الوطن» عقب سقوط بغداد, لانه كان هناك احساس عميق ان سوريا ستواجه ضغوطاً وتحديات كبيرة وجديدة عليها, لا يمكن لحزب واحد او مجموعة من الاشخاص ان تضع الحلول المبتكرة والتي ستحتاج اليها سوريا, لذلك كان الرأي ان الحاجة الآن الى جميع السوريين سواء المقيمين او المغتربين بكل تياراتهم السياسية والفكرية للمساهمة في بناء الوطن, وتم تأسيس €كلنا شركاء€ لتكون منبرا لجميع تلك القوى والتيارات.
€ صحافة اللون الواحد كان الوصف الذي رافق الصحافة السورية خلال العقود الثلاثة الماضية, فإلى أي مدى استطاعت الصحف الخاصة أن تلوّن المشهد بعد انطلاقتها؟
استطاعت الصحف الخاصة على الرغم من محدودية عدد أصحابها وارتباطهم بشكل مباشر أو غير مباشر بشخصيات من النظام, أو يمكن التأثير على أعمالهم فيما لو خرجوا من الخط الذي يصاغ لهم, ومع ذلك استطاعت ان تكسب هامش مرونة جيد حتى الآن, وبشكل يومي يتم العمل على توسيع هذا الهامش, ولكنه يصطدم بحواجز وضغوط بعض المتنفذين في القرار من الهرم غير المعلن؟
€ ما هي المعوقات الأساسية التي تقف في وجه الصحافة الخاصة؟
لا توجد حدود واضحة لما هو مسموح أو ممنوع.
لا يوجد قانون يحمي الصحفيين, فضمن قانون الطوارئ تقوم الأجهزة الأمنية باستدعاء والتحقيق مع من تريد بدون الحاجة لأي مذكرة قضائية؟
لا يوجد قانون بخصوص حرية الحصول على المعلومات.
لا يوجد قانون يحمي الصحفي من الإدلاء عن مصادر معلوماته, إذ يتم جلبه للتحقيق, ولا يتم الإفراج عنه قبل ان يعلن عنها, ليتم الاتصال بها وتحذيرها من التعامل مع هذا الصحفي, وبالتالي يتم القضاء على مصادر المعلومات الضرورية له في عمله.
€ على الرغم من أن بعض الدوريات الخاصة استطاعت إلى حد ما أن تتجاوز السقف المسموح به, غير أن هذا التجاوز ظل مشروطا ومحدودا, فكيف يمكن رفع هذه الحدود عن الصحافة الخاصة, وهل المسؤولية تقع فقط على عاتق الجهات الرسمية, أم أن على العاملين في الدوريات الخاصة تحمل مسؤولياتهم بهذا الخصوص؟
لم يستطع احد تجاوز السقف المسموح, بل رفعت الاجهزة سقف ما تقبل به لفترة محددة, وعادت الآن للتشدد اكثر من ذي قبل, لذلك هي موجات لا يمكن التنبؤ بها, ولا يمكن التعويل عليها, ويجب ان يسعى الاعلام الخاص لتوسيع الهوامش, ولكن لا يمكن لنا ان نطلب منه, وهو يمول بمعظمه من محسوبين على النظام ان يتجاوز الحدود المعينة له؟
€ يُؤخذ على الدوريات الخاصة في سوريا اعتمادها على الصحفيين الجدد أكثر من اعتمادها على الكفاءات والخبرات القديمة, فماذا تقول بهذا الخصوص؟
يجب أن يتم إعطاء الفرص للصحفيين الجدد من خلال تدريبهم وتوسيع مهاراتهم, وبالمقابل عدم إهمال الصحفيين القدامى والمخضرمين, لكل واحد منهم مجاله وعمله الضروريان لنجاح أي وسيلة إعلامية.
€ إلى أي مدى استطاعت الإنترنت أن توسع من فضاء الصحفيين, وكيف تقيم تجربة الصحف الإلكترونية السورية؟
استطاعت الانترنت أن تقدم فرصة ممتازة للصحفيين وللناس للاطلاع على ما كان ممنوعا ومحجوبا عليهم, وقدّمت فرص عمل لعدد كبير من الصحفيين الجدد, واستطاعت تحقيق نجاحات مهمة حتى التفتت بعض أجهزة النظام الى أهميتها, فقامت بتمويل عدد من المواقع لتشويش المناخ, وبدأت تبث أخباراً متناقضة, وخلقت إشكالا بين المواقع هدفه النهائي خلق فوضى تؤدي لفقدان صدقية الأخبار والتحليلات المنشورة على أي موقع على الانترنت, وقد نجحت بالفعل بتشويش المناخ العام.
€ ما الذي تتوقعه من الفضائيات السورية الخاصة المستقبلية؟
ستكون تكراراً للفضائية السورية مع هامش مناورة أوسع قليلا وإخراج وديكور مكلف أكثر.
€ عموما كيف تقوم الأداء الإعلامي في سوريا, هل ثمة ما يميزه, وما هي المآخذ التي يمكن أن تُسجل عليه, وما هي السبل الأساسية لتطويره؟
الأداء الإعلامي يتحسن باضطراد, على الرغم من كل ما ذكرت, وعلى الرغم من المعوقات, وهناك بعض العاملين في الصحف الرسمية مستواهم عال جدا ويسعون لإعطاء صورة جديدة عن إعلام الحكومة, وبدأوا بمحاولات مهمة, ونتمنى لهم النجاح والاستمرار.
مشكلة الإعلام في سوريا انه رهين مراقبين كثر يتدخلون بعمله, من دون أن يكون عليهم مسؤولية مباشرة عن نجاح أو فشل توجيهاتهم, الإعلام السوري لا يعرف أي شخص, من يديره, ومن يحق له أن يتدخل به, ومن يعطي التحليلات السياسية, ومن يطرد كبار المديرين بفاكس؟
تهامة الجندي
المصدر: الكفاح العربي
إضافة تعليق جديد