مؤتمر شرم الشيخ: المصالح والأدوار
الجمل: تتوجه الأنظار اليوم إلى مدينة شرم الشيخ المصرية، حيث ينعقد المؤتمر الدولي المخصص لبحث وتداول أمن العراق وإعادة إعماره.
· المشاركة في المؤتمر:
سوف تشارك في المؤتمر 50 من دول العالم، وسوف تكون معظم هذه الدول ممثلة بوزراء خارجيتها، باستثناء العراق، التي سوف يكون وفدها بقيادة نوري المالكي رئيس الوزراء.
كذلك سوف تشارك في المؤتمر الأمم المتحدة، الجامعة العربية، منظمة المؤتمر الإسلامي، والاتحاد الأوروبي.
وتجدر الإشارة إلى أن وزراء خارجية البلدان الستة المجاورة للعراق سوف يشاركون في المؤتمر، ما عدا وزير خارجية تركيا عبد الله غول، والذي سوف لن يحضر بسبب الانشغال بموضوع الانتخابات الرئاسية، وسوف يقود الوفد التركي بدلاً عنه محمد إيدين وزير الشؤون الدينية التركي.
· تنظيم المؤتمر:
ينعقد المؤتمر على مدى يومي (الخميس 3/5 والجمعة 4/5) بحيث يغطي ثلاث جلسات عمل، إضافة إلى جلستين مغلقتين، يصدر بعدها البيان الختامي، وما هو هام في تنظيم المؤتمر هو انقسامه إلى مؤتمرين، الأول هو مؤتمر وثيقة العهد الدولي للعراق، والثاني هو مؤتمر أمن العراق.
كذلك سوف يكون هناك اجتماع ثالث غير رسمي لأعضاء اللجنة الرباعية الدولية للشرق الأوسط (أمريكا، روسيا، الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي). مع أعضاء الوفود العربية لإجراء بعض التفاهمات حول مبادرة السلام العربية.
المؤتمر الأول سوف يشارك فيه الجميع، أما المؤتمر الثاني فسوف تشارك فيه الأطراف الآتية حصرا:
-العراق: باعتباره البلد المعني.
-جيران العراق: سوريا، الأردن، السعودية، الكويت، إيران، تركيا.
-الولايات المتحدة: باعتبارها الدولة التي تحتل –بالقوة العسكرية- العراق.
-دول أخرى: مصر (باعتبارها البلد المضيف)، والبحرين.
-منظمات دولية: الأمم المتحدة.
-منظمات إقليمية: الجامعة العربية، منظمة المؤتمر الإسلامي، والاتحاد الأوروبي.
· أجندة المؤتمر:
سوف يناقش المؤتمر الموضوعات الآتية:
-الأجندة الاقتصادية: وتتعلق بإعادة بناء وإعمار العراق.
-الأجندة الأمنية: وتتعلق بحفظ الأمن في العراق.
· أبرز الملاحظات:
التوقيت: يأتي مؤتمر شرم الشيخ على خلفية بيئة إقليمية ودولية عالية التعقيد:
-بالنسبة لأمريكا: تحولت كل موازين القوى لتصبح ضد الإدارة الأمريكية الحالية، فداخل العراق تزايدت المقاومة والصراعات على النحو الذي جعل الجيش الأمريكي غير قادر على الإمساك بزمام المبادرة والسيطرة على تطورات الأحداث والوقائع داخل العراق.
ولم تعد القوات الأمريكية تتمتع بمهارة الهجوم والمبادرة في توجيه الجهد العملياتي والتكتيكي في المسرح الحربي العراقي.. بل تحولت تماماً من موقف الهجوم إلى الدفاع، وفقاً لأسلوب يركز في كثير من الأحيان على الدفاع الإيجابي، وفي القليل على الدفاع السلبي، وفي حالة تدهور الأوضاع أكثر فأكثر، فسوف تتحول القوات الأمريكية الموجودة داخل العراق إلى الدفاع السلبي الكامل، على النحو الذي قد يعرضها لهزيمة عسكرية على غرار هزيمة ديان بيان فو التي لحقت بالقوات الفرنسية في فييتنام.
كذلك تفاقمت الضغوط الداخلية أمام إدارة بوش، خاصة بعد سيطرة الديمقراطيين على الكونغرس، لذلك على الأغلب أن الإدارة الأمريكية سوف تسعى لتوظيف هذا المؤتمر من أجل الحصول على الأموال والتي لابدّ أن تكون إدارة بوش قد اشترطت مسبقاً على السعودية ودول الخليج وأوروبا واليابان التبرع بها لدعم العراق، وذلك بما يتيح لإدارة بوش قدراً من التمويل لتغطية نفقات الحرب على النحو الذي يؤدي لإحراج الديمقراطيين الذين أصبحوا أكثر تشدداً إزاء إدارة بوش في منح التمويل وفرض شرط الانسحاب كأساس لتمويل القوات الأمريكية.
