مدينة عدرا بين السجن و "الدراويش"

10-08-2013

مدينة عدرا بين السجن و "الدراويش"

لم يكن يعلم الحاج أبو توفيق، صاحب محل الحدادة المتواضع، أن منزله مسبق الصنع في مدينة عدرا العمالية سيتضاعف سعره عشرات المرات خلال سنة.
 
خلال عام واحد، استقبلت هذه المدينة الصغيرة، عشرات العائلات النازحة، ليرتفع عدد سكانها من حوالي 50 ألف نسمة، إلى 100 ألف، ما استدعى معه ارتباع أسعار المنازل والإيجارات والمواد الغذائية والاستهلاكية.
 
عدرا التي تبعد حوالي 30 كم من مدخل العاصمة الشرقي، والتي تعتبر جزءا من غوطة دمشق الشرقية، توجّهت إليها عوائل الغوطة والضمير وعربين وحرستا، وبالأخص أهالي مدينة دوما، بعد العمليات العسكرية والاشتباكات التي طالت تلك المناطق.
 
كانت تُعتبر من أهم المراكز الصناعية في سوريا، ومركز التجارة الحرة في دمشق, وأصبحت فيما بعد مركزاً صناعيًّا هامًّا في ريف العاصمة، إذ أقيمت فيها المنطقة الصناعية التي تُعتبر الأكبر في سوريا، حيث المنشأت الصناعية والمعامل الضخمة للصناعات متطورة، كالصناعات الاستهلاكية والصناعة الكيماوية واللالات
 
في شهر رمضان الماضي، بدأ مسلحو المعارضة ما أطلقوا عليه اسم معركة دمشق الكبرى، ومنذ ذلك الوقت بدأت حالات النزوح بشكل متزايد، دون أن تتوفر أماكن ومستلزمات العوائل الوافدة.
 
"لواء الإسلام " :
 
"لواء الإسلام" هو فصيل مسلح معارض يقوده المدعو "زهران علوش"، وهو أكبر فصيل مسلح مقاتل في ريف العاصمة، مقره الأساسي في مدينة دوما المجاورة لمدينة عدرا، وله انتشار في معظم أنحاء الريف وأطراف دمشق.
 
انتشرت "كتائب اللواء" في محيط المدينة عدة مرات، وقاموا بقصف ما قالوا عنه مراكز للأمن والشبيحة، وسجلت إصابات عديدة في صفوف المدنيين .
 
يقول أبو توفيق لتلفزيون الخبر "نحن سكان عدرا صرلنا سنتين ما صاير عنا شي.. نحنا لا مع النظام ولا مع المعارضة بدنا ناكل ونعيش.. بس من وقت ما إجا لواء الإسلام خربو البلد".
 
يضيف أبو توفيق: " اذا لواء الاسلام عم يشتغل تحت اسم دين محمد.. سيدنا محمد قلون ذبحو العساكر وزتوهون ببحرة الصرف الصحي..ما اكتفوا بسرقة مقسم عدرا وخربوا الشارع العام.. لأنو الشارع العام للنظام ولا للناس المساكين".
 
في السياق نفسه، طالبت كتائب" لواء الإسلام" عدة مرات يإخلاء المدينة، مع العلم أنها تكتظ بالنازحين والوافدين من المناطق المجاورة، وناشد سكان المنطقة عدة مرات عناصر "لواء الإسلام" عدم الدخول للمدينة لأنها تضم "الدراويش والنساء والأطفال الهاربين من الموت".
 
أرقام وإحصاءات:
 
نزح إلى مدينة عدرا من دوما وحدها ما يزيد عن 600 عائلة. ويقول أبو توفيق " كان قد نزح قبلهم عدد لا بأس به، و لكن النازحين القدامى هم اما ممن تتوفر لديه القدرة المادية على استئجار بيوت في مناطق آمنة أو من لديه صلات قربى في مدن أخرى".
 
النازحون الذين خرجوا من دوما في نهاية شهر تموز 2012، في الحملة الاخيرة توزعوا في مناطق عدة، انضموا لـ 300 عائلة نازحة من حمص ودير الزور وإدلب، و قام سكان المدينة بفتح المدارس لاستقبال النازحين و الباقي متواجدين في بيوت بعضها معد للآجار مسبقا و بعضها جهز بتجهيزات بسيطة.
 
وو وصل العدد الإجمالي للعائلات الوافدة إلى مدينة عدرا العمالية إلى نحو 100 ألف عائلة، وهو رقم أكبر بكثير من طاقة المدينة المادية والبشرية، ما أجبر بعض السكان للجوء إلى بيوت غير منتهية الإكساء في توسع المدينة العمالية و هذه البيوت غير موصولة بشبكة المياه و لا الكهرباء و بعضها حتى غير موصول على شبكة الصرف الصحي و هي أشبه بمخيمات .
 
ولا تتوفر في هذه البيوت أدنى سبل العيش من ماء و كهرباء و صرف صحي و فرش و أدوات طعام و رعاية صحية، كما أن سكان هذه البيوت ليس لديهم القدرة على توفير المياه للاستحمام أو لأدنى متطلبات الحياة و تصلهم كميات قليلة من الطعام.
 
و لا يختلف الوضع الصحي في المدينة عن الوضع المعيشي فقد عانى معظم النازحين من ظروف صحية سيئة إضافة إلى عدم قدرتهم على توفير أدويتهم ممن لديهم أمراض مزمنة و ندرة تواجد حليب الأطفال و الحفاضات فهناك جزء كبير ينام في العراء أو في بيوت غير جاهزة. وتسجل يومياً حالات إنتانات هضمية و أمراض تحسسية و بالذات لدى الأطفال، إضافة إلى انتشار الحشرات.
 
والجدير ذكره أنه لم تتمكن أي جهة مثل الهلال الأحمر أو الجهات الخيرية من توثيق أعداد العائلات وأعداد الأطفال ومرضى الأمراض المزمنة حيت يتنقل هؤلاء النازحين من مخيم لأخر.
 
تجار الأزمة
 
ما بين العوائل الهاربة من الموت، والعوائل الحالمة بمنزل يأويها، يقول سكان مدينة عدرا إن هناك طرفا ثالثا يستغل الأزمة ويحاول استثمارها للحصول على شقة مجانية ومريحة دون أن تكون له علاقة بالأزمة، فبعض المستأجرين تركوا شققهم المستأجرة لقاء بدل إيجار، وانتقلوا إلى شقق أخرى بعد أن قاموا بخلع أبوابها والإقامة فيها .
 
وهناك من قام بتأجير شقته التي يملكها واللجوء إلى شقق أخرى للسكن فيها تحت تسمية نازح أو وافد من مناطق أخرى طمعاً بالمعونات التي يقدمها المجتمع الأهلي والهيئات الحكومية، وتحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب المادية والعينية .
 
ضيوف من حلب:
 
بعد اشتداد المعارك والحصار في مدينة حلب، استقبلت مدينة عدرا مجدداً عشرات العوائل الحلبية الذين توزعوا على عدد من المدارس، ومدت اللجنة الدولية الهلال الأحمر العربي السوري في دمشق بما يكفي من مواد طبية لمعالجة حوالي 500 مريض. كما قدمت اللجنة الدولية طروداً غذائية تكفي لشهر واحد لحوالي 13500 نازح في عدرا العمالية
 
الحاجة أم العمل المدني:
 
استدعت الحاجة الملحة إلى قيام بذرة عمل مدني على أيدي شباب وشابات من مدينة عدرا، فكانت "سواعد" التي تضم في كادرها عدد من الشباب المعارض للسلطات السورية، لكنه يقدم خدماتها لكل سكان مدينة عدرا ونازحيها.
 
هذه المجموعة (ساعد) تعرف عن نفسها بأنها مجموعة إغاثية وتنموية تعمل لصالح المجتمع ضمن معايير محددة وواضحة ، وذلك من أجل الوصول إلى استجابة إنسانية في حالات الكوارث والنزاعات، تعمل على تقديم الإغاثة بجميع اشكالها للمتضررين في حالات النزاعات و الكوارث و الحفاظ و تدعيم السلم الأهلي الإجتماعي و التنمية المجتمعية البشرية في حالات الإستقرار و السلم
 
كل الطرقُ.. لا تؤدي إلى عدرا:
 
فيما مضى، كنتَ بحاجة إلى 40 ليرة، وحوالي 35 دقيقة كي تصل إلى مدينة عدرا عن طريق كراجات العباسيين. أما اليوم فإنك تحتاج إلى 150 ليرة، ومدة زمنية قد تصل إلى ساعتين لكي تصل إلى المدينة سالماً.
 
الطريق الدولي السريع مقطوع منذ شهرين، والمرور فيه أشبه بالانتحار بسبب عمليات القنص وسقوط القذائف والاشتباكات التي لا موعد لاندلاعها، لذا يسلك أصحاب السرافيس طريق التل الطويل.
 
انقطاع الطريق الدولي خفف كثيرا من كمية المساعدات الإنسانية التي تصل لمدينة عدرا، ما زاد من معاناة الأهالي والوافدين.
 
عدرا بين فكي كماشة:
 
موقع عدرا الجغرافي يضعها في قلب معارك ريف العاصمة بين جبهة مدينة دوما وجبهة الغوطة الشرقية، ولعل قربها من سجن عدرا المركزي جعل الذريعة أقوى للمجموعات المسلحة، كي تستهدفها بعشرات قذائف الهاون التي أضلت طريقها عن السجن ونزلت في المدينة السكنية.
 
أكثر ما يعانيه أهلها هو قذائف الهاون، ومخاوف من دخول"لواء الإسلام" إلى قلب المدينة. قبل حوالي الشهر، حاولت عدة كتائب تابعة "للواء الإسلام "محاصرة السجن المركزي في عدرا، لكن الجيش العربي السوري تدخل ووقعت حينها معارك عنيفة أحبطت المحاولة.
 
سجن عدرا المركزي:
 
لا توجد صعوبات في زيارة السجن، ورقة صغيرة من المحكمة ورسم طوابع بـ 25 ليرة، وموافقة من القاضي تحصل عليها خلال دقائق هو كل ما يلزمك، لكن الأهم هو تأمين الطريق أو سيارة توصلك للسجن، حيث أصبحت الزيارة أصعب بكثير بسبب انقطاع الطريق الدولي.
 
الموافقة على الزيارة هي أمر لازم باستثناء زيارات الأقارب من الدرجة الأولى، وموعد الزيارة هو يومان في الأسبوع من الساعة التاسعة وحتى الواحدة.
 
قام تلفزيون الخبر بزيارة السجن بصفة شخصية وليس بصفة صحفية، لأن دخول الصحفيين إلى السجن يحتاج إلى موافقات طويلة. وصلنا إلى كراج السجن، حيث وضعنا السيارة ثم توجهنا إلى باحة صغيرة تشبه الاستراحة، بعدها مررنا على غرفة الأمانات ووضعنا فيها كل أغرضانا، في حين تمكنا من الحفاظ على مبلغ 10 آلاف ليرة سورية كحد أقصى، وهو الحد الأقصى المسموح بإدخاله.
 
هناك في منطقة السجن ومحيطها، ليس للموبايل أية فائدة، لا تتوجد تغطية . باحة أخرى تلي الباحة الأولى، تصل لحاجز ثاني وثالث، يأخذون منك الهوية والموافقة ومن ثم تصل لمرحلة التفتيش الدقيق جدا.
 
السجن في الداخل عبارة عن شبكين، ولا يمكنك التواصل جسديا مع السجين إطلاقا، يُنادى على السجين وتختار المكان الذي تودّ محادثته وتبدأ الزيارة.
 
مدينة السجن:
 
داخل السجن المركزي، تستطيع مشاهدة كل أطياف وألوان وأشكال وأحجام المجتمع، هو مدينة مصغرة عنوانها الأساسي" معك ليرة بتسوى ليرة". من يملك المال داخل السجن، يعيشُ ملكاً، يؤمّن له التلفاز والماء البارد وربما الهاتف أحيانا.
 
هنا لا وسائل تعذيب، ولا إهانة، وسباب وشتائم.. العذاب الوحيد لأي مسجون هو الملل القاتل، أو ربما قد يعمل في تنظيف الحمامات أو أي عمل آخر في صناعات يدوية خفيفة، لتأمين مدخول إضافي له.
 
أخيراً..
 
كانت مدينة عدرا العمالية تتحضّر لكي تضم منازل ومساكن العاملين في المدينة الصناعية المجاورة، والتي كانت بدورها تتجهّز لكي تكون أكبر مدينة صناعية في سوريا. لكن مع بدء الأزمة، بدأ الدور الصناعي للمدينة ينحسر تدريجيا لحساب الدور الإغاثي والإنساني، خاصة مع اشتداد عنف العمليات العسكرية في محيط المدينة.
 
المساحة الجغرافية الكبيرة، والمكان الاستراتيجي على مدخل العاصمة، إضافة لاحتوائها عدة معامل صناعية ضخمة، كانت مؤهلات أولية لجعل هذه المدينة الصناعية نقطة رائدة في مجال التجارة والاقتصاد السوري.. لكنها "فرحة ما تمت..".

المصدر: الخبر

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...