مؤتمر أصدقاء سوريا بين الواقع والتمنيات على وقع الحديد والنار
لا يتوقع متصلون بالعاصمة الأميركية واشنطن الكثير من مؤتمر "أصدقاء سوريا" المنعقد في تونس، وإن كانوا يؤكدون أنّه سيعمّق الانقسام السياسي في سوريا، ويزيد الضغط والعزلة على النظام، في ظل استمرار الوضع العسكري على وتيرته العالية من التصعيد، معطوفا على مواقف إقليمية ودولية متشنجة ومتناقضة تراوح بين حدّي العداء الكامل للنظام وممارسة شتى أنواع الضغوط السياسية والدبلوماسية والعسكرية، والدعم السياسي والأمني المطلق له مع ما يعنيه ذلك من خوض المعارك الدبلوماسية عوضا عنه.
وفي حين يعتبر بعض النازحين من حمص أنّ حي بابا عمرو الذي يشكل مركز الثقل العسكري للجيش السوري الحر بات في حكم الساقط عسكريا بعد أن تمكنت الفرقة الرابعة في الجيش السوري من إقفال منافذ الأنفاق التي كان يستخدمها المسلحون للتزود اللوجستي، وبالتالي توجيه ضربات قاسية وموجعة للمعارضين، ويكشفون أنّ القوى النظامية بدأت منذ ساعات بتركيز عملياتها في مدينتي ادلب وحماه وتجهيز نفسها لاقتحامات ميدانية تضع حدا لحرب الاستنزاف المتنقلة. تعرب مصادر دبلوماسية عربية عن خشيتها من وصول المؤتمر التونسي إلى الحائط المسدود بعدما شهدت عشية الانعقاد الكثير من المواقف الملتبسة التي تتراوح بين تملص بعض الدول العربية من سحب سفرائها من دمشق، وتصريحات أوروبية نافية القدرة على التدخل العسكري المباشر وغير المباشر، فضلا عن مواقف أميركية ملتبسة ومكتفية بالدعوة إلى فرض المزيد من العقوبات على سوريا.
ويعتبر الدبلوماسي أنّ المقررات التي ستصدر عن المؤتمرين في تونس لن تتخطى السقوف التي كانت اجتماعات وزراء الخارجية العرب قد رسمتها في أوقات سابقة، كما أنّها لن تصل إلى حدود الاعتراف المطلق بالمجلس الانتقالي ممثلا للشعب السوري، بل ستترك الباب مواربا من خلال الاعتراف به ممثلا للمعارضة السورية دون الشعب السوري عموما، وهذا ما سيؤدي إلى انقسامات حادة بين صفوف المعارضة، لاسيما بين معارضتي الداخل التي تطالب بوقف القتال والاصلاحات والخارج التي لا ترضى اعلاميا ونظريا بغير اسقاط الرئيس بشار الاسد ونظام حزب البعث المستمر منذ اكثر من اربعة عقود.
ويتساءل الدبلوماسي المذكور عن السبل العملية لفرض أمر واقع جديد على النظام في حال رفضه تأمين معابر إنسانية للمدن المنكوبة في ظل امتناع الغرب عن فرض الحلول بالقوة العسكرية، فالتجربة المستمرة منذ حوالي العام أثبتت أنّ النظام لم يتزحزح عمليا ولم يصل إلى حدود الانهيار الفعلي، وإن كانت الأوضاع الاقتصادية بدأت تتأثر جديا بالعوامل الامنية المتنقلة. وبالتالي فان كل المقررات التي اتخذتها الدول العربية، والعقوبات التي فرضتها المجموعات العربية والغربية والاوروبية لم تؤد إلى تراجع النظام، بل على العكس زادته اصرارا على الحسم العسكري، كما زادت مواقف روسيا والصين تصلبا ورفضا ازاء اي تدخل في سوريا، لاسيما بعد ان تطور موقف الدولتين من الفيتو على التدخل العسكري، إلى الفيتو على التدخل السياسي الاجنبي، بحيث ركزت مواقف الساعات الاخيرة الماضية على ضرورة حث المعارضة والنظام للبدء بحوار جدي بعيدا عن التدخلات الخارجية.
وازاء هذا الواقع، معطوفا على التطورات الميدانية التي تصب في مصلحة النظام، تشكك المصادر بقدرة العرب على تحقيق اي خرق في الجدار السوري، طالما أنّ الكباش تحول بين موسكو وواشنطن، بحيث باتت اللعبة اكبر من الدول الخليجية التي تحولت إلى أدوات لا اكثر، فضلا عن استمرار المعادلة التي يتداولها كبار العرب في اروقتهم وهي تشدد على ان بقاء نظام الاسد يساوي سقوط الانظمة التي حاربته، ما يعني بان المؤتمرات المشابهة لن تؤدي الا إلى المزيد من الانقسام العربي والشرذمة الاسلامية اذا ما جاز التعبير.
أنطوان الحايك
المصدر: النشرة الالكترونية اللبنانية
إضافة تعليق جديد