-بالنسبة للعراق: تسعى حكومة نوري المالكي للظهور بالمظهر الذي يضفي عليها المزيد من الشرعية الدولية، وذلك لإحساسها بأن دول العالم أصبحت تنظر إليها كحكومة منصبة بواسطة سلطات الاحتلال مثلها مثل الحكومة الفرنسية التي قام بتنصيبها هتلر في باريس بعد احتلال القوات الألمانية لفرنسا.
وتحاول حكومة نوري المالكي تقديم السند والدعم لإدارة بوش عن طريق تبني الأجندة الأمريكية التي رسمتها الإدارة الأمريكية وتم تمريرها لنوري المالكي ضمن (التعليمات) التي تصله بشكل روتيني بواسطة السفارة الأمريكية في بغداد، ومن أبرز ذلك، مطالبة نوري المالكي بأن لا يتضمن البيان الختامي أي إشارة لموضوع انسحاب القوات الأمريكية من العراق، لأن هذا الأمر على حد تعبير نوري المالكي (شأن عراقي داخلي).. وكما نعلم ليس صدفة أن تتضافر مطالبة المالكي مع مطالبة بوش للكونغرس الأمريكي بعدم الإشارة لموضوع انسحاب القوات الأمريكي ضمن قرار الكونغرس!!.. فبوش يريد البقاء في العراق على نحو يستديم الاحتلال، ونوري المالكي يريد البقاء في السلطة، وبالتالي تتقاطع مصلحة الطرفين وفقاً للصيغة التي تحقق المساندة المتبادلة بين الطرفين (بوش- المالكي) طالما أن خروج القوات الأمريكية من العراق معناه استقلال العراق، واستقلال العراق معناه –بالضرورة- سقوط نوري المالكي!!
-بالنسبة لمصر: فعالية القيام بدور (اللاعب الدولي) في النظام الدولي والإقليمي المعاصر ترتبط بتوازن (الدور) و(المكانة).. ويتفق الجميع على أن مصر بعد اتفاقيات كامب ديفيد لم تعد تتمتع بـ(المكانة) التي تؤهلها للقيام بـ(دور) إقليمي رئيسي في المنطقة العربية خارج سقف الأجندة الأمريكية الشرق أوسطية التي تقوم تل أبيب بوضعها مسبقاً لأمريكا.. وحالياً تحاول مصر أخذ دورها ضمن هامش الحركة المتاح أمامها ضمن حدود سقف السياسة الخارجية الأمريكية، وعلى ما يبدو فقد لعبت الدبلوماسية المصرية دوراً مكثفاً في دفع أطراف المؤتمر للموافقة مسبقاً على موقف الإدارة الأمريكية إزاء الأزمة العراقية، وتكشف ذلك تصريحات الخارجية المصرية التي قالت بأن 99% من أجندة المؤتمر قد تمت الموافقة عليها مسبقاً بواسطة الدول المشاركة، وفي هذا دليل واضح بأن الخارجية المصرية قد اتصلت بالدول المشاركة ولعبت دوراً بارزاً في إقناع هذه الدول بعدم تبني المواقف التي سوف تؤدي داخل المؤتمر إلى إحراج (وزيرة الخارجية الأمريكية).. مثل الانسحاب من العراق، والتحقيق الدولي في تجاوزات القوات الأمريكية وجرائمها ضد السكان العراقيين.
وعموماً، بصرف النظر عن أغلبية الدول المشاركة (والتي سوف تركز على القيام بدور الكومبارس الذي يستمع للمداخلات ثم يوقع في نهاية الأمر على البيان الختامي) فإن ثمة دول أخرى يتوقع أن تكون لها حسابات محددة داخل أروقة مؤتمر شرم الشيخ، وهي:
-السعودية، والكويت، وبلدان الخليج: سوف تركز على تقديم التبرعات والدعم المالي، والذي سوف تستفيد منه الإدارة الأمريكية بشكل رئيسي.
-إيران، يتوقع لها أن تتعامل ببراغماتية داخل المؤتمر، وسوف يكون اهتمامها منصباً على لقاء وزير خارجيتها بوزيرة الخارجية الأمريكية على هامش المؤتمر، والذي يعتبر أول لقاء يحدث بين مسؤولين كبيرين من هذين البلدين، بعد فترة انقطاع دامت 27 عاماً، منذ لحظة قطع العلاقات الدبلوماسية بينهما في عام 1980م.
-سوريا: وهي من أكثر بلدان الشرق الأوسط التي تعاني من نوايا الإدارة الأمريكية، وعلى خلفية السياسة الخارجية السورية الواضحة المعالم، فمن المتوقع أن تتعامل سوريا مع أجندة المؤتمر باستقلالية شديدة تقوم على أساس اعتبارات الموازنة بين مختلف القضايا الإقليمية والدولية العالقة حالياً وحقوقها الثابتة والمشروعة.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد