مستقبل الثورة الليبية والصراع على طرابلس
الجمل: تتزايد تعقيدات الأزمة السياسية الليبية، وعلى خلفية التطورات الداخلية والخارجية الجارية، بدأت تتشكل السيناريوهات التي يمكن أن تتطور على أساسها حركيات الصراع السياسي الليبي خلال الفترة القادمة فما هي التطورات الجارية الآن في مسرح الصراع الليبي، وما هي المسارات والخيارات المتاحة أمام أطراف الصراع؟
• بيئة الصراع الليبي: توصيف المعلومات الجارية؟
تواترت الوقائع والأحداث الجارية في مجرى الصراع السياسي الليبي، وذلك بما أدى إلى حدوث المزيد من التغييرات الجديدة في خارطة الصراع، وفي هذا الخصوص نشير إلى الآتي:
- بيئة الصراع الداخلية: أكملت المعارضة الليبية سيطرتها على المنطقة الشمالية الشرقية، وتسعى حالياً لجهة فرض سيطرتها على المزيد من مناطق غرب ليبيا، وتحديداً المدن ذات الأهمية الإستراتيجية في تطويق العاصمة الليبية طرابلس، وفي هذا الخصوص تشير المعلومات والتسريبات إلى انضمام عدد كبير من عناصر الجيش الليبي وقوات الأمن والشرطة،وعلى وجه الخصوص أبناء المنطقة الشمالية الشرقية إلى حركة المعارضة الليبية، وعلى الجانب المقابل سعى نظام الرئيس معمر القذافي إلى تعبئة قدراته وموارده العسكرية والأمنية والسياسية بما يتيح له توجيه المزيد من الضربات ضد قوى المعارضة التي أصبحت تحقق المزيد من التقدم وكسب المناطق الجديدة يوماً بعد يوم.. خاصة أن الروح المعنوية للقوى الليبية قد تزايدت بمستوى غير مسبوق، بعد قيامها باستهداف بعض المدن الرئيسية القريبة ذات الأهمية الكبيرة لجهة استهداف ومحاصرة العاصمة طرابلس، ومن أبرزها مدينة الزاوية..
- بيئة الصراع الخارجي: سعت الولايات المتحدة الأمريكية بالتعاون مع بريطانيا وفرنسا، إضافة إلى بعض الدول العربية لجهة القيام بعملية ترتيب شاملة للمسرح الدولي، بما تتيح من جهة إضعاف نظام الرئيس معمر القذافي، ومن الجهة الأخرى تعزيز قدرات المعارضة الليبية، وذلك على النحو الذي يجعل طرابلس وهي في حالة عزلة دبلوماسية كاملة، إضافة إلى عدم القدرة والعجز والشلل التام لجهة القيام بأي محاولة لاستغلال الموارد الخارجية، ومن أبرز عمليات ترتيب المسرح التي تم القيام بها على المستوى الخارجي: قرار مجلس الأمن الدولي- فرض العقوبات الأمريكية والأوربية ضد ليبيا- تحريك مفاعيل الضغوط الاتصالية بواسطة أجهزة الإعلام الغربية، وأجهزة الإعلام العربية المرتبطة بخصوم القذافي وحلفاء أمريكا، وما هو هام يتمثل في: تحييد الاتحاد الإفريقي، إضافة إلى استقطاب الجامعة العربية لجهة الوقوف مع توجهات مجلس الأمن الدولي، وإضافة لذلك، تشير المعطيات الجارية إلى صدور قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بتعليق عضوية ليبيا في مجلس حقوق الإنسان، وتحول البعثة الدبلوماسية الليبية في الأمم المتحدة لجهة دعم المعارضة، وجميعها مؤشرات تفسح المجال واسعاً أمام المزيد من إضعاف واستهداف نظام الرئيس معمر القذافي.
• سيناريو الخيار العسكري: لعبة حشد موارد القوة العسكرية
تحدثت المزيد من الأطراف الدولية والإقليمية عن سيناريو الخيار العسكري باعتباره ضعيف الاحتمال، وإن كان وارداً ومطروحاً، وبرغم ذلك، وعلى أساس اعتبارات التطورات السلوكية الجارية في المجالين المحلي والإقليمي والدولي، فإن ملامح سيناريو الخيار العسكري أصبحت حاضرة بقوة، وفي هذا الخصوص نشير إلى الآتي:
- الخيار العسكري الداخلي: بدأت الاحتجاجات السياسية الليبية كحركات مدنية بلا سلاح، ثم بعد امتناع العسكريين الليبيين في المناطق الشرقية عن قمعها، وقيامهم بحمايتها من أي استهداف عسكري قادم خارج المنطقة الشرقية، تحولت إلى احتجاجات سياسية "محمية" بقوة السلاح، والآن وعلى خلفية انضمام العسكريين في المناطق الشرقية إلى هذه الاحتجاجات، تحولت إلى احتجاجات سياسية مسلحة تستطيع القيام باستخدام القوة العسكرية لجهة استهداف خصومها وتحقيق أهدافها، وفي هذا الخصوص، فمن المتوقع أن تقوم قوى المعارضة الليبية المسلحة بعملية فرض سيطرتها الكاملة على كافة المدن والقرى المحيطة بالعاصمة الليبية طرابلس، ثم إغلاق الممرات الحيوية، بما يتيح فرض عملية حصار عسكري شاملة ضد العاصمة طرابلس، ثم بعد ذلك تتغلغل في أحياء العاصمة الطرقية، بما يتيح لها محاصرة مركز السلطة.. ثم بعد ذلك يتم لاحقاً شن الهجوم الرئيسي ضد منطقة باب العزيزية حيث يتمركز الزعيم معمر القذافي، والقاعدة العسكرية الرئيسية حيث تتمركز القوات الشديدة الولاء للزعيم القذافي، ولكن كما هو واضح فإن تنفيذ هذا الخيار سوف يتطلب نجاح قوات المعارضة في خوض عمليات حرب الشوارع، وهي حرب تتطلب تقنية قتالية عالية، إضافة إلى القدرة الكبيرة على تحمل الخسائر الفادحة في الأرواح والمعدات..
- الخيار العسكري الخارجي: تشير التحركات الجارية، إلى وجود معطيات تفيد لجهة انقسام الخيار العسكري الخارجي إلى أربعة خيارات فرعية هما:
الخيار الأول: قيام القوات الأمريكية بالتعاون مع قوات الدول الأوربية الرئيسية الحليفة لأمريكا، بعمليات قصف جوي، وربما تدخل بحري محدود ضد العاصمة الليبية طرابلس.. وهذا الاحتمال ممكن، إذا نجحت قوات المعارضة الليبية في فرض الحصار البري على العاصمة طرابلس، وبالتالي فإن حدوث هذا الخيار سوف يكون بمثابة دعم عسكري خارجي لقوات المعارضة الليبية، بما يكفيها شر التعرض للمزيد من الخسائر الفادحة في حالة خوض حرب الشوارع ضد أنصار نظام القذافي..
الخيار الثاني: قيام القوات الأمريكية، مع قوات بعض الدول الغربية، مع قوات بعض الدول الحليفة لواشنطن، لجهة القيام باستهداف الرئيس معمر القذافي، في العاصمة الليبية طرابلس، والقضاء عليه بحيث لا تحدث أي اعتراضات عربية، ويبدو الأمر وكأنما هو تحالف دولي واسع من أجل خطط الأمن والاستقرار.
الخيار الثالث: قيام قوات حلف الناتو، والتي تشارك فيها (أمريكا بدور قيادي بعملية عسكرية واسعة النطاق، تؤدي إلى غزو واحتلال ليبيا، ووضعها تحت الانتداب الأوروبي، ثم تحديد فترة انتقالية تتضمن السيطرة على ليبيا لعدد من السنوات.. والقيام بإرساء دعائم عملية سياسية مشابهة للعملية السياسية العراقية، وبعدها يتم تحديد خروج قوات حلف الناتو..
الخيار الرابع: قيام القوات الأمريكية منفردة بتوجيه ضربات جوية، وضربات صاروخية من البحر، محدودة ضد مناطق تمركز الزعيم معمر القذافي في العاصمة الليبية طرابلس، بما يتيح القضاء على مراكز القيادة والسيطرة، ويفسح المجال أمام تقدم قوات المعارضة الليبية والاستيلاء على السلطة..
حتى الآن من الصعب تحديد الخيار الأكثر احتمالاً، ولكن الذي اتضح الآن هو أن السيناريوهات الممكنة، أصبحت تنطوي على بعض الخيارات المتاحة أمام الزعيم معمر القذافي، والتي يتمثل أبرزها في الآتي:
- خيار المواجهة: ويتضمن خوض المواجهة، حتى أخر قطرة دم، على حد تعبير الزعيم معمر القذافي.
- خيار الانسحاب: ويتضمن الموافقة على صفقة يتم ترتيبها بواسطة الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، تؤمن للزعيم معمر القذافي وأنصاره الخروج إلى أحد "الملاذات الآمنة" الخارجية التي يتم توفيرها لهم.
- خيار المؤامرة: ويتضمن تنفيذ عملية سرية، يقوم بموجبها أحد العناصر اللصيقة بالقذافي، بعملية اغتياله واغتيال أبرز حلفاءه المتمركزين معه في العاصمة طرابلس..
حتى الآن، لم تتضح بعد مصداقية أي واحد من هذه الخيارات الثلاثة المشار إليها فخيار المواجهة هو الذي يتم التأكيد عليه يومياً بواسطة إعلام نظام القذافي، وخيار الانسحاب، مازالت تلوح به واشنطن بين الحينة والأخرى، أما خيار المؤامرة فقد ورد بشكل خافت بواسطة التسريبات التي صدرت عن بعض كبار خبراء جماعات اللوبي الإسرائيلي.
هذا وبرغم كل ذلك، يبقى سيناريو الصراع المقترح والحرب الأهلية الليبية وارداً، بما يؤدي إلى إيقاع أكبر ما يمكن من الضحايا الليبيين.. وهو السيناريو المفضل للأمريكيين والإسرائيليين، وسوف يسعى محور واشنطن- تل أبيب بشتى الوسائل لإنفاذ هذا السيناريو، حتى لو أدى ذلك إلى إحراق ليبيا بما فيها.. وذلك لأن باطن الأرض الليبية يحتوي على احتياطات نفطية تبلغ حوالي 65 مليار برميل نفط، بما يصل قيمته إلى حوالي 6.5 ترليون دولار وهو مبلغ يعادل نصف حجم الاقتصاد الأمريكي!!
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